Al Jazirah NewsPaper Sunday  21/09/2008 G Issue 13142
الأحد 21 رمضان 1429   العدد  13142
الرأسمالية في أزمة وأثرياؤها للتقبيل
محمد سليمان العنقري

دعه يمر دعه يعمل.. شعار يتباهى به الرأسماليون منذ عقود واليوم بفعل جشعهم يمر العالم بأخطر أزمة مالية لم يسبق لها مثيل، فالرأسمالية التي اهتمت في بداياتها بتنمية رأس المال ليخلق قاعدة اقتصادية كبيرة للدول التي تبنتها عقيدة وفكراً تحوّلت إلى تنمية المال بطمع وجشع أفقد قادة المؤسسات المالية صوابهم ومسحت من عقولهم أبسط قواعد علم الاقتصاد ليخلفوا أكبر أزمة مالية إلى الآن تقدّر تكاليفها الأولية بأكثر من تريليون دولار.

وبسبب غياب الرقابة على النظام المالي في أمريكا قائدة الرأسمالية في العالم نعيش اليوم أسوأ الكوارث على الإطلاق وبشهادة مخضرمي الأعمال المصرفية الذين أقروا بأنهم لم يعاصروا أو يعايشوا أزمة من هذا النوع سابقاً، ففي الوقت الذي يبلغ فيه حجم ناتج الاقتصاد العالمي سنوياً 48 تريليون دولار يبلغ حجم الاقتصاد الورقي 144 تريليون دولار أي بما يفوق الضعفين مما يعني أن تضخيم قيمة الأصول بفعل عوامل المضاربة وتوظيف الأموال عالمياً يتم عبر تدوير الأوراق المالية بشكل مضاربي وسريع بقصد تحقيق أعلى المكاسب في فترات قصيرة مما أوصل العالم وأمريكا على رأسه إلى أزمة بدأت من خلال استغلال لقوانين الرهن العقاري وتخفيض كبير في أسعار الفائدة استجذبوا الفرد الفقير أو ذا الدخل البسيط إلى أن يكون نواة كرة الثلج التي أصبحت أكبر من أن تواجهها أمريكا وحدها لتصبح قيمة الأصول أكبر من قيمتها الحقيقية بأضعاف فاقت الخمسة ولربما العشرة، وأصبحت هذه الأسماء الرنانة في عالم المال وبيوتها العاجية التي تتباهى بها تلك الدول تعتمد في نهاية المطاف على هذا الفرد الفقير البسيط إذا كان سيسدد قرضه أم لا. واليوم أصبح من الضروري أن تقوم دول العالم الثالث والاقتصاديات الناشئة وعلى رأسها دولنا بإعادة النظر في استثماراتها بالدول الكبرى والتحول بأموالها نحو منطقتنا لأن فيها كل مقومات النجاح والنمو، فدولنا مليئة بالشباب وفيها خامات كبيرة ما زالت في مهدها وكل ما تحتاجه هو السيولة التي تبني اقتصاداً حقيقياً من زراعة وصناعة وغيرها، فلم يعد هناك ثقة بتلك الدول المتقدمة، فالخلل واضح في نظامها المالي وبالتالي بالفكر الرأسمالي الذي يحكمها من الألف إلى الياء، والناظر إلى الأزمة يجد أن حجمها وإفرازاتها كبيرة جداً وفي الوقت الذي نجد الحكومة الأمريكية تتدخل بأموال دافعي الضرائب وترتفع الأسواق بالإيجاب يجب أن نعي أن أزمة من هذا النوع لن تنتهي في أشهر، بل تحتاج إلى سنوات حتى تتأكد الأسواق من أن الاقتصاد تعافى تماماً ويلاحظ أن الكثير من دول العالم كالصين واليابان بدأت تتحول من الدولار إلى الذهب الذي ارتفع أكثر من 30 بالمائة في أسبوع واحد مما يدل على التشكيك بقدرة أمريكا على تجاوز الأزمة بسهولة.

إن ما حدث بأزمة الرهن أشبه ما يكون بأزمة المناخ الشهيرة بالكويت ولكن هذه المرة تتكرر على مستوى عالمي ولا يمكن إغفال انهيار وإفلاس ليمان براذرز الذي صمد خلال 158 سنة أمام العديد من الانهيارات واليوم يباع بأبخس الأثمان دون أن نقف عند ذلك كثيراً وسبقه بير ستيرنز وسيعقبه بالتأكيد آخرون فيما اختفت أسماء كميري لانش الذي اشتراه بنك اوف أميركا وسيختفي غيره قريباً فهذه الأزمة ستغير كثيراً من معالم الاقتصاد العالمي وسطوة فكر الرأسمالية على العالم التي دخلت غرفة العناية المركزة ولا أحد يدري هل ستنقذها الدماء التي تغذيها الآن أم ستموت.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد