Al Jazirah NewsPaper Thursday  07/08/2008 G Issue 13097
الخميس 06 شعبان 1429   العدد  13097
تقترح الجزيرة (التشكيلية) تكريمه
العمري: نحن في عصر الفكرة والمزج بين الفنون.. وما تحقق للوحتي مصدر فخر

الجزيرة - المحرر التشكيلي

التقيت الفنان عبدالناصر العمري قبل سنوات شاباً لا يزال جديد عهد بالساحة التشكيلية، في عينيه شوق لكل ما يمكن أن يضيفه لتجاربه التشكيلية التي تؤكد ما يمتلكه من موهبة برزت عبر الألوان المائية والورق وملامسته للواقع المشاهد بالعين المجردة ليعيدها بشكل جديد ممزوج بما اكتسبه من خبرات ومع ذلك ولكون الخطوة الأولى تكون صعبة محفوفة عند بعض الموهوبين بالتشكيك في إمكانياتهم وما يحيط بها من ميل للتراجع أو التردد إلا أن الفنان العمري كان أكثر ثقة وجرأة بما وهب من عين ثاقبة وعقل لماح وذاكرة بصرية قادرة على استيعاب ورؤية تجارب الآخرين دون تبعيتها وإنما التأثر بها فكانت المعارض التي تقيمها الرئاسة العامة لرعاية الشباب أحد الأبواب التي دخل منها إلى عالم الرأي الآخر تلاها معارض المسابقات الأخرى ومنها مسابقة ملون الخطوط السعودية التي تضم الكثير من الأسماء على المستوى العربي، وحقق فيها إحدى الجوائز ليمتد جسر نجاحاته إلى مراحل ومحطات أخرى منها مسابقة السفير الثانية التي حصد فيها الجائزة الأولى في مجال فنون الكولاج أحد أقسام المسابقة إضافة إلى العديد من المسابقات الأخرى وصولاً إلى المشاركة في بينالي الشارقة مع ما تحظى به أعماله الفنية من قبول واقتناء في أهم المتاحف في بريطانيا إضافة إلى الكثير مما لا تتسع المساحة لاستعراضه.

الحدث العالمي للعمري

الحدث الأهم في مسيرة هذا الفنان وفي تاريخ الفن التشكيلي السعودي كان في لندن على هامش الحفل الذي إقامته مؤسسة (بي إم جي) الخيرية لمسابقة البولو العالمية الثانية عشرة بلندن بحضور ملكة بريطانيا وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان وعدد كبير من ضيوف الحفل، حيث تم على هامش الحفل استعراض اللوحات الفنية التشكيلية الثلاث الفائزة في مسابقة تواصل لكل من الفنانين عبدالناصر العمري، والهدي العمر، وغادة آل حسن وأقيم لها مزاد خيري حققت فيه لوحة (الكعبة) للفنان عبدالناصر العمري أعلى سعر في المزاد بمبالغ (188.000) مائة وثمانية وثمانين ألف ريال سعودي، وكان هذا المبلغ من قبل صاحب السمو الملكي الأمير حسام بن سعود بن عبدالعزيز.

كان الحدث جزءاً من مستقبل هذا المبدع والقطرة الأولى في غيث إبداعه المنهمر لمعرفتنا لمكتسباته الإبداعية تقنيات وفكر وبحث عن الجديد، من هنا أحببنا أن نكون أول من يكرمه في وطنه ولو بأقل مما يستحق في أن نقدمه عبر هذه الصفحة منتظرين الجهات المعنية بتقدير هذا الإنجاز للفن التشكيلي السعودي قبل أن يكون للفنان ذاته، علماً بأنه حظي باهتمام صحفي على مستوى الخليج وقت مشاركته في بينالي الشارقة السابع وفي الصحف البريطانية.

مسيرة شابة وطموح لا يتوقف

في بداية حوارنا معه سألناه عن تطور مراحل تجاربه بين ما كان عليه من ملامسة المدارس التشكيلية من واقعية إلى انطباعية تأثيرية، وبين ما يقدمه اليوم من أعمال حديثة تحصد الجوائز، وعن المقتنى المحلي الذي يجهل قيمة هذه الأعمال أجاب قائلاً:

إن مرحلة المدارس التشكيلية ومنها كما ذكرت الواقعية والانطباعية وغيرهما من المدارس من المراحل المهمة في حياة الفنان التشكيلي وهي الأساس، وهذه المرحلة تستمر مع الفنان حتى مع تطور تجربته أو تطور تقنياته، فالتكوين مثلاً موجود في اللوحة وفي أعمال الفيديو والسينما أيضاً قس علي ذلك عناصر الفن التشكيلي. وفي السبع سنوات الأخيرة أحسست بأن اللوحة لا تستطيع أن تستوعب الفكرة أو المفهوم الذي أريد أن أقدمه لذلك بحثه عن وسائط وأدوات جديدة أستطيع من خلالها أن أقدم أعمالي. بنسبة لتسويق الأعمال وتلبية رغبات المتلقي (المحلي) المشكلة ليست في المتلقي، بل في الجلريات (قاعات المعارض الفنية) والمؤسسات الحكومية المسؤولة عن إقامة المعارض فهي إلى الآن ليست جاهزة لعرض الأعمال الحديثة أو الأعمال المفاهيمية ما يضطر الفنانين إلى البحث عن مناطق لعرض أعمالهم في الدول المجاورة أو أي بلد آخر، فلو تم عرض مثل هذه الأعمال فهذا يساعد على رفع ذائقة المتلقي المحلي والجمهور والفنانين أنفسهم، فالعملية تكاملية شمولية، أي أنك لا تستطيع رفع ذائقة المتلقي وتترك الجمهور أو الفنانين أنفسهم حتى الفنانين المبتدئين. أما بالنسبة لتسويق الأعمال فنحن الآن في عصر تسويق الأفكار الفكرة الآن هي التي يبحث عنها الفنان أي أن الفن أصبح ذهنياً بشكل كبير.

أما عن تسويق أعمالي فهي تقتنى في أماكن مهمة مثل متحف (التيت) البريطاني وشركة (اوف اسكرين) البريطانية وبينالي الشارقة، فالمقتني المحلي ليس عائقاً با لنسبة لي.

وحول مشاركته في بينالي الشارقة الثامن- 2007 بعمل مفاهيمي بعنوان (فلورا وفونا) الذي يمكن أن نقول إنه تجاوز بها مستوى فهم مجتمعه لمثل هذه الأعمال نحو العالمية.

قال الفنان العمري: العمل الذي شاركت به في بينالي الشارقة كان عملاً أدائياً وهو عمل بيئي أيضاً ولقد تم تصنيفه من أفضل 60 تجربة قدمت للبينالي لعام 2007 على مستوى العالم ولقد تم عرض جزء منه في متحف الشارقة للفنون وجزء آخر وهو العمل الأدائي مدة سبعة أيام في مناطق مختلفة في دولة الإمارات أمام الجمهور. وكان المشروع يتحدث عن المحافظة علي النظام البيئي وهو ما يهتم به العالم الآن ولقد وجد العمل صدى جميلاً وتفاعلاً كبيراً من قبل الإعلام والجمهور.

أما بالنسبة لكيفية الجمع بين هذا العمل والأعمال المسندية فكما قلت سابقاً إنني أخرج من اللوحة في حالة أن اللوحة غير قادرة على استيعاب الفكرة أو المفهوم الذي أريد أن أقدمة فأقوم بالبحث عن وسائط تستطيع أن تعرض الفكرة بشكل كامل.

أما بالنسبة للمجتمع ومستوي فهمه في وجهة نظري أن الجمهور واعٍ جداً وأنا جزء من هذا الجمهور ولكن المشكلة أني لم أجد مؤسسة أو قلري يستطيع عرض مثل هذه الأعمال فلا نستطيع أن نحكم على الجمهور وهو لم يشاهد العمل أصلاً.

وحول العمل الذي يحمل عنوان (الصراط) والذي تحول إلى نصوص مرئية ومسموعة شعراً وتصويراً ومؤثرات - كون النص مكتوباً وليس مسموعاً، شاركك فيه فريق عمل مكون من الشاعر محمد خضر، الموسيقي ظافر يوسف، والمهندس عيسى أحمد المسئول عن العمل الجرافيكي كيف ترى مثل هذا التزاوج في الفنون في عمل مشترك.

قال الفنان عبدالناصر العمري: الأعمال الحديثة الآن تعتمد على الورشة الذهنية وتكون بين عدة أشخاص يهتمون بأنواع مختلفة من الفنون ولكن يجمعهم موضوع أو فكرة واحدة يقومون بالعمل عليها ويتناول كل منهم الجزء الخاص فيه من العمل وهذا يعني أن العمل الفني الحديث يعتمد علي نسف (العصامية) في العمل ويعتمد على كسر القنوات الموجودة بين الفنون، فالنص والموسيقي والتصوير والمسرح والتشكيل تتداخل وتتقاطع مع بعضها البعض. وعندما أقوم باستخدام الأدوات الحديثة والميديا الحديثة أن السبب الرئيس وراء ذلك هو أن استخرج الحداثة التي كانت موجودة في التراث والثقافة التي أنتمي لها. وخير مثال على ذلك نجد الأعمال السينمائية وبالأخص (هوليوود) نجد أنها من أنجح الفنون لأنها استقطبها أفضل كتاب ومصورين وممثلين وتشكيليين على مستوى العالم لهذا هي من أنجح الفنون وأقوها تأثيراً.

و(الصراط) هو عبارة عن فلم قصير لمدة دقيقتين ونصف سوف يتم عرضه في متحف سلطان بروناي (سوس) بلندن في شهر أكتوبر القادم إنشاء الله.

(العلاقة) حقل دوار الشمس أسماء ومحرضات لفتت أنظار النقاد في مشاركات الفنان العمري الخارجية لجرأة فكرتها وأسلوب التعبير عنها.. سألناه كيف يرى مثل هذه الأعمال التي يراه الكثير غير متحفية أي بمعنى أنها تعتمد على الفكرة أكثر من التوثيق تشبه في تنفيذها العمل المسرحي الذي تنتهي صوره المرئية وقت العرض وتبقى فكرته قائمة بعد إسدال الستار على الممثلين والمسرح وهذا هو المهم. كيف ترى هذه التجربة؟.

بنسبة لعمل (العلاقة) وعمل (حقل دوار الشمس) فهي تدخل من ضمن أعمال التجهيز في الفراغ وهذه الأعمال تنتهي بانتهاء الحدث فعلا ولكن الخامات المستخدمة في هذا العمل مثلاً العلاقة فهي تشبه العلاقة الأصلية أو الحقيقية وهذا ليس بأمر عفوي بل مقصود والهدف منه أن العمل يعتمد علي أخذ مساحة من الذاكرة البصرية للمتلقي فالعلاقة موجودة في كل بيت ومكتب ومحل ومستخدمه من قبل كل الأعمار والشرائح، فعندما يرى المتلقي العلاقة في أي مكان آخر فأنه يتذكر عمل (العلاقة) الذي شاهده وهذا مما يطيل في عمر العمل الفني وهو وضع العمل الفني في ذاكرة المتلقي.

* قبل الختام كان لنا مع المبدع الفنان عبدالناصر العمري وقفة حول لوحته التي بيعت بالمزاد وكيف يرى هذا الحدث في مسيرته التي لا زالت في البدايات ومع ذلك حقق فيها انجازات تحسب له ويحتفي بها تاريخه التشكيلي.

يقول الفنان عبدالناصر: لقد كانت لحظة إعلان نتائج المزاد من أسعد اللحظات في حياتي عندما أعلن مقدم الحفل اسمي وكان شعور غير مسبوق حيث إنها التجربة الأولى لنا كفنانين سعوديين وتجربة جديدة حيث لم يسبق لفنان سعودي أن عرضت لوحته في مزاد عالمي فهي تجربه جديدة علينا وهذا حملني مسؤولية كبيرة أتمني أن أكون عند حسن ظن الجميع.

* سألناه عن فكرة العمل الفائز ؟ والى أين سيسير بعده بتجاربه الفنية؟

قال : في التجربة الأخيرة التي اشتغل بها أصبحت الإحداث اليومية هي الركيزة الأساسية في أعمالي ففي العمل الذي شاركت به كان الجانب الروحي الذي أعيشه له دور كبير في هذا العمل، فهو موجود في أنا وفي من حولي وكان العنصر الذي اعتمدت عليه في هذا العمل هو الكعبة المشرفة والأفكار والمفاهيم التي تحدث في ذلك المكان وكان تركيزي على المفاهيم التي ترتبط بالكعبة بعد ظهور دين الإسلام والمنهج الذي نسير عليه في جميع جوانب الحياة واردت أن أبين أن الكلام والأفكار التي يذكرها الناس حول الكعبة هي التي بقيت حتى وصلت إلى لذلك حاولت أن أكتب على ذلك العمل الكلام الذي يذكر ممن يطوفون به أو يؤدون المناسك كونه هو الذي يبقى والدليل أنه عَبر كل تلك الأزمنة والأجيال حتى وصل إلى لذلك أخذت أركز على المفاهيم كونها هي الباقية كما أن العمل كان اللون الأبيض يأخذ أكبر حيز من اللوحة وذلك كون الأشخاص الذين يؤدون المناسك يرتدون اللون الأبيض وهو يدل علي المساواة بين الناس في ذلك المكان العظيم ويتجرد الإنسان من كل شيء و يتماهي مع الخالق كما يمثل اللون الأبيض الشيء الذي يبحث عنه هؤلاء الناس وهي الطهارة والتخلص من الذنوب والمغفرة والأمل الكبير الذي يحلمون به. ومن الجانب الجمالي (الاستاطيقي) قمت برسم الكعبة والتركيز علي سترة الكعبة التي تحمل الخط العربي الجميل والآيات المؤثرة والسترة التي يوجد بها الخط العربي الجميل الذي تجده أينما تولي وجهك في الكعبة المشرفة.

وكان للمسابقة دور كبير في اختياري للموضوع فحيث إن هدف المسابقة هو تقريب الثقافات والحضارات بين الشعوب جعلني أركز على موضوع الكعبة وعلى ما تعنيه لي أغلب سكان هذا الكوكب من المسلمين ولأبيّن لهم حقيقة هذا الدين وما يدعو له من تسامح وسلام.

في نهاية حوارنا شكر الفنان العمري شركة MBG ْ على مبادرتها الطيبة وغير المسبوقة، وكما شكر المنظمين الذين كان من ضمنهم الفنان محمد الشهري والفنان أحمد الخزرمي ولجنة التحكيم وكل من شارك في إنجاح هذا العمل وساهم في إظهاره بهذه الصورة المشرفة، وأظهروا الفنان والعمل الفني في أجمل صورة.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد