قليل من الرجال.. كسب ود الناس ومحبتهم.. أحب الجميع فأحبوه
قليل منا من يكسب ود الناس ومحبتهم بفضل ما يقدمه لهم من معروف ويقابلهم بالإحسان إليهم. فيحبهم ويحبونه ويثنون عليه وعلى نفسه الطيبة ويفقدونه عندما يغيب عنهم ويسألون عن حاله ويمدحون في جلساتهم، إلا أن شخص الدكتور صالح بن عبدالله المالك الأكاديمي المتميز والإداري الناجح والأديب الحصيف والإنسان الفذ والباحث الاجتماعي البارع، الذي غيَّبه الموت عنا الاثنين الماضي كان كذلك.
وقد اتضح ذلك جلياً خلال أيام العزاء حيث يستقبل منزله كل يوم ازدياد في عدد المعزين من كافة فئات المجتمع مسؤولين، طلاب علم، جيران ومعارف من كافة الجنسيات ومختلف الأعمار.
نسأل المولى عز وجل أن يجعل هذا التوافد الغزير شفاعة الأستاذ الأجيال رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته.
غيَّب الموت الحبيب معالي الدكتور صالح بن عبدالله المالك، والموت حق على جميع العباد.. لكن فقد الأحبة يُحدث في النفس مرارة، وفي القلب لوعة وحرقة تتفاوت حسب العلاقة التي نشأت بين الفاقد والفقيد. إن كل من كان على علاقة قريبة من صالح المالك قد أحسّ منذ سمع برحيله بتلك الحرقة والمرارة.
لقد كان صالح المالك قريباً من النفوس، صافي السريرة، دمث الخلق، نبيل المشاعر، دافق العاطفة، ولهذا نجد له قبولاً لدى كل من عرفه أو تعرّف عليه.
كان طوال فترة عمله في مجلس الشورى مثال المواطن الصالح الذي تهمه قضايا الوطن، كما كان حريصاً على إبراز الجوانب الحسنة للبلاد والإشادة بها والترويج لها. فكان مهتماً بالتجربة الشورية في المملكة بوصفها تجربة فريدة، ولقد ألّف فيها وحاضر عنها خارج المملكة، كما كان مهتماً بقضية الانتخابات البلدية بوصفها تطوراً تدريجياً لمشاركة المواطن في اتخاذ القرار.
أما الجانب الأدبي والثقافي لصالح المالك فقد كان غنياً.. لقد كان يساجل زملاءه بأبيات شعرية معبّرة تنم عن ثقافة أدبية عميقة. كما كان حارساً أميناً للغة العربية، متحمساً للصحة اللغوية في المجلس. كما كان يثير أحياناً بعض القضايا اللغوية أو الأدبية، أو يتحف الأعضاء ببعض الفوائد التي اطلع عليها في هذا الموضوع أو ذاك.. وهكذا كان شغوفاً بالمعرفة، محباً لإشاعتها بين الناس. رحم الله فقيدنا صالح بن عبدالله المالك، وأسكنه فراديس الجنان، وألهم أهله وذويه وجميع محبيه الصبر والسلوان.
كان أحد النماذج الرائدة في المجال الخدمي والإبداعي والثقافي؛ هؤلاء النفر الذين حملوا أمانة تنمية المجتمع وتضييق مسافة التقدم بينه وبين من سبقونا في مضمار التقدم والنهوض بالمجتمع وتطوره. حققوا قدراً كبيراً من النجاح الإنساني، ولذا ينبغي على الجيل اللاحق أن يتعرف خطاهم وسيرهم وما وصلوا إليها وما هو باقٍ ليكملوا المسيرة تحت مظلة ثقافتنا وثوابتنا الملهمة لنا بالمضي قدماً للتعامل بالند مع شؤون العالم في مجالات أدائية تتوافق مع مصالحنا وغاياتنا وقيمنا وأخلاقيات مذهبيتنا وثقافتنا.
أحد وأبرز المخلصين الأوفياء الذين شاركوا بفكرهم وخبرتهم بإحداث نقلة حضارية مشهودة في مؤسسات آلية الدولة العصرية الحديثة بما لها من قوى تنظيمية وإمكانات مادية وبشرية فاعلة ووحدة إرادة وغايات واضحة وعلاقات حسنة وطيبة على الصعيد الإقليمي والدولي على السواء لما لها من مكانة طيبة وحضور جيد مرموق ليس على الصعيد السياسي فحسب بل يتخطاه إلى الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
كان صاحب المعالي الدكتور صالح بن عبدالله المالك، أمين عام مجلس الشورى -رحمه الله- رمزاً للعطاء المتميز ونبراساً للانتماء الواثق بروحه الوثابة وفكره الطليعي الدافق المتجدد المستنير، وما له من معززات في حسن الإدارة والتنظيم وجودة التخطيط ودقة الرقابة وذلك منذ تولي معاليه قيادة العمل.
وهكذا كان عطاؤه غزيراً في كل المجالات في سبيل رفعة بلدنا الغالي عشقاً لترابها، وحباً لشعبها، والدفع بإمكانات تطويرها.
وسوف يسجل التاريخ الوطني لمعاليه مآثر حقبة يعيشها ونعيشها معه تمتلئ عزاً وفخراً، وستظل أعماله مطبوعة في ذاكرة الأجيال التي تعلمت ونالت ثمار التجربة والخبرة على يديه.
ويصف عدد من الذين عرفوا الدكتور صالح عن قرب خلال مشواره بأنه كان -رحمه الله- يتمتع بنفس رقيقة عطوفة يستقبل زائره بالبشر والمحبة والترحيب، وقد كتب وتحدَّث عنه الكثيرون وأثنوا عليه وعلى علمه وثقافته وخُلُقه وتواضعه وصدقه ومحبته ووفائه وعلاقته بمحبيه.
ونسأل الله العلي القدير أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
وزير الصحة