Al Jazirah NewsPaper Friday  19/09/2008 G Issue 13140
الجمعة 19 رمضان 1429   العدد  13140

نوازع
هشام بن عبدالرحمن الداخل
د. محمد عبدالرحمن البشر

 

لم يكن هشام أكبر أبناء عبد الرحمن الداخل سناً غير أنّ أمه أجمل نساء عبد الرحمن وأقربهنّ إلى قلبه واسمها (حُلَل) وهي جارية أهدتها ابنة يوسف بن عبد الرحمن الفهري إلى غريم أبيها عبد الرحمن الداخل بعد زوال سلطان والدها وانضمامها مع أهلها إلى نساء قصر عبدالرحمن الداخل كما ذكر ذلك ابن القوطية، وهي أم ولد لم تقف عند امتلاك قلب عبد الرحمن فحسب، بل نفذت من خلال ذلك القلب الهائم إلى صنع نفوذ قرارات عبد الرحمن الداخل المصيرية، كان أهمها تجاوزه في ولاية العهد اثنين من أبنائه كانا أكبر سناً من هشام وهما (سليمان) و (عبد الله المسكين).

(البلنسي)

وكان هشام كما تصفه الكتب أبيض، أشهل، مشرباً بحمرة، وبعينه حول.

وعلينا أن نكون منصفين، فهشام مع كونه ابن أجمل نساء عبد الرحمن وأحبهم إلى قلبه، فقد كان أهلاً لثقة والده به، حيث وافق سلوكه وثقافته ما في قلب والده، وقد أورد بعض المؤرّخين مقارنات بين سليمان الابن الأكبر لعبد الرحمن الداخل وهشام، ومن ذلك قولهم إنّ هشام إذا حضر مجلساً امتلأ أدباً وتاريخاً وذكراً لأمور الحرب ومواقف الأبطال، وإذا حضر سليمان مجلساً امتلأ سخفاً وهذياناً، فيكبر هشام في عين أبيه بقدر ما يصغر سليمان.

قال عبدالرحمن الداخل يوماً لابنه هشام: لمن هذا الشعر:

وتعرف فيه من أبيه شمائلاً

ومن خاله أو من يزيد ومن حجر

سماحة ذا، وبرّ ذا، ووفاء ذا

ونائل ذا، إذا صحا، وإذا سكر

فقال له: يا سيدي لامرئ القيس ملك كنده، وكأنه قال في الأمير أعزه الله، فضمه إليه استحساناً بما سمع فيه وأمر له بإحسان كثير وزاد في عينه.

ثم قال لسليمان على انفراد: لمن هذا الشعر؟ وأنشد البيتين فقال: لعلهما لأحد أجلاف العرب، أما لي شغل غير حفظ أقوال بعض الأعراب؟ فأطرق عبدالرحمن، وعلم قدر ما بين الاثنين من المزية.

وقيل إنّ هشاماً لما ولي أمر الأندلس أشخص المنجم المعروف بالضبي من وطنه الجزيرة الخضراء إلى قرطبة وكان في علم النجوم بطليموس زمانه حذقاً وإصابة، فلما أتاه خلا به وقال له يا ضبي، لست أشك في أنه قد عناك من أمرنا إذا بلغك ما لم ندع تجديد النظر فيه، فأنشدك الله إلا ما نبأتنا بما ظهر لك فيه، فلجلج وقال: اعفني أيها الأمير فإني ألممت به، ولم أحقق النظر فيه لجلالته في نفسي، فقال له: قد أجلتك لذلك، فتفرغ للنظر فيما بقي عليك منه، ثم أحضره بعد أيام، فقال: إن الذي سألتك عنه جدّ مني مع أني والله ما أثق في حقيقته إذا كان من غيب الله الذي استأثر به ولكني أحب أن أسمع ما عندك فيه فالنفس طلعَة، وألزَمَه الصِلة أو العقوبة، فقال: أعلم أيها الأمير أنه سوف يستقر ملكك، سعيداً جدّكَ، قاهراً لمن عاداك، إلا أنّ مدّتك فيه فيما دلّ عليه النظر تكون ثمانية أعوام أو نحوها، فأطرق ساعة ثم رفع رأسه وقال: يا ضبي ما أخوفني أن يكون النذير كلمني بلسانك، والله لو أنّ هذه المدة كانت في سجدة لله تعالى لقلت طاعة له، ووصله وخلع عليه، وزهد في الدنيا والتزم أعمال البر.

وقد أنجبت تلك الحادثة حاكماً خيراً تقياً يخشى الله في السر والعلن ويحرص على نشر الدين، وفعل الخير ونصرة المظلوم ومواساة المكلوم وكان يبعث بقوم من ثقاته إلى الكُوَر، فيسألون الناس عن سيرة عمّاله، ويخبرونه بحقائقها، فإذا انتهى إلى حيف من أحدهم أوقع به وأسقطه وأنصف منه ولم يستعمله بعد ذلك.

وكان شجاعاً عادلاً، تقياً ورعاً محباً للخير، تولى الحكم شاباً يبلغ الثلاثة والثلاثين عاماً، وقد وصفه صاحب العقد الفريد وصفاً طيباً فقال عنه: الكامل المروءة الحاكم بالكتاب والسنّة الذي أخذ الزكاة على حلها ووضعها في حقها، لم يعرف عنه هفوة في حداثته ولا زلة في أيام صباه وكان يطوف بأسواق قرطبة ليسمع المظالم وكان يذهب إلى المسجد في المطر الغزير وكان يصر أموالاً في صرور، ويخرج بها بين المغرب والعشاء يتفقد المسجد فيعطي لكل من وجد فيه صرة تشجيعاً للناس على ريادة المساجد، وقال عنه ابن خلدون (إنه كثير الخير والصلاح، وكان كثير الغزو والجهاد وهو الذي أكمل بناء الجامع بقرطبة الذي أبوه شرع فيه، وأخرج المصرف لأخذ الصدقة على الكتاب والسنّة).

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6227 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد