Al Jazirah NewsPaper Friday  19/09/2008 G Issue 13140
الجمعة 19 رمضان 1429   العدد  13140

إلى جنة الخلد يا أبا موضي
يحيى بن حسين المجهلي

 

لا يفجع الروح ويفطر الفؤاد مثل الفراق، إنه أكثر الأحزان والآلام إيغالاً في الروح والبدن.. ذلك أن طعم مرارته يغص به (المُفارق - بضم الميم) ليل نهار، ولا يستطيع التعايش معه أو استيعابه، وأكثر مرارات الفراق تجلياً وفداحة هو الموت نهاية النهايات وغاية الغايات.. سنة أزلية وأمر محتوم وهو أعظم ابتلاء يُبتلى به بنو آدم {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}لقد فُجعنا وفُجع أهالي جبال منجد في منطقة جازان وجميع قبائل المنطقة بوفاة حفيد شيخ شمل قبائل منجد الشاب الخلوق يحيى بن محمد بن حسين القرادي إثر تعرضه لحادث مروري أليم.

أبا موضي -رحمه الله- ابن الخالة العزيز الشاب التقي الخلوق الذي يصعب على من عرفه أن ينساه أو يستوعب فراقه فإنه يوم لا يُنسى وساعة لا تُفارق مخيلتي تلك التي وقفت فيها على قبره حيث إنني لم أحضر مراسم التشييع والدفن لبعد السفر وطول المسافة فعندما وصلت ورأيت مكان الحادث ورأيت سيارته ذرفت عيوني وتجمد الدم في عروقي فصعدت إلى الجبل صعود العاجز الهرم المنهكة قواه تطاردني الذكريات في كل مكان فتوجهت إلى منزل والده ورأيت الاحتساب والثبات والصبر وذهبت إلى قبر الفقيد وصليت صلاة الجنازة وودعته بالدعاء وصدري يتحشرج بالبكاء والألم والحرقة.. رأيت الجموع الغفيرة ووفود المعزين من جميع القبائل ومن جميع الجنسيات تتوافد للعزاء فأقول: ما فجع هذه الجموع إلا أمر جلل عظيم فكل هذا الحب كان يحيط به -رحمه الله- لعله من قبول الله لعبده.فقد عرفته مؤمناً تقياً أميناً باراً بوالديه فهو وحيد أمه وفلذة كبدها فقد عاشت تربيته منذ صغره فقد تربى في بيت كريم وفي أسرة عريقة.. تربى على طاعة الله والمحافظة على الصلوات وعلى كريم السجايا والأخلاق وعلى إكرام الضيف وحميد الخصال وشهامة العرب ونخوة الرجال.. فكان منذ صغره يتصرف تصرف الكبار، فكان يستقبل الضيوف في منزل والده المضياف الشيخ محمد فكان شخصاً مرحاً وشخصية جذابة باهر الطباع لا تفارق الابتسامة محياه، وكان يحب الجبل وأهله، بل من حبه لهم فضَّل عدم مفارقتهم فحصل على وظيفة في مركز منجد التابع لإمارة جازان، وكان يقضي جل وقته في خدمة دينه ومليكه ووطنه ويهتم بقضايا أهل الجبل وتوعيتهم وإرشادهم فعمره لم يتجاوز الـ26 ربيعاً.. لكن كان له رأي مسموع وجواب صائب وعقل حكيم، فيعلم الله أني كل ما تذكرته تتسابق عباراتي ويتفطّر قلبي حزناً وأسى ولساني حالي قول الشاعر:

وأنت وإن أفردت في دار وحشة

فإني بدار الأنس في وحشة الفرد

أود إذا الموت أوفد معشرا

إلى عسكر الأموات أني مع الوفد

عليك سلام الله مني تحية

ومن كل غيث صادق البرق والرعد

أبا موضي: ليس من عجب أن ترحل بصمت كما كنت تسعى للخير بصمت، فإن القلوب لتحزن، وإن العيون لتدمع، وإنا على فراقك لمحزونون، ولا نقول إلا كما يقول الصابرون: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.

majhali2008@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد