Al Jazirah NewsPaper Friday  19/09/2008 G Issue 13140
الجمعة 19 رمضان 1429   العدد  13140

صفات ينبغي للقائمين على الدعوة التحلي بها
أخلاق الدعاة مفتاح القلوب للدعوة

 

الرياض - خاص بـ(الجزيرة):

الدعوة إلى الله هي ميراث الأنبياء والرسل، والدعاة إلى الله هم ورثة الأنبياء. وعلى ذلك فإنه يجب على الداعية إلى الله أن يتبع منهاج النبوة عند تبليغ رسالة الإسلام، ونشر دين الله.. ومن هنا فإن أخلاق الداعية إلى الله وسلوكياته وأسلوبه في الدعوة هو المعتد به عند دعوة الناس، وهو الطريق الأمثل لإيصال الدعوة وقبولها عند المدعوين.. عدد من العاملين في الساحة الدعوية تحدثوا عن هذه الأخلاق، وآثارها في إنجاح الدعوة إلى الله، وإيصال رسالة الإسلام.

احترام حقوق الآخرين

في البداية يرى الشيخ عبدالله بن نويفع العنزي - مدير إدارة الدعوة والإرشاد بالقريات، أن من أعظم الأمور التي كانت سبباً في انتشار الإسلام ودخول الناس فيه أفواجاً أخلاق نبيه وصحابته وعلمائه ودعاته ومتبعيه، لذا وصف الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأنه على خُلق عظيم كما قال عز وجل: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، كما بين الرب سبحانه أن الغلظة والجفوة والتهجم سبب للنفور ومدعاة للفشل كما قال تعالى: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}. إن من أعظم أسباب نجاح الدعوة والداعية هي التخلق بخلق الرسول صلى الله عليه وسلم من الصبر والجلد والحكمة في القول والقصد في الدعوة ووضع الأمور في نصابها الصحيح من غير زيادة أو نقصان، فالإسلام كامل وما عليك إلا إتباع الأسلوب المناسب والطريقة والحالة المناسبة زماناً ومكاناً وتقدير نوعية من توجه لهم الدعوة فتختار الأسلوب المناسب معهم ولهم. فحسن الخلق له أثره وتأثيره الكبير حتى ولو من أمي بدوي غير متعلم، فهذا محمد أسد كان قبل إسلامه يهودي العقيدة من النمسا، وفي رحلته إلى جزيرة العرب باحثاً عن الإسلام والمسلمين أثر عليه تصرف بدوي في القطار بأن قاسمه خبزته رغم عدم معرفة كل منهما للآخر. لقد طبع هذا الموقف في نفس محمد أسد أثراً بليغاً، وكان موقفاً إيجابياً جداً في نفسيته. المقصود أن الداعي إلى الله لا بد أن يعلم تمام العلم أن حسن الخلق يكاد أن يذهب بخير الدنيا والآخرة. ولا ننسى تصرف الرسول صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش عند فتح مكة، ومع الأعرابي الذي بال في المسجد، ومع الرجل الذي كشف له الرسول صلى الله عليه وسلم بطنه، وغيره كثير. إن التعامل الرقيق والواعي والبشاشة لها الأثر الظاهر في نفسية المتلقي. إن دين الإسلام هو دين السلام والمحبة والخير والوحدة، ودين الإسلام هو دين العقل والحكمة والتصرف السليم، وهو الدين الخاتم العالمي، لذا لا بد أن تكون عالمي التفكير أيها الداعية، بعيد النظر حتى يكون الأثر العميم، ولا بد من حسن الأخلاق في القول والعمل، ولا بد أن تكون صادقاً في سلوكك، سليم القلب نبيل المشاعر جم التواضع حتى يكون لك الأثر والتأثير البين الواضح.

أقول للأسف أن هناك من أسلوبه غير ذلك وطريقته تخالف مفاهيم وروح الإسلام السمحة، لذا أذكر أحد الطلبة الهنود الذين درسوا في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كان زميلاً لي في الدراسة، وكان ذكياً نابغاً أخذ البكالوريوس بامتياز وواصل دراسته في الجامعة البريطانية حتى حصل على درجة الدكتوراه، وقد قابلته في حج عام 1425هـ شكا لي مر الشكوى من برودة مشاعر بعض الدعاة وغيرهم من طلبة العلم، وتحجر وجوههم، وعدم بشاشتهم، رغم حرصه الشديد على التعرف عليهم، والاستفادة والمشاركة لكنهم صدوه فحمل في نفسه الحزن والأسى، وكان على مستوى عظيم من التواضع والعلم وليس بحاجة إليهم لا مادياً ولا معنوياً إنما الإخوة الإسلامية التي امتلأ قلبه بها. فهذا مسلم فكيف لو كان هذا التصرف مع غير المسلم، ماذا يكون ردة فعله وتصرفه وشعوره.

لا شك أن حسن الخلق والتواضع واتباع الأسلوب المحبب والطريقة المناسبة لها الأثر الكبير في نفوس الناس. أذكر قصة لدكتور سعودي بجامعة الملك سعود بالرياض، هذه القصة لا أنساها لشدة وقعها في نفس الدكتور، يقول هذا الدكتور احتجت لأن أسأل عن حكم شرعي يخصني فاتصلت على أحد الدعاة فسلمت عليه بحرارة ولا أكد أسمع رد فعله لهذا السلام فقلت له أنا أخوك في الله الدكتور فلان الفلاني بجامعة الملك سعود، فقاطعني مباشرة وقال (لا يهمني من أنت ما هو سؤالك؟)، فكأن الرجل -سامحه الله- ضربني على رأسي ضرباً شديداً، فكان رد فعلي الفوري {شكراً وجزاك الله خيراً ليس لي حاجة وجوابك وصل!}. أنا أقول هذا الأسلوب للأسف حاصل وانظروا كيف أثره مع مسلم فكيف لو كان مع غير مسلم ما هو رد فعله!!

ولا خلاف أن الإسلام انتشر بسبب عدله ومساواته واحترامه للإنسان وكرامته ولكونه يقدر الإنسان لا لمنصبه ولا لمركزه الاجتماعي ولا لماله بل كما قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. إن الإسلام عظيم بكل أحواله، أحذر أخي الداعية أن تكون ثغرة يؤتى الإسلام من قبلها.

أخلاق الداعية

ويؤكد الشيخ عبدالعزيز بن محمد الوهيبي - مستشار الدعوة والإرشاد بوزارة الشؤون الإسلامية: إن الدعوة إلى الله تعالى من أعظم القربات، وتتضاعف بها الأجور، قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: {فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم}.

وللداعية أخلاق وسلوكيات مثلى في دعوته منها:

أولاً: أن يحرص على مطابقة قوله لفعله، وأنه محل قدوة في نظر الناس، فالمخالفة التي تقع منه يستدل بها الجهلة على جواز ذلك الفعل، وأن الداعية الفلاني يفعلها، فعليه مراقبة الله تعالى أولاً، ثم الخوف من أن يقتدى به فيما لا ينبغي.

ثانياً: أن يحرص على الإخلاص لله تعالى، وأن يتواضع للناس، فكلما ازداد الداعية تواضعاً وتبسطاً مع الناس كلما ازداد قدره وقبل قوله.

ثالثاً: التزود من العلم الشرعي، وإتقان الموضوعات التي يتحدث فيها، وشموليتها، فالفتاوى التي تنقل، والأقوال ينبغي أن تدعم بالأدلة من الكتاب والسنة.

رابعاً: ملامسة واقع الناس، والتحدث إليهم بما يحتاجون، أو الوقائع التي يعايشونها كغلاء الأسعار ونحوها، وكخطر السفر إلى بلاد الكفر في الإجازات إذا كان وقت إجازة، وخطر الخروج على ولي الأمر وقت الأفعال المحرمة كالتفجيرات، وما يخل بالأمن، وكذلك الكلام معهم بما يناسب العقول، وتدركه الأفهام.. قال علي رضي الله عنه: {ما أنت محدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان على بعضهم فتنة}. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: {حدثوا الناس بما يعقلون، أتحبون أن يُكَذَّبَ الله ورسوله}.. ولا يتكلف العبارة بل يتبسط بها.

خامساً: إشعار المتلقي بمحبته، والحرص عليه، وإذا كان عند متعلمين أنه من باب التذكير لا التعليم.

سادساً: الصبر والاحتساب في هذا الجانب على ما يكون من سؤال الناس، ومجادلة المجادلين في بعض ما يلقى، وبيان الأمر لهم بالحكمة والموعظة الحسنة، مع عدم الغضب من مفاهيم الغير، وتعديل ما يمكن تعديله بالأسلوب الحسن.

الفتوحات الأخلاقية

أما الشيخ منصور بن محمد الثاري - مدير المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في الشفا فيقول: إن الدعاة إلى الله تعالى هم ورثة الأنبياء، وهذا الميراث العظيم المشتمل على الشريعة الكاملة قد تحمله الدعاة لإيصاله إلى الخلق، ولجهل الناس بما عندهم من العلم والحكمة، أن الحكم عليه ينتج من خلال الأخلاق والتعامل الحسن في إيصال هذا الدين للمدعوين، لذا كان لزاماً على من تصدر هذا العمل الكبير أن يكون كبيراً في أخلاقه وتعامله وأن يحاسب نفسه على الأخطاء قليلها وقطميرها.

فالعالم الرباني هو الداعية إلى الله الذي يوصل الخير إلى الغير وأعظمه الإسلام وإدخال عباد الله فيه أفواجاً، والناظر في سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم يرى تمثله لقول عائشة - رضي الله عنها - {كان خلقه القرآن}، وقول أنس رضي الله عنه: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً}.. والدعوة إلى الله شاملة لجميع المعاملات اليومية المآثرة في القريب والبعيد، المسلم وغير المسلم، الصغير والكبير، كطلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى، كل ذلك وغيره مما يؤثر في قبول الناس للخير، وإن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم.

فأنت ترى بحمد الله نماذج مشرقة في حياة بعض دعاتنا تتمثل في لين كلماتهم عند الإفتاء والتبسط في العبارات والتلطف فيها، كذلك صاحب المنزلة الرفيعة وظيفياً كيف يستقبل صغار الموظفين أو المراجعين بالتواضع وخفض الجناح، كذا المكاتبات نلمس لين العبارات، فالداعية الحق هو المراقب لله فيما يكتب وينشر عبر وسائل الإعلام المختلفة وبخاصة التي لا يظهر فيها اسمه، وعدم الجرح في النقد وتوجيه الأخطاء بل بالدعاء والدعوة والرفق والحكمة.

فكما أن أصحاب التجارات والعلاقات والاتصالات يدرسون أخلاق الاتصال بالآخرين وطرق كسب قلوبهم مع جيوبهم، فإن الداعية أولى بالأخلاق الحسنة ابتغاء الأجر والمثوبة منه سبحانه وتعالى.

وإذا بنيت التعاملات الإدارية والعلاقات الأسرية والعلاقات الإنسانية على حسن التعامل حتى في إنزال العقوبة كان ذلك من الرحمة وحسن الخلق وأثمرت أخوة ومحبة ومضاعفة في الإنتاج والبذل.

ومن ثم علينا التصدي لدعوة غير المسلمين باللغة التي يفهمونها ويدركونها وهي حسن الأخلاق معهم واللين والابتسامة واللطف حتى يكون ذلك سبباً في إسلامهم وفوزهم في الدنيا والآخرة.

الحلم والفطنة

ويقول الشيخ نوح بن ناصر القرين - المشرف على المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في البطحاء، إن الدعوة إلى الله عز وجل هي ميراث الأنبياء، والدعاة إلى الله هم ورثة الأنبياء، فينبغي لمن يتصدى لهذه الوظيفة العظيمة أن يجعل نصب عينيه شرطين لا بد أن يحرص عليهما.

أولهما: إخلاص العمل لله، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، ولحديث {إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى}.

ثانيهما: أن يكون العمل موافقاً للكتاب والسنة، قال صلى الله عليه وسلم: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد}.

وينبغي أن تكون الدعوة إلى الله أكبر هم للداعية ولها جل وقته لكي تؤتي دعوته ثمرتها، فإن صرف فضول الأوقات في هذه المهمة العظيمة لا يأتي بنجاح، ما لم تكن الدعوة هم الداعية وشغله الشاغل فإنه سيظل ضعيف الأثر والتأثير في دعوته وفي من يدعوهم.

ثم ينبغي له أن يتحلى بجملة من الصفات التي تؤهله لهذا العمل العظيم ولها الأثر الكبير عليه وعلى دعوته والأثر العميق على المدعوين، فمنها:

العلم بما يدعو إليه، أن تكون مبادئ الإسلام واضحة أمامه بعظمتها وشمولها وأن يكون له حصيلة من العلم الشرعي يستطيع من خلالها شرح أركان الإسلام وأحكامه ببساطة وسهولة، وأن يكون ملماً بمعتقد من يدعوه.

العمل بما يدعو إليه، يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ}، والتخلق بما يدعو إليه الداعية والمسارعة للعلم بما يقول أدعى لقبول دعوته وأقوى أثراً في نفوس المدعوين.

القدوة الحسنة وهي صفة جديرة بالاهتمام والحرص عليها وهي الدعوة الصامتة التي تكسب القلوب وتجذب النفوس، وهي صفة النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان قرآناً يمشي قدوة في سلوكه وحياته ومعاملاته، وهذا ما يفتقده المسلمون اليوم، والدعاة مطالبون أن يكونوا على جانب كبير من القدوة الحسنة لغيرهم، فهم في عيون الآخرين دليل إلى ما يدعون إليه.

الحلم: والحلم سيد الأخلاق وهو ضروري للداعية لأن عدمه يترتب عليه من المفاسد الشيء الكثير، فحري بالداعية أن يكون حليماً صبوراً متأنياً في أموره ودعوته.

الكرم: فلطالما كان الإحسان آسراً للقلوب والكريم حبيب للنفوس وصدق القائل:

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم

فطالما استعبد الإنسان إحسان

الشجاعة: فالتردد والتهيب صادان عن كثير من الخير، والتحلي بالشجاعة والإقدام تؤهل الداعية لخوض التجارب بثقة والمبادرة وكسر الحواجز مع المدعوين.

الفقه في دعوة الآخرين، وذلك يقتضي التدرج مع المدعوين في مخاطبتهم والتعرف على أحوالهم ومستوياتهم المعرفية وثقافة مجتمعاعتهم وما الذي يحتاجون إليه من البيان والعلم وما هو الأولى عند مخاطبتهم ودعوتهم.

التواضع: فإن التكبر والأنفة يمنعان الإنسان من مخالطة المدعوين على اختلاف مستوياتهم ويسببان في تنفير الآخرين، والتواضع وخفض الجناح واللين أخلاق عظيمة من أخلاق الأنبياء، يقول تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}.

حسن السمت والمظهر: فالإسلام دين الجمال والبسمة في الإسلام صدقة والداعية كالشامة بين الناس. وهناك غيرها كثير من أخلاق وصفات الدعاة وإنما هذه بعض الأخلاق التي ينبغي للداعية أن يتحلى بها لكي يكون خليقاً بوراثة الأنبياء والسير في طريقهم والقيام بأعباء الدعوة ونشر رسالة الإسلام العالمية ودعوة العالمين.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد