Al Jazirah NewsPaper Friday  18/07/2008 G Issue 13077
الجمعة 15 رجب 1429   العدد  13077
هناك من أفتى بجوازه بضوابط ومن طالب باجتثاثه من جذوره
الزواج العرفي والسري وتضارب الآراء الشرعية حوله

خاص بـ(الجزيرة) – الرياض:

على الرغم من المخاطر الاجتماعية والأخلاقية التي تنتج عن الزواج العرفي أو السري الذي انتشر -للأسف- بين الشباب من الجنسين في المجتمعات الإسلامية، فإن بعض العلماء ورجال الفتوى يضفون عليه شرعية قد تشجع الشباب على الإقبال عليه خاصة إذا توافرت فيه الأركان الأساسية للزواج الشرعي، ولكن ثبت خطورة هذا الزواج خاصة عند وجود أولاد تكفي الزوج في الإنفاق عنهم فما هي وجهة النظر الشرعية من هذا الزواج؟!

ابحثوا عن الأسباب أولاً!

في البداية يطالب الدكتور محمد بن يحيى النجيمي (رئيس قسم الدراسات المدنية بكلية الملك فهد الأمنية): عن سبب انتشار مثل هذه الأنكحة في مجتمعاتنا الإسلامية وخاصة في وسط الشباب والشابات.

وبنفس الوقت يحدد د. النجيمي أهم الأسباب فيما يلي:

أولاً: منع بعض الدول الإسلامية التعدد أو التشديد فيه مثل اشتراطهم موافقة الزوجة الأولى مما دفع بعض الرجال أن يتزوج في السر بدون توثيق رسمي حتى لا يقعوا تحت طائلة القانون.

ثانياً: غلاء المساكن لدرجة أنه من المستحيل الحصول على شقة تمليك إلا بعد عشرات السنين وإذا استأجر الشاب فإن مرتبه لايكفي للاستئجار ناهيك أن يكون أسرته.

ثالثاً: تدني رواتب الشباب في السنوات الأخيرة لدرجة أنهم لا يستطيعون جمع أموال الزواج من مسكن ومهر وخلافه، والأهم كيف نواجه هذه الظاهرة.

والجواب: نواجهها بالقضاء على أسبابها أو التخفيف منها، فالدول التي تمنع التعدد أو تشدد فيه يجب أن تتخذ المجامع الفقهية والهيئات الشرعية قراراً حاسماً بشأنها وبيان أن ذلك منع لما أحله الله أو تضيق فيه وهذا من المضادة لله ولرسوله، وأما غلاء المساكن فيمكن للحكومات بالتعاون مع القطاع الخاص بإيجاد شقق سكنية مناسبة بأقساط مريحة تدفع الدولة جزءاً من التكلفة، كما أنه يجب على الحكومات أن تحد من غلاء العقار وأن تأخذ على أيدي المضاربين في هذا القطاع المهم، كما يجب رفع رواتب الشباب بالقدر الذي يمكنهم أن يعيشوا حياة كريمة، وعليها أن تدرك أن المحافظة على الشباب هو الاستثمار الحقيقي وإلا فإن مايمكن أن يحصل في المستقبل خطير جداً من الناحية الأمنية والأخلاقية.

أما ما يتعلق بالزواج العرفي أو السري فلابد أن يبين المفتون أن الزواج الشرعي يجب أن تتوفر فيه أركان ثلاثة وأربعة شروط وإلا فإنه باطل أو فاسد.

أما الأركان فهي: الزوجان الخاليان من الموانع أي لاتربط بعضها ببعض صلة نسب محرمة أو مصاهرة أو رضاع كما لابد من الإيجاب والقبول.

أما الشروط فهي: الرضا، والتعيين أي أن يعرف أنه يتزوج فلانة بنت فلان وهي تعرف أنها ستتزوج فلان بن فلان ولابد من الولي والشاهدين، كما أنه لابد من المهر وأن تبلغ المرأة أنها إذا أرادت الحفاظ على حقوقها أن توثق الزواج في المحاكم الشرعية.

زواج كله مشاكل

أما الدكتور خالد بن عبدالرحمن الشايع (المشرف التربوي والمستشار الشرعي) فيقول: بداية يتعين تحرير المراد ب(الزواج العرفي) أو السري فقد يختلف المراد به من بلد إلى آخر كما وقفت عليه، وتحرير ذلك كما يأتي:

أولاً: أن يكون المراد بالزواج العرفي هو أن تزوج المرأة نفسها لرجل ترتضيه لأمر من الأمور، فيخلو هذا الزواج من وجود ولي، فهذا الزواج ليس من الإسلام وإنما هو اتباع لشهوة النفس وتحايل على ارتكاب الفاحشة، إذ أن السنة النبوية صريحة في اشتراط صحة الزواج بوجود ولي المرأة الذي حددت وظيفته في أن يبذل الجهد لمساعدتها وخدمتها وتحقيق مصالحها، ومنها أن يحتاط لها في الزواج فيتشاور مع المرأة ويستأذنها ويستأمرها في تحديد الزوج المناسب. فإذا خلا الزواج من الولي وتم استدراج المرأة لتتجاوز هذا الشرط فقد صرحت الشريعة بإبطال هذا النكاح واعتباره نوعاً محرماً من أنواع السفاح لما ثبت عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل). رواه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه.

ثانياً: أن يكون المراد بالزواج العرفي هو الزواج الذي اكتملت فيه شروط النكاح وأركانه ولكنه لا يسجل في السجلات الرسمية الحكومية ويبقى سرياً متعارفاً عليه بين أشخاص معدودين، مبتعدين عن الهدي النبوي في إعلان النكاح وإشهاره، مشابهين للسفاح الذي يختفي أصحابه ويستتروا به.

فهذا النوع من الزواج وإن كان صحيحاً من جهة توفر الشروط والأركان ولكن انطوى على محاذير عدة تؤول به إلى المنع والنهي، من أهمها:

- مخالفة ولي الأمر بترك ما وضعه من تنظيمات تحفظ الحقوق وترتب شئون الناس.

- إهدار حق المرأة وحقوق أطفالها، بل وحق الزوج في بعض الأحيان، وقد ترتب على هذا النوع من الزواج من المفاسد وإهدار الحقوق وأنواع المعاناة ما يجعله في كثير من صوره ممنوعاً من جهة ما يترتب عليه، والحكم بإثم من شارك فيه وأقره من الزوجين أو الولي والشهود، وهذا المنع والتأثيم متفق مع القاعدة الشرعية المقررة لكون الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.

ثم إن هذا النوع من الزواج لا تتحقق فيه مقاصد الشريعة من الزواج الذي تبنى به البيوت وتزدهر المجتمعات، بل إنه في معظم أحيانه زواج مؤقت مثقل بأنواع الخلافات التي لا تلبث أن تخرج خارج نطاق الزوجية لتؤذن بانهيار العلاقة وابتداء مرحلة من المشكلات التي ينوء به الزوجان وأهلوهما وما بينهم من أولاد إن وجدوا ومن ورائهم المجتمع بأسره.

وينبغي لمن تصدى لتوجيه الناس وإرشادهم أن يوضح سلبيات هذا النوع من الزواج وما يترتب عليه من الأضرار والمفاسد حتى يحذروه.

التخلص منه واستئصاله

ويؤكد الدكتور محمد أشرف المليباري (الباحث بمركز الدراسات القرآنية بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف بالمدينة المنورة) إن شريعتنا الغراء وضعت أسساً راسخة لضبط الشهوات الإنسانية من أن تطيش في لهيب الشوق إلى عاطفة كاذبة ملئها الشقاء تجلب العار والشنار من جراء اللقاء الغير مشروع والحب المزيف فجعل الزواج الشرعي وسيلة سوية للتحكم على هيجان الشهوة وإطفاء نارها في جو مليء بالمودة والألفة والسعادة والهناء بعيداً عن التبعات المريبة المتعبة، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.

وقد وضع الشرع لهذه العلاقة الزوجية قنواتٍ ينبغي على الأزواج اجتيازها ابتداءً من لقاءٍ بحضور محرمٍ وخِطبةٍ وعقد مبرمٍ بالتراضي بين الطرفين ومهرٍ وإيجابَّ وقبولٌ بحضور وليٍ وشاهدين وإعلانٍ وإشهارٍ بوليمةٍ مصطحبة بدفٍ أو صوتٍ وانتهاءً إلى إمساك بمعروفٍ أو تسريحِّ بإحسان، وقد سم الله سبحانه وتعالى هذا العقد لعظم شأنه ميثاقاً حيث قال جل شأنه: {وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا}.

وليس الهدف من هذا العقد مجرد قضاء الوطر والشهوات بين الزوجين بل يتجاوز ذلك إلى أسمى المطالب وهو بقاء النسل البشري الذي يعبد الله وحده لايشرك به شيئاً حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وسكون النفوس والأسر بالمودة والأمن والاطمئنان شاكرين لأنعم الله ويخرج الإنسان من عقدة الإنطوائية إلى الحياة الاجتماعية ذات العلاقة الأسرية بالمصاهرة والأرحام قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا}.

وهذه العلاقة الشرعية تميز عن غيرها من العلاقات الزائفة مما يسمى بالزواج العرفي، أو السري بضوابط وقيود وشروط تحمي البشرية والمجتمعات من البغاء والسفاح، وترفعها إلى مستوى يضفي على الزوجين الإجلال والهيبة للتكاليف والتشريعات والواجبات والحقوق كما قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}، وقال: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ}وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام، (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، وكلكم راع ومسئول عن رعيته) فيصبح الأزواج يتنعمون تحت ظل الإسلام، وتنمو الأسر بنظام شرعي طبيعي فطري منبثق من أصل التكوين البشري، وتتولى هذه الأسرة المباركة الجيل الناشئ وترعاها بالرحمة والتكافل فتنطبع عليها مشاعر الحب بالطابع الذي يلازمها مدى الحياة.

أما الزواج المبتدع المسمى بالزواج العرفي أو السري -رغم وجود من يجيز بعض أنواعه مع الأسف- إنما هو بعيد عن الشرعية قريب من السفاح يتم في الخفاء ناء عن أعين الناس يقول صلى الله عليه وسلم: (البر حسن الخلق، والإثم ماحاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس).

فلو كانت هذه العلاقة برا لأشهر بها، ولو كان الشهود عدولا لما شهدوا بذلك في الخفاء، ففقدان الإعلان وعدم إشعار النكاح وحده يجر الويلات تلو الويلات لهذه الرابطة الهشة؛ لأنه زواجَّ مجهول الهوية لم ينطبق عليه قوله تعالى: {فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ}ويستحيل فيه تطبيق قوله تعالى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}وأي معروف بدون وثائق ثابتة تحمي الأسرة والمستقبل والأولاد بل وقبل كل شيء تحمي الأعراض وتتفادى التبعات وديننا الإسلامي أكرم الإنسان وميزه من بين سائر المخلوقات، ورفع مكانة الإنسان بالعقل لصيانة الأعراض فلم يجعل المرأة محلاً لنزوة حيوانية ينزوها فحل على أنثى في لحظة ثوران الشهوة وانعدام العقل ؛ بل جعل إعلان النكاح وسيلة لرفع شأن المرأة إذ تسلم عرضها وأغلى ما تملك بعد الدين لرجل أجنبي عنها وسط هالةٍ من المهابة والإجلال بالميثاق الغليظ وبعلم شهود عدول وإشهار بين الملأ بالفصل بين الحلال والحرام كما جاء في الحديث مرفوعاً: (فصل ما بين الحلال والحرام ضرب الدف والصوت في النكاح).

وللأسف فإن تلك العلاقة المشبوهة، التي تجر الويلات والنكبات قد دبت إلى ضعاف النفوس في بعض بلاد المسلمين ممن تنحى عن العفة والحجاب الشرعي واستبدالهما بالسفور والاختلاط والتبرج، فهانت عليهم العزة والكرامة وانتشرت بينهم الدياثة وهتك الأعراض فاضطروا للبحث عن المناص، فلجؤا إلى علاقة غير شرعية بأسماء مزيفة ما أنزل الله بها من سلطان.

حلول لسد الذرائع

ويقدم د. المليباري مجموعة من الحلول لعلاج هذه المشكلة قائلاً: في الواقع أن الزواج العرفي أو السري أيا كان تعريفه قد انتشر في بعض بلاد المسلمين بشكل سريع وواضح فيجب التخلص منه والاستئصال من جذوره قبل أن يشتد الخطب ويعظم البلاء، ولايمكن ذلك إلا بتنزيه المجتمع الإسلامي وتطهيره من الأسباب المؤدية إلى تلك الأنكحة المحذورة ومنها:

- القضاء على الاختلاط بين الجنسين في كافة مجالات التعليم والتعلّم والوظائف والرحلات والأسفار والحفلات وغيرها من أماكن تجمع الجنسين، وذلك بوضع سياج إلهي للحيلولة دون وصول الرجل إلى المرأة الأجنبية عنه، قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ}وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة لاتحل له، فإن ثالثهما الشيطان إلا محرم).

- نشر الوعي الإسلامي وزرع الوازع الديني بين الشباب والشابات كي يتجنبوا الوسائل المؤدية إلى فساد الأخلاق حيث منع القرآن الكريم مجرد القرب إلى الزنا فقال تعالى {وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا}وقال صلى الله عليه وسلم: (من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه).

- تسهيل أمور الزواج المبكر الشرعي للجنسين بإزالة العوائق وكسر القيود الناتجة من أطماع أولياء الأمور في الصداق، أو تعصبهم للقبائل أو خضوعهم للعادات والتقاليد العمياء مما جعل العنوسة في البلاد العربية في ازدياد مستمر، ولاقوة إلا بالله.

- التحري والإتزان في قبول الفتاوى عند اضطرابها لدى أصحابها فكما نحرص أشد الحرص في اختيار المهندس الماهر، والطبيب الخبير، والمدرس البارع، علينا الحرص والتحري فيما هو أهم وأخطر في حياتنا وهو حفظ الشرف والعرض وسلامة النسل وثبوت علاقة النسب والأصهار وبناء الأسرة والبيوت المطمئنة، فنرجع إلى العلماء الربانيين المحققين الذين يعتمدون في فتاواهم على كتاب الله وسنة رسوله ومنهج سلف الأمة وفهمهم دون اللجوء إلى مصالح أخرى.

- هدم عروش الروائيين والكتاب الذي دسوا سمومهم بواسطة الأفلام والمسلسلات وغيرها بأحكام تعارض حكم الله في تعدد الزوجات، واستئصال هذه الأفكار من جذورها كي يحل التعدد المسموح به بشروطه محل الأنكحة المشبوهة.

وهناك زوايا ضيقة يمكن أن تتسرب من خلالها هذه العلاقة المشؤومة إلى المجتمع السعودي - حماه الله من كل سوء ومكروه- فيجب الأخذ بالحيطة والحذر قبل وقوع الفأس في الرأس باتخاذ كافة سبل الوقاية لسد تلك الزاوية، وتكثيف الجهود المتواصلة بإلقاء المحاضرات والندوات وتوزيع النشرات والبحوث العليمة في جميع المنافذ والمواقع التي يتوقع تسرب هذا الداء العضال من خلالها إلى المجتمع السعودي وذلك ببيان أحكام الشرع الحنيف حول هذه القضية وإبراز مخاطر هذه الأنكحة على المجتمعات المسلمة من خلال إلقاء الضوء على القصص الواقعية المؤلمة مما تنشره وسائل الإعلام والصحف لما وقعوا في مثل هذه العلاقات.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد