Al Jazirah NewsPaper Friday  18/07/2008 G Issue 13077
الجمعة 15 رجب 1429   العدد  13077
على خلفية الطرح الإعلامي.. (الرسالة) تناقش مفهوم (الخلوة) وتحدد:
الخلوة بهذا المفهوم (حرام) والخوض في حرمتها بالرأي قول على الله

تحقيق - محمد بن سليم اللحام:

لقد أطر الشرع المطهر العلاقة بين الرجل والمرأة بإطار واضح ووصف له طبيعة بارزة المعالم في بيان لهذه العلاقة وكنهها، وسعى من هذا الإطار إلى تجنيب المجتمع ويلات العلاقات المحرمة التي تبدأ بالمعاكسات ثم الاختلاء المحرم ثم ما يتبعه من ويلات.

ولقد اتخذ الإسلام لتجنيب المجتمع هذه الويلات إجراءات احترازية تمنع السبل المؤدية لهذا المزلق من خلال تحريم أي شكل لاتصال الرجل بالفتاة دون مسوغ شرعي، ولقد وضعه الشارع الحكيم بحكمته للرقي بالمجتمع وتعزيز قيم العفة والطهارة وفتح المجال أمام العلاقات الشرعية التي تعد الطريق الوحيد من خلال الزواج الشرعي.

ولقد كثر الحديث إعلامياً في الآونة الأخيرة عن حلقة من حلقات ما تم ذكره آنفاً بشأن الاختلاء أو الخلوة حيث خاض فيه العديد من الكتاب الصحفيين فيه بالرأي دون التفات للجانب الشرعي أو تجاهل له.

وفي تحقيقنا هذا نتناول الاختلاء وتحديداً المحرم والمحددات الشرعية له ومعناه وخطره واسبابه والحكم الشرعي لتجلية حقيقة الظاهرة فمع التحقيق.

أسباب الخلوة

في البداية بين فضيلة رئيس مركز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالروضة بجازان الشيخ عبدالله بن محمد الشراحيلي أن خطورة الاختلاء المحرم تكمن في أنه سبيل للزنا - أعاذنا الله وإياكم منه - وان من أسبابه إبداء المرأة شيئا من زينتها للرجال الأجانب وكذلك الخضوع بالقول والملاينة بالكلام مع الرجال الأجانب وتبختر المرأة في مشيتها وتكسرها.

وقال: فإن ذلك من الأسباب التي تؤدي بالرجل إلى الافتتان بالمرأة الأجنبية ومن ثم السعي من أجل الاختلاط والخلوة بها، وتزداد الأمور تعقيداً حين يتبع هذا الفعل الزنا ومعلوم ما يتبعه من اختلاط الأنساب وكثرة أطفال اللقطاء وبالتالي يداهم المجتمع وباء الجريمة ليفسد في المجتمع.

نتائج وآثار

وحول نتائج الاختلاء أو الخلوة المحرمة الاجتماعية على مستوى الأسرة ومستوى المجتمع يحدثنا الأستاذ في كلية المجتمع بجازان التابعة لجامعة الملك خالد الدكتور محمد غمري الشوادفي بقوله: إن لهذه الظاهرة أبعاداً وآثاراً كثيرة يمكن إجمالها بالتالي:

1- الآثار الإنسانية: فقد الإنسانية - سلب التكريم - الضلال.

2- الآثار الإيمانية - رفع الإيمان من القلب.

3- الآثار الحضارية: الضياع والقلق والدمار بالفرد والمجتمع - انحطاط الحضارة وانهيارها.

4- الآثار الاجتماعية والسلوكية: ظهور العادات السيئة لتصريف الشهوة.....، ومرض النضج الجنسي المبكر، والانصراف عن الزواج الشرعي، وانهدام وتصدع قيم الحياة الزوجية وأسس استقرارها، وظهور الممارسات غير الأخلاقية الجماعية، وضياع الأمن على الأعراض وانتشار الجرائم الخلقية، وتداول الأشرطة الخلاعية، وانهيار الحياة العائلية وبنيان الأسرة.

5- الآثار النفسية: وتتمثل بالقلق والاضطراب النفسي، والانتحار، والشك بين الازواج وبين الآباء وأبنائهم، وذبول أحاسيس ومشاعر الغيرة والعرض والشف والحياء والرجولة - وفقدان مشاعر الأبوة والأمومة والبنوة - وشيوع الجرائم اللا أخلاقية لأسباب نفسية.

6- الآثار المرضية: التسبب في أمراض الهربس، السيلان، الزهري، القرحة الرخوة، الالتهاب البلغي التناسلي، الورم المغبني الحبيبي، التهاب الكبد الفيروسي، والتهاب مجرى البول غير السيلان، التهاب الحوض لدى النساء، ثآليل التناسل، الكانديدا، الأيدز.

الهيئة والمعالجة

وفي هذه المرحلة من التحقيق يطرأ علينا أهمية معالجة الخلوة المحرمة ويتبادر للذهن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كجهة اختصاص ولأجل ذلك اتجهنا لفضيلة مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة جازان الدكتور عبدالرحمن المدخلي والذي قال إن دور الهيئة في محاربة هذه الظاهرة ميدانياً يبدأ بتوعية الناس بالتزام النساء بالحجاب والحشمة والحياء والقرار في البيت، والإكثار من ذكر الله، وغرس المفاهيم ذات العلاقة بالاستعفاف، والتحذير من خلوة الرجل بالمرأة واختلاط الرجال بالنساء، وعند وقوع ذلك لا سمح الله يتم القبض عليهما واستدعاء ولي أمر الفتاة واتباع الإجراءات المنظمة في هذا الشأن مع مراعاة جانب الستر وملابسات كل قضية على حدة.

سد الذرائع

وفيما يرتبط بالحكم الشرعي الذي بات مجال طرح ونقاش لكل من أراد الخوض بعلم أو بغير علم في موضوع الخلوة نقول إن هناك قواعد شرعية مهمة يطبقها ويقيس عليها العلماء العاملون في مجال عملهم وينبني عليها الحكم الشرعي ومن القواعد التي يجدر توضيحها في موضوع الخلوة قبل بيان الحكم الشرعي في الخلوة قاعدة (سد الذرائع في الشريعة الإسلامية) وهي قاعدة شرعية مهمة لتكوين رؤية واضحة في مجال تحقيقنا هذا حيث تحدث الشيخ سامي بن عبدالعزيز الماجد المحاضر في قسم الفقه بكلية الشريعة وإمام وخطيب جامع الرائد بالرياض موضحاً أن الذريعة هي: الوسيلة أو الطريق الموصل إلى الشيء المقصود، فسد الذرائع هو منع الطرق والوسائل التي ظاهرها الإباحة، لكنها تفضي إلى الممنوع.

وقال لقد دلت نصوص كثيرة من الكتاب والسنة على أن هذا الأصل معمول به في الشريعة، كقوله تعالى: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ..}، مع أن سب الكفار في أصله مشروع، لكن إذا أفضى إلى مفسدة سبهم لله تعالى فإنه ينهي عنه، وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا..}

وأردف فضيلته: ففي هذه الآية نهى الله عن الإقامة في أرض الكفر وترك الهجرة إلى بلد الإسلام، مع أن الإقامة لا يلزم منها في ظاهرها كفر ولا نفاق ولا ما دون ذلك، ولكن لما كانت الإقامة الدائمة بين ظهراني الكفار تؤثر في سلوك المسلم واعتقاده وتعرضه للفتن ولو بعد زمن، نهى الله عنها سداً لذريعة المفسدة، وقوله صلى الله عليه: (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)، مع أن الخلوة في ظاهرها لا محظور فيها، ولا يلزم منها الوقوع في الفاحشة، لكنها لما كانت ذريعة إليها غالباً حرمها الشرع، فتحريمها من تحريم الوسائل، وقوله صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع)، فأمر بالتفريق بينهم في المضاجع خشية أن يفضي نومهم في مضجع واحد إلى وقوعهم في الفاحشة.

وشدد الشيخ الماجد على أن الشواهد على أصل العمل بسد الذرائع كثيرة مستفيضة في نصوص الوحيين، ومنها قرر أهل العلم قواعد مهمة في هذا الباب ومنها: (للوسائل أحكام المقاصد)، كل ما أفضى إلى حرام فهو حرام)، وفي ذلك يقول ابن القيم في كتابه القيم (إعلان الموقعين): (لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها، كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها، بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطها بها ووسائل الطاعات والقربات في محبتها والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غاياتها، فوسيلة المقصود تابعة للمقصود، وكلاهما مقصود، لكنه مقصود قصد الغايات، وهي مقصودة قصد الوسائل، فإذا حرم الرب تعالى شيئاً وله طرق ووسائل تفضي إليها، فإنه يحرمها، ويمنع منها، تحقيقاً لتحريمه، وتثبيتاً له، ومنعاً أن يقرب حماه، ولو أباح الوسائل المفضية والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضاً للتحريم، وإغراءً للنفوس به، وحكمته تعالى تأبى ذلك كل الإباء) اهـ.

وأردف فضيلة الشيخ الماجد: كما لم ينفرد علماء الشريعة بالعمل بهذا الأصل (سد الذرائع) بل هو معمول به حتى في الأنظمة والقوانين الوضعية، وما من دولة إلا وهي تعمل بقاعدة سد الذرائع في أنظمتها وقوانينها، وإن اختلفت في درجة العمل به تضييقاً أو توسيعاً، وأصل قاعدة سد الذرائع متفق عليه بين أهل العلم، فكل ما يفضي إلى الحرام قطعاً فهو حرام عند أهل العلم جميعاً، ولا خلاف بينهم في هذه الصورة، وكذلك ما نص الشرع على تحريمه مما يفضي إلى الحرام غالباً، كالخلوة فهم متفقون على تحريمها، عملاً بالنص، لا إعمالاً لسد الذرائع. كما ذهب جمهور العلماء إلى العمل بسد الذرائع فيما يفضي إلى الحرام غالباً، وإن كان لا يقطع بإفضائه إليه، استشهاداً بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الخلوة بالمرأة الأجنبية، وبنهيه عن الدخول على المغيبات، وعن سفر المرأة بلا محرم، فهذه الصورة لا تفضي إلى الحرام والمفسدة قطعاً، وإنما تفضي إلى الحرام في الغالب، فاعتبر، وإن كانت أحياناً لا تقع بها فتنة ولا فاحشة.

الحكم الشرعي

وفي هذه المرحلة لا بد لنا من بيان الحكم الشرعي في موضوع الخلوة فقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية هذا السؤال: هل الخلوة هي فقط أن يخلو الرجل بامرأة في بيت ما، بعيداً عن أعين الناس، أو هي كل خلوة رجل بامرأة ولو كان أمام أعين الناس؟

فأجابت برئاسة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله وعضوية أصحاب الفضيلة المشايخ عبدالله بن قعود وعبدالله بن غديان وعبدالرزاق عفيفي رحمهم الله بما نصه: (ليس المراد بالخلوة المحرمة شرعاً انفراد الرجل بامرأة أجنبية منه في بيت بعيداً عن أعين الناس فقط، بل تشمل انفراده بها في مكان تناجيه ويناجيها، وتدور بينهما الأحاديث، ولو على مرأى من الناس دون سماع حديثهما، سواء كان ذلك في فضاء أو سيارة أو سطح بيت أو نحو ذلك، لأن الخلوة منعت لكونها بريد الزنا وذريعة إليه، فكل ما وجد فيه هذا المعنى ولو بأخذ وعد بالتنفيذ بعد فهو في حكم الخلوة الحسية بعيداً عن أعين الناس، وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم).

خلاصة

ومن ذلك يتجلى لنا أننا في مجتمع مسلم يحظى بمسلمات لا تختلف حسب الزمان ولا المكان ولا تقبل الرأي فيها ونخلص إلى أن:

أولاً: أن خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه محرمة بإجماع أهل العلم.

ثانياً: أن (الخلوة) مصطلح شرعي، فالكلام فيه وتحديد المراد به كلام في الشرع، والتخوض فيه بالرأي قول على الله بلا علم.

ثالثاً: إذا تقرر أن (الخلوة) مصطلح شرعي، فإن العبرة في فهمه وتحديد ضابطه النصوص الشرعية وكلام أهل العلم المعتبرين لا آراء الناس أو أعرافهم المخالفة للشرع.

رابعاً: أن كل ما كان وسيلة إلى الخلوة، أو من مقدماتها، أو متضمناً لعلة النهي عنها، يمنع منه، إعمالاً للقواعد الشرعية المقررة كقاعدة (سد الذرائع) وقاعدة (الوسائل لها أحكام المقاصد) وغيرها.

خامساً: أن أهل العلم المحققين قد أجروا حكم تحريم الخلوة على صور عديدة لكونها وسيلة إليها، أو من مقدماتها، أو متضمنة لعلة النهي عنها.

سابعاً: أن الجهة الشرعية العليا بالمملكة العربية السعودية التي يرجع إليها في هذه المسائل هي اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة البحوث العلمية والإفتاء بالمملكة.

إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد