Al Jazirah NewsPaper Thursday  05/06/2008 G Issue 13034
الخميس 01 جمادىالآخرة 1429   العدد  13034
فقيد الوطن وشذرات من سيرته العطرة
عبدالله منصور حمد المالك

أبصر النور في مدينة الرس بمنطقة القصيم سنة 1359هـ-1940م، وفيها درس المراحل التعليمية الأولى، ثم غادرها إلى الرياض التي حصل فيها على الشهادة الجامعية، ثم ارتحل ميمماً صوب الولايات المتحدة الأمريكية حيث حصل من جامعة متشجن على درجة الماجستير ثم أتبعها بالدكتوراه في علم الاجتماع الحضري، وخلال ذلك نال دبلومات أخرى في عدد من المجالات المختلفة.

- تقلد في حياته مناصب عديدة كان ختامها تقلده منصب الأمين العام لمجلس الشورى.

- له عدد من المؤلفات وبحوث في الدراسات الاجتماعية والتنموية وله كذلك عدة دراسات ميدانية وبحوث في الشؤون الاجتماعية والعمرانية والإدارية والسياسية والاقتصادية.

- صدر له أخيراً ديوان شعر نظمه بالعربية الفصحى، وقد أسماه (إخوانيات) لكثرة ما تضمنه من الرسائل الشعرية المتبادلة بينه وبين أصدقائه وزملاء العمل ومعارفه ومحبيه الكثر، وقد زخر هذا الديوان بأكثر من عشرين قصيدة نظمها ما بين رثاء للأم وعتاب جميل لأخ ومداعبة لطيفة لصديق، وتصوير بديع لهموم المجتمع وشؤونه وشجونه.

ومن القصائد الأثيرة لدية رثاؤه لوالدته بعنوان (إلى أمي الحنون) لما بلغه نبأ وفاتها وهو في الولايات المتحدة مرافقاً ابنه (عبدالله) الذي كان يعالج هناك، وأخرى قالها في الشيخ صالح بن حميد، رئيس مجلس الشورى وعنوانها (ما لها إلا ابن حميد) وقد ألقاها لدى احتفاء المجلس بالشيخ رئيساً له، ثم إنه قال شعراً خفيفاً لطيفاً في أحوال البورصة وسوق المال مادحاً وقادحاً.

وهناك نقطة وضيئة في حياة الفقيد أود إبانتها في هذه المقالة، وهي: قوة إيمانه بالخالق العظيم، حيث تجلت فيه هذه الصفة في أسمى معانيها، وهو يواجه الداء العضال في مراحله المختلفة، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وإدراكه الخالص بأن ذلك المصاب ما هو إلا تمحيص لذنوبه، إلا أنه رغم كل هذه المعاناة كان يحادث زائريه من السرير الأبيض، عن الثقافة وأخبارهم وكل أحداث المجتمع وشؤونها مظهراً لهم حبه العظيم لها ولهم.

عرف عن الفقيد تشجيعه الدائم لشباب الأسرة وسائر الشباب في دائرة معارفه الواسعة عن الزواج وكان يركز بخاصة على الزواج المبكر، وكنت أحد الذين قُدمت لهم النصيحة الغالية من فقيدنا -رحمه الله- وعرف كذلك بتشجيعه المستمر لشباب الأسرة على مواصلة التعليم حتى المراحل العليا وما فوق الجامعية، وألا يتوقف قطاره لدى المحطات (المراحل) الصغرى، داعياً إياهم للتزود بأرقى وأحدث ما توصل إليه الذهن البشري من علوم نافعة واكتشافات مبهرة.

وكان -رحمه الله- من القلة الذين يثرون بفكرهم النير وبصيرتهم الثاقبة وقفشاتهم التي تريح الأنفس المنهكة من تبعات العمل وساعات الدرس الطويلة، وكم شهدت له مجالس العائلة طرحه الرصين لموضوعات الأدب الرفيع يخالطها شيء من النكات الظريفة والاستدراكات الطريفة والحكايات الجاذبة التي تحكي عن الذوق العربي السليم، ولكم سعى إلى إشراك الجميع في حواراته المفيدة وأطروحاته الثقافية الفريدة.

أما الصغار، وكما نسميهم (أحباب الرحمن)، فقد كانت لهم عنده مكانة خاصة، لا يسبر أغوارها إلا هو، فكثيراً ما رأيناه ينزل من رفيع مقامه إلى ساحاتهم وملاعبهم وملاهيهم، يسائل هذا، ويداعب ذا، ويلاعب ذاك، يواسي المهموم، ويسعى إلى إضحاك الباكي الشاكي.

وحتى خارج إطار أسرته، كان معروفاً لدى الجميع بسمعته الممتازة ويحظى بين أحبابه ومعارفه الكثر بالاحترام والتقدير التامّين، حتى أننا لنحظى بتقدير هؤلاء واحترامهم بسبب ذلك العلم الفذ الذي جمع المجد من أطرافه كما يقولون.

وأما عن الثقافة، فحدث ولا حرج، فقد كان رائدها الذي لا يكذب أهله، وفارسها الذي لا تلين له قناة، ولا يشق له غبار وكان أحد أركان الأسرة الركينة وبخاصة في ذلك الميدان الفسيح.

ومن النقاط المضيئة في حياة الفقيد، بره الكبير بوالدته، ورعايته المثلى لها، وقد ترجم ذلك (عملاً) بإسكانه إياها معه في داره العامرة، ورعايتها حتى مماتها، ومما لا أنساه لفقيدنا العزيز اهتمامه الكبير بوالدتي (شقيقته) وسؤاله الدائم عنها وعن صحتها وجميع أحوالها وكان يزورها بين حين وآخر ملاطفاً ومجاملاً.

ومن مآثره الجمة، اهتمامه الملحوظ بأسرة شقيقة الراحل (علي) بعد وفاته -رحمه الله- حيث ظل يرعاهم ويتفقد أحوالهم ويهتم بشؤونهم العائلية والصحية والدراسية.

وطال اهتمامه ورعايته حتى من هم خارج نطاق العائلة الكريمة، حيث كشفت لنا أيام العزاء (على قلتها) عن المكارم العظمى والخدمات الجليلة التي كان يقدمها الفقيد لا يرجو من ورائها سوى الأجر والمثوبة من الله سبحانه وتعالى حين أسهم في تعيين هذا وقضاء حاجة هذا ويسر التعليم لذاك.. وهكذا.

وكان -رحمه الله- ولوعاً بالأسفار في جوانب الأرض وأقصايها، حيث طاف حول العالم، وأروى غليل نفسه، ومتع ناظريه من جمال الطبيعة في تلك الأماكن التي مر بها في حياته الدراسية الطويلة، أو بقصد السياحة والاسترواح مما أثرى مخزون ذاكرته.

وفي الختام أتقدم بصادق الشكر والامتنان لكل من تكبد المشاق مشاركاً بشخصه في الصلاة على الميت أو في مراسم الدفن أو بالحضور لتقديم العزاء أو مهاتفاً أو مبرقاً وعلى رأس هذه القائمة الكريمة قيادتنا الحكيمة، حيث أبى خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين إلا أن يكونا في مقدمة المعزين في فقيد الوطن فضلاً عن أصحاب السمو الملكي الأمراء وأصحاب الفضيلة العلماء وأصحاب المعالي الوزراء وجمع من السفراء ووجهاء المجتمع.

الشكر موصول لمن شارك بقلبه معزياً سائلاً الله أن يمتع الجميع بموفور الصحة والعافية وأن يجزيهم عنا وكافة أفراد الأسرة خير الجزاء وألا يريهم مكروهاً في عزيز لديهم، داعياً إياه سبحانه وتعالى أن يسبغ على قبر فقيدنا -بل فقيد الأمة- شآبيب رحمته ومغفرته، وأن يجري على أيدي بنيه الأبرار ينابيع الخير والبركة ويبقيهم سنداً بعضهم لبعض وعوناً لأمهم الصابرة المحتسبة.

ولله خاتمة الأمور.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد