Al Jazirah NewsPaper Sunday  14/09/2008 G Issue 13135
الأحد 14 رمضان 1429   العدد  13135
مظاليم.. على أبواب (التربية والتعليم)..؟!!
حماد بن حامد السالمي

قبل أربعة أعوام مضت، تعرضت وزارة التربية والتعليم، إلى حملة واسعة من النقد، شنتها عليها منتديات ومواقع معروفة بتطرفها، مشهورة بمعاداتها للتطوير والتجديد، وفي مقدمتها الساحات المتطرفة، وبعض ممن ينتسب إليها وينطلق من خلالها، سواء من داخل جهاز هذه الوزارة نفسها، أو من خارجها..

ممن يريد توجيه التربية والتعليم ب(ريموت كنترول) خاص به، وكان الباعث لهذه الحملة الشعواء، توجه الوزارة في تلك الفترة، إلى إحداث تغييرات حقيقية، في إدارتها وفي مقرراتها ومناهجها، يتمشى مع توجهات وتوجيهات الدولة، ويحقق رغبتها الأكيدة، في إصلاحات تقود التعليم العام بكافة أطره الإدارية والطلابية، إلى المزيد من الاعتدال والاتزان، الذي بدوره يسهم في رفع مستوى المدخلات العلمية، والمخرجات العملية، المطلوبة للوطن والمواطنين.

* في تلك الفترة، وتحديداً في (31 أكتوبر 2004م)، كتبت مستنكراً هذه الحملة، التي بدت في حينها وكأنها تشويه مقصود ومخطط له، ويمت بصلة قوية لتيار من داخل الوزارة نفسها، بمؤازرة من خارجها، يمانع ويناهض كل حركة تطويرية تجديدية تمس مناهجها ومقرراتها وإدارتها، هذا التيار الممانع، هو نفسه الذي نجح طيلة السنوات الأربع، عندما سكت عنه، وترك يتحرك كما يريد، في تكبيل الوزارة وإقعادها، وفي تشويه صورتها، وتلويث سمعتها، وفي التأليب عليها، حتى أصبح لقرابة (ربع مليون) من منسوبيها من المعلمين والمعلمات، مظالم إدارية ومالية ووظيفية تتكدس وتكبر على أبواب هذه الوزارة يوماً بعد يوم، فلا تجد من ينصف أصحابها، ويعيد لهم الأمان الوظيفي والحياتي، حتى لجأ آلاف منهم إلى ديوان المظالم، إلى أن وجد قرابة (180 ألفاً) منهم، بصيص نور قادما من لدن الملك المفدى (عبدالله بن عبدالعزيز) حفظه الله، الذي أمر بتشكيل لجنة وزارية تنظر في تظلمات المعينين على مستويات متدنية، لا تتناسب مع مؤهلاتهم العلمية، ولا مع مهنتهم التربوية، ولا يحقق لهم المساواة العادلة مع زملاء آخرين لهم، خاصة أن عشرات الآلاف منهم، بدءوا حياتهم الوظيفية على سيئ الذكر (بند الأجور)، فبخسوا أجورهم مرتين، مرة فيما كانوا يتقاضونه من (مكافأة) ضئيلة، ومرة لعدم احتساب سنوات الخدمة، وهذا الأمر بالذات، مطروح بقوة أمام اللجنة الوزارية القادمة، التي تتعلق عليها آمال عشرات الآلاف من المعلمين والمعلمات، خاصة حملة (البكالوريوس) منهم، الذين كان من المفترض تعيينهم على المستوى الخامس، فوجدوا أنفسهم بين المستويين الأول والثاني، وقليل منهم على الثالث أو الرابع، دون ذنب ارتكبوه، إلا أنهم كانوا وما زالوا محتاجين لهذه الوظائف التعليمية، جميع هؤلاء الذين استبشروا خيراً بتدخل ملكهم المظفر (عبدالله بن عبدالعزيز)، ينتظرون عدالة هذه اللجنة الوزارية، وأن تعيد لهم حقوقهم المالية، بأثر رجعي من تاريخ دخولهم الخدمة، وأن تحتسب لهم سنوات الخدمة المهدرة من أعمارهم.

* هل هذه هي مشكلة (وزارة التربية والتعليم الوحيدة)..؟

كلا بطبيعة الحال. هناك أعداد كبيرة من خريجي (كليات المعلمين والمعلمات) هذا العام والعام الذي سبقه، كانت الوزارة تأخذ منهم تعهدات موقعة عند التحاقهم بالدراسة فيها، تلزمهم بالعمل في مدارسها بعد التخرج وإلا..؟!

وهي بهذا تتعهد بتوظيفهم صراحة، ثم لما تخرجوا وجاءوها حسب التعهدات، لم يحصدوا سوى الريح، ولم يجدوا من قيادييها إلا الصد والرد، وكان هذا هو حال طلاب وطالبات (دبلوم اللغة الإنجليزية) من قبلهم، فالوزارة رفضت توظيفهم في مدارسها، وفضلت استقدام معلمين لهذه اللغة من بلدان مثل بنغلادش والباكستان وغيرهما، وهم مازالوا حتى اليوم، بين ديوان المظالم وجامعة الإمام، والأخيرة تماطل في رد حقوقهم المالية، رغم صدور حكم شرعي ضد الجامعة.

* وهناك آلاف المتخرجين - علمياً وتربوياً- في الكليات والجامعات، وجدوا أنفسهم هذا العام، على مشرحة تصنيفية من لجنة (التوعية الإسلامية أو التربية الإسلامية)، وهذه عملية ظالمة، لأنها قائمة -حسب ما نشر في الصحف، وما أفضى به المتضررون منها- على مقاسات مظهرية شكلية، وأخرى متمذهبة، تتعلق بالتدخين، وبمن يقرأ الصحف السعودية، ومن يتابع ما يكتب كتابها فيها..!

وقد تم رد ثلاثة آلاف طالب وظيفة تعليمية، على هذا وغيره، لأن طالبي الوظائف، لم يكذبوا في كونهم يدخنون ويقرءون الصحف السعودية، ولم يزوروا في مظاهرهم، لتسر بذلك عضو التربية الإسلامية، الذي بيده درجات الحسم على ما يبدو، كان بوسع هؤلاء جميعاً، الكذب الذي نهوا عنه في دينهم وفي التربية التي تلقوها في دورهم وفي مدارسهم، فيقومون بتقصير ثيابهم، وإطلاق لحاهم، ونفي عادة التدخين السيئة عنهم، والتبرؤ من قراءة الصحف السعودية، والعوذ من كتابها الليبراليين والعلمانيين..! فيفوزوا عندئذ بوظائف تعليمية في وزارتنا العزيزة.

* لماذا تفتقت ذهنية (العضو) المحترم، عن هكذا أسئلة، ولم يفكر في أن يسأل المقبلين على تعليم وتدريس خمسة ملايين طالب وطالبة، عن مواقفهم من ابن لادن والقاعدة، وعن الخوارج من أذناب القاعدة، وعن المغررين بالشباب من بيننا، ليزجوا بهم في معارك عبثية بدعوى الجهاد، وعن ماذا يعني لهم الوطن الذي هم جزء منه، وعن كيف يرسخون حب وطنهم في أوساطهم الطلابية، وكيف يسجلون إضافات علمية وعملية وخدمية لصالح وطنهم ومواطنيهم، وعن الأفكار الضالة، ومن يروج لها ويحرض على الفتنة، وعن منتديات المتطرفين والإرهابيين والمتشددين: هل يتابعونها..؟ وما رأيهم فيها..؟!

* هذا الموقف -وخاصة جانبه المتعلق بكتاب الصحف السعودية وما يكتبون- يذكرنا بما وقع للمعلم (محمد بن سلامة الحربي)، قبل أربع سنوات، معلم مدرسة الفويلق، الذي جنت عليه مقالات الكتاب المناهضة للإرهاب وقتها، حتى ألبت عليه بعض زملائه، الذين أوصلوه بسببها إلى المحكمة..! هذا الموقف بدون شك موقف شاذ، وكنا نظن أن (وزارة التربية) قد تجاوزته، ولكن يبدو أن الأمر يحتاج إلى أكثر وأكبر من لجنة وزارية، إلى هيئة عليا تتناول ملف التربية والتعليم من كافة جوانبه، فترسخ منهجية تربوية معاصرة، من أجل الإسراع في إحداث التغيير المطلوب الذي يضع التربية والتعليم على المسار الصحيح، وفق إستراتيجية وطنية واضحة، فلا يصبح هناك أي مجال لفرض مزاجية من نوع ما، أو فرض وجهات نظر من خارج حدودها، خاصة وأن وزارات أخرى، تقدمت في هذا الاتجاه بشكل ملحوظ.

* حسناً.. هذا ما يجري اليوم داخل وزارة التربية والتعليم، وآلاف من منسوبيها يتظلمون هنا وهناك، وما ينشر ويكتب ويقال، كل ذلك.. لا يبدو أنه يعني الطرف الآخر، الذي عودنا على رفع الصوت عالياً، كلما ظهرت بادرة نهضوية هنا وهناك، حال التربية والتعليم الذي رأينا، ومظاليم المعلمين والمعلمات والطلاب، وهم بعشرات الآلاف، أمر يبدو عند (البعض) في غاية البساطة، فهو لا يشغلهم ولا يهمهم، ولا يحرك ساكناً عند أولئك الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها، يوم أرادت التربية والتعليم قبل أربع سنوات، أن تتحرك خطوة.. خطوة واحدة إلى الأمام..!



assahm@maktoob.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5350 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد