بقلم: سلطان الجهني
أعتقد أنّ اللهجة المحكية لمحافظة العلا، التابعة لإمارة منطقة المدينة المنورة، والواقعة تحديداً في شمال غرب المملكة، من أكثر اللهجات المحلية (خصوصية)؛ ذلك أنها تتسم بصفات صوتية معينة تتجلى بوضوح عند المتحدثين بها، ومن ذلك الإمالة في نطق الألفاظ، كما أنها (تنفرد) بقاموس ثري لمفردات لا تشاركها فيه لهجات أخرى، ويصعب على غير العارفين بهذه اللهجة فك رموز ألفاظها، إلاّ أنها في ذات الوقت تشترك مع لهجات أخرى في مفردات كثيرة وإنْ اختلفت طريقة النطق في بعض الأحيان؛ كون اللهجات المحلية في المملكة مستمدة أصلاً من اللغة العربية. ومع أنّ اللهجة (العلاوية) المحلية المحكية لمحافظة العلا، تتكسب هذه الخصوصية، إلاّ أنها لم تحظ بالدراسة المتخصصة، أو البحث الذي يخوض في أسبارها، ويكشف عن مكامن الجمال النطقي فيها، ويوثق هذه اللهجة، قبل أن تندثر برحيل الكثيرين من المعمرين المتحدثين بها. وعندما أقول اللهجة المحكية لمحافظة العلا، فأنا أعني ما يعرف ب (اللهجة العلاوية)، وهي لهجة الحاضرة من أهالي العلا، وتنحصر هذه اللهجة في 15 عشيرة تمثل النواة لحاضرة العلا. ومع أن هذه العشائر الخمس عشرة، تعود في أنسابها إلى أكثر من قبيلة عربية، إلا أنها تشترك في لهجة واحدة، هي اللهجة العلاوية، إذاً فاللهجة العلاوية هي لهجة مجتمع، وليست لهجة قبيلة، أي كاللهجة القصيمية والنجدية والحجازية وغير ذلك من اللهجات المجتمعية المماثلة. وانحصرت الاجتهادات في توثيق مفردات اللهجة العلاوية، في بعض مؤلفات أبناء العلا، الذين بحثوا وكتبوا عن تراث العلا وأجادوا إلى حد كبير .. ومن أبرز من وثّق جزءاً من هذه اللهجة د. عبد الله آدم نصيف، وصالح الأمام - رحمه الله -، وسالم محمد شويكان، وأحمد عبد الله عبد الكريم - رحمه الله -، ود. محمد خليص الحربي. والغريب أن اللهجة العلاوية، تستقل بخصائصها النطقية، بعيداً عن التأثر باللهجات القبلية المحيطة بها، فنلمس أن اللهجة العلاوية تختلف كلياً عن جميع اللهجات القبلية المجاورة للعلا. أما نشأة اللهجة العلاوية، فهي قديمة جداً، ونستدل على ذلك، من الكثير من المفردات العلاوية القحة، التي وردت في الكثير من الوثائق التي كتبت في القرون السابقة، فالوثائق القديمة، التي كتبت في المعاملات التجارية والبيع والشراء والعقود والأنكحة وغير ذلك، وثّقت إلى جانب ذلك الكثير من مفردات اللهجة العلاوية. واللهجة العلاوية، هي من لهجات (الشنشنة)، والشنشنة هي قلب الكاف شيناً مطلقاً، والشنشنة من اللهجات العريقة في كلام العرب، وكانت في تغلب وقضاعة، وحالياً في بعض دول الخليج واليمن والإحساء. إلا أني - على حد علمي - لا أعرف أحداً يتحدث ب (الشنشنة المطلقة) في شمال غرب المملكة سوى اللهجة العلاوية، غير أنها موجودة في بعض مدن فلسطين والشام، ومن المعروف في اللهجة العلاوية، أن المتحدثين بها يقلبون حرف الكاف شيناً مطلقاً، فتراهم ينطقون كلمة كبريت كالتالي: (شبريت) ومثل ذلك كلمة تكذب تصبح (تشذب) ... الخ. كما تتسم اللهجة العلاوية، بصفة (الإصنجاع)، وهو نوع من أنواع الإمالة الشديدة تكون فيه الألف أقرب فيه من الياء منها إلى أصلها، والإصنجاع كذلك من اللهجات العربية القديمة. وهذه الإمالة الشديدة فنستدل عليها بلفظ مشهور في اللهجة العلاوية، وهي نطق كلمة (ماء)، فينطقونها (ميىء). فإذا أراد أحدهم قليلاً من الماء، يقول: (عطيني قوقو ميىء) وأحياناً (جغمة ميىء) وكلا اللفظين يراد به قليل من الماء. ومثل ذلك يأتي نطق كلمة (غداء) ب (غديىء). ويطلقون على النخلة المخصصة لأكل البيت ب (المغداية). كما ينطقون حرف القاف جيماً في الكثير من الأحيان. فيقولون: الجايلة، وأصلها القايلة. ويقولون: بجيرة، وأصلها بقيرة، وهي الحفرة التي يحفرونها قرب العين، ويقولون: جنو، وأصلها قنو. إلاّ أنّ قلب القاف جيماً لا تكون في جميع حالات النطق، فكثيراً ما يستخدم حرف القاف في النطق في اللهجة العلاوية، مثل لفظ (دقر)، وهي فتحة صغيرة يضعون فيها مفتاح البيت، كما يقلبون كاف خطاب المؤنث إلى شين. فيقولون في فمك ورجلك، ثمش، رجلش، وهي من الكشكشة في اللهجات العربية. كما يتضح أن اللهجة العلاوية، قد أخذت بعض مفردات اللغة التركية، ولهجات بلاد الشام، وقليل من مفردات بلاد المغرب العربي، ولعل ذلك التمازج في اللهجات، ناتج عن وقوع البلدة القديمة (الديرة)، على طريق الحج، حيث يمرها الحجاج ويقيمون فيها مدة من الزمن، ثم يتزودون منها بالماء والزاد، ثم يذهبون إلى الحج، ويعودون إلى العلا في رحلة إيابهم، وهذا الاحتكاك بين الحجاج والأهالي أكسب اللهجة العلاوية بعض المفردات الطارئة عليها، إضافة إلى ذلك، كان أبناء العلا قبل توحيد المملكة، يسافرون إلى تركيا وبلاد الشام وفلسطين للعمل هناك، ثم يعودون مصطحبين معهم المال الذي جمعوه، والكثير من المفردات التي اكتسبوها خلال فترة عملهم هناك، وكانت هذه الرحلات مألوفة، بل ذكر لي أحد كبار السن، أن من لا يسافر للعمل، فلا يستطيع الزواج، لقلة الحيلة آنذاك. ومن المفردات التي ترجع إلى اللغة التركية في اللهجة العلاوية: جامكية، وتعني الراتب، ومن الأمثال التي كان يقولها كبار السن: شهر مالك فيه جامكيه (راتب) وشهو له تعد أيامه. ويقولون: الكاووش، وهو مركز الشرطة، وأصل الكلمة تركي. ويقولون: قصيون، بمعنى قلعة. ومن ذلك أيضا: برنجي وأكنجي، أي الصف الأول والثاني ... الخ. ومن المفردات في اللهجة العلاوية القحة قولهم: يا غدي، تأتي بمعنى أظن. لشن ؟، بمعنى لماذا. ويقولون: سيدي وستي، بدلاً من جدي وجدتي. ويقولون: أبرق، أي كثير السرقة. ويقولون: هاهي له، بمعنى قم بمناداته. ويقولون: عكيلك، بمعنى أتحداك. ويقولون: قمقوم، وهو إناء الشرب. ويقولون: فيدوس، وتأتي بمعنى انصراف الطلاب من المدرسة. ويقولون: أدعر الباب، بمعنى أفتحه. ويقولون: جوره، بمعنى حفره. ويقولون: برمه، بمعنى قدر الطبخ الكبير. ويقولون: يا بت، بمعنى يا بنت. ويقولون: انهج، بمعنى عجل وأسرع. ويقولون: أركح بمعنى أجلس. ويقولون: أجيفك، بمعنى أنتظر. ويقولون: إحثاه عنك، بمعنى دعه عنك. ويقولون: أشكمه، بمعنى أمسك به. ويقولون: اُكمُره، بمعنى قم بتغطيته. ويقولون: البرباخ: وهو حجر يوضع لتحويل ماء السقي من مكان مرتفع إلى آخر منخفض. ويقولون في التذمر بعض العبارات مثل: عوه واوه، وحيدك بيدك. ويقولون في الدعاوي: آكلة وجرينه وحبيجة، وهي بعض الأمراض.