نحن أُمّة لا تعرف اليأس والقنوط، بل ربّانا ديننا على الصبر والرضا بقضاء الله وقدره، وأن نكافح وأن نفعل الأسباب ( فَأَتْبَعَ سَبَباً )، وأن لا نيأس من رَوْح الله مهما ادلهمّت الخطوب، ولذلك يعقوب عليه السلام لمّا فقد بنيامين وأخذ في دين الملك وابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيم، أوصى أبناءه بفعل الأسباب بداية، وأن لا ييأسوا من رَوْح الله: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }.
فرغم الأحداث المتزاحمة التي تمر بها منطقتنا، والظروف الصعبة التي نعيشها ويتجرّع مرارتها عالمنا الإسلامي، إلاّ أنه يجب أن نتفاءل بزوال الغمّة واقتراب انفراج الكربة، وأن لا نقطع الأمل وأن لا نيأس، وأن ننبذ الكسل والتواني والتضجُّر، وأن نصلح ذات بيننا ونودع الاقتتال والفرقة، وأن نوجِّه بنادقنا وعصيّنا، لا إلى صدورنا، بل جهة عدوِّنا، وكذلك أن نغيِّر القناعة الراسخة بأنّ العرب ظاهرة صوتية، وأن نحدث فعلاً وأثراً وأن نخطو ولو خطوة بسيطة تجعلنا نتحرك من مكاننا، ونسلك طريق الرقي والنهوض والنجاح، فكما قالوا رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة والخطوة الأولى التي خطوناها وترصد في تجارب حياتنا وتلقّينا فيها دروساً محفزة للمضي قُدُما ومناقشة جميع قضايانا وحل كل مشاكلنا، هي نجاحنا في إخماد صوت الفتنة في لبنان ..
لبنان هذا البلد العربي الجميل الصغير متنوّع المذاهب والثقافات، متعدّد الطوائف والاتجاهات والأفكار، معقّد التركيبة السكانية متأزم من الداخل .. وهناك من يوقد للفتنة وقَدْح الزناد وتأجيج النعرات وإثارة الطائفية بين أبناء هذا البلد كما يحدث الآن في العراق .. فرغم تعقيد وضعه وصعوبة ظروفه، إلاّ أننا نحقق على أرضه انتصارات في وأد الفتنة وقطع الطريق على من لا همّ له إلاّ إشعالها وتأجيج المنطقة، فمن اتفاق الطائف إلى بداية النجاح الذي تحقق من اجتماع الوزراء العرب في الدوحة، وكذلك ما حققناه من نجاح في الأزمة السابقة في إيقاف القصف الإسرائيلي على لبنان، بسبب الأزمة التي أثارها حزب الله، فلاحظنا التحرك الجاد للجامعة والدول العربية وممارسة الضغط على إسرائيل، عن طريق تحريك المؤسسات والمنظمات العالمية .. فإخماد الفتنة وتضميد الجراح وجمع الفرقاء اللبنانيين على طاولة واحدة، بعد أن كان مسرح الحوار في الشارع على صوت المدافع ومشاهد الدبابات، هذا بحدِّ ذاته نجاح سبقه نجاحات في رأب الصّدع وجمع الكلمة اللبنانية، وأعتبره خطوة لنجاحات كبيرة سنحققها في المستقبل - إن شاء الله - إذا مارسنا نفس الدور وخطونا تلك الخطوات الجادة في تعاملنا مع لبنان، وإذا كان محرك الفتنة في لبنان هو من يحركها في العراق، ونجحنا في إخمادها في لبنان، فلماذا لا ننجح في العراق؟!
ولماذا لا ننجح في فلسطين؟!
ولماذا لا ننجح في حل كل مشاكلنا العربية؟!
أسئلة ستجيب عليها الجامعة والدول العربية ومن ورائهما الأُمّة العربية، بعد أن يسكت صوت الفتنة في لبنان.
alhamada1427@hotmail.com