Al Jazirah NewsPaper Friday  19/09/2008 G Issue 13140
الجمعة 19 رمضان 1429   العدد  13140
مؤتمر الحوار العالمي.. وسياسة التعاون في القضايا المشتركة
د. مصطفى مخدوم

الحوار في المُختلف فيه والتعاون في المُتفق عليه هو القاعدة الكبرى والخطوة الأولى لعلاج كثير من مشكلاتنا الداخلية والخارجية.. كما أن غيابها في الوقت نفسه هو سبب التأزم في العلاقات الدولية والمحلية.

لقد انعقد مؤتمر مدريد للحوار العالمي في وقت حساس ووسط دعوات كثيرة من العقلاء في العالم بضرورة الحوار العالمي حتى لا ينساق العالم إلى صدمات وكوارث تضر بالإنسانية كلها فضلاً عن المسلمين.

لقد عانى كثير من الناس في العالم من ثقافة ترسخ العنف وصراع الحضارات وصِدام الثقافات وتزرع الكراهية والأحقاد بين الشعوب والمذاهب والتيارات.. ولم يجن العالم من وراء تلك الثقافة سوى جراح دامية لا تزال تنزف في العراق وفلسطين وأفغانستان والبلقان.. لقد آن للعالم أن يراجع السياسات التصادمية والثقافات العدوانية، ويعمل لفتح مجالات التعاون في القضايا العالمية المتفق عليها كما يعمل بشكل متوازٍ لفتح مجالات الحوار حول القضايا المُختلف فيها للوصول إلى الحقيقة.

لقد كان من محاسن خطاب خادم الحرمين في افتتاح مؤتمر مدريد التركيز على الشق الثاني من القاعدة الذهبية وهي التعاون على القدر المشترك بين الأديان والشعوب.. وهذا ما ينبغي تقديمه في هذه المرحلة من مشروع الحوار العالمي إذا أردنا له النجاح.لقد مارس النبي صلى الله عليه وسلم التعاون في المُتفق عليه كما مارس الحوار في المُختلف فيه، فقد حاور النصارى في قضايا عقدية مُختلف فيها عندما وفد إليه نصارى نجران في السنة التاسعة.. ولكنه في الوقت نفسه أثنى على حلف الفضول وقال كما رواه ابن إسحاق والبيهقي: (لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم ولو دعيت إليه في الإسلام لأجبت).

وقد كان -كما يقول المؤرخون- حلفاً على نشر العدل ونصرة المظلومين، وسُمي حلف الفضول إما بمعنى الفضائل وإما تشبيهاً بحلف سابق وقع في زمن جرهم عقده جماعة كلهم يسمى بالفضل.

ومثل هذه الأحلاف والاتفاقيات بين الدول والشعوب يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: (وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة).. رواه مسلم.

والضابط الشرعي لهذه التعاقدات كما قرره النووي والقرطبي وغيرهما هو كون التعاقد والتعاون يكونان على أمر موافق للشرع فيجوز التعاقد والتوافق ويلزم الوفاء به كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} وهو عام في كل ما اتفق عليه الناس مما يوافق أحكام الإسلام.

إن الاستقراء والمقارنة بين الأديان والشعوب يدلنا على وجود مساحة كبيرة من القيم والسلوكيات المشتركة بين الناس على اختلاف أديانهم وأعراقهم، فليس هناك من يخالفنا في مبدأ العدل والسلم والرحمة والمساواة ومراعاة حقوق الإنسان.. وإن كان هناك من يجادل في تطبيق هذه المعاني وتفسيرها وتفاصيلها ولكنه لا يجادل في أصولها وشرعيتها، فنحن بحاجة إلى التركيز على هذا المُشترك الإنساني وتفعيل وجوده على أرض الواقع.. كما أننا بحاجة إلى تطوير الحوار في القضايا الخلافية ونقله من مرحلة النظرية إلى مرحلة الممارسة والتطبيق، ومن مرحلة الثقافة والشعارات والمؤتمرات إلى مرحلة البرامج الحوارية التفصيلية حتى لا نكون ممن قال فيهم الشاعر:

رضوا بالأماني وابتلوا بحظوظهم

وخاضوا بحار المجد دعوى فما ابتلّوا

كم أتمنى أن نحول المعاني الإيجابية في المؤتمر إلى وقائع عملية ونركز في المرحلة القادمة على الآليات العملية لتطبيق هذه الأفكار والتوصيات التي انتهى إليها مؤتمر مدريد للحوار العالمي.

إن عقد هذا المؤتمر بهذا الزخم العالمي وعلى أساس مبادرة سعودية يُسجل في قائمة النجاحات السعودية في معالجة القضايا العالمية بالحكمة وبُعد النظر والانفتاح الواعي، وآمل أن نعالج باقي مشكلاتنا بهذا المستوى من الجدية والمبادرة والتخطيط.

- عميد المعهد العالي للأئمة والخطباء بجامعة طيبة بالمدينة المنورة



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد