صدمني ما حدث، أعاقني عن أن أفكر، عن أن أكتب، في جو كان يحسن بنا أن نقول مبكراً كلمة عن هذا الذي نراه، وحيث ينبغي أن يعبر كل منا عن رأيه، وأن لا تغيب وجهة نظره عن حفلة أرادوها ممهورة بالدماء، مجللة بالسواد، دون أن يحصدوا من هذه المغامرات غير التنكيل والقتل في صفوف المواطنين، وتخريب ما أنفق من مال كثير في بناء لبنان.
***
هذا هو قدر لبنان، الذي لم يعد بلداً للتعايش، وواحة لاستقطاب وتوطين كل عناصر الحب بين المواطنين والمقيمين على أرضه، إنه لبنان، من غدر به بعض مواطنيه، وتنكر هذا البعض لتقاليده وتاريخه، وتجاهلوا حق غيرهم في العيش على أرضه بكرامة وشرف، حيث لهم من الحقوق وعليهم من الواجبات ما لغيرهم، بالتفاهم والحوار، والجلوس على طاولة واحدة، وليس بالاستقواء بالسلاح والدعم الخارجي غير المحدود.
***
لبنان يبكي اليوم إغراقه بدماء أبنائه، ونبكي معه بكل الدموع التي تحتبسها مآقي عيوننا، حيث الخوف من المستقبل الغامض الذي يحدق بهذا الوطن الجميل، بما قد لا يترك فرصة لعاقل أو حكيم ليتصرف، في ظل هذا العناد، والإصرار على فرض الرأي الواحد، بعيداً عن أسلوب ولغة التعامل الحضاري الذي اعتاد أن يتميز به نظام الحكم بكل مؤسساته في لبنان الأخضر الذي ينفرد عن غيره بالتسامح، والنأي عن كل ما يمس مصالح الناس، أو يقوض تاريخه الجميل.
***
مرة بعد أخرى، قلنا ونقول ونادينا وننادي بصوت مسموع وبكل تفكير يقود إلى المصالحة الأخوية بين إخواننا في لبنان، بمدنه وقراه، بسواحله وجباله، وحيثما كان هناك زهرة أو شجرة أو نبع من الماء، بكل دياناته ومذاهبه، أن عودوا إلى رشدكم، وابعدوا الفتنة من قاموس حياتكم وتصرفاتكم، وتذكروا أن أحداً لن ينتصر في هذه الحرب وفي أي حرب.
***
ويا حزب الله تحديداً، اصغوا سمعكم قبل فوات الأوان إلى رأي ووجهة نظر من يحب لبنان وأهل لبنان من أشقائكم الذين يريدون أن ينعم شعب لبنان بالرفاه والخير والسلام، دون أن يبخل مثل هذا الشقيق المحب بالدعم المالي والمساندة الأخوية والسهر معكم على ثبات وترسيخ ما يجنب لبنان واللبنانيين الكوارث ما صغر منها أو كبر، وتذكروا حالكم قبل اتفاق الطائف، ووضعكم مع ترصد العدو وأعوانه لإطفاء كل إنجاز تحقق بالتضامن بين جميع اللبنانيين، ولا تغتروا بسلاحكم وقوتكم العسكرية، التي هي في النهاية إلى زوال.
***
لقد بكينا على استشهاد الأبرياء الذين قتلوا في الطرقات، أو ماتوا وهم يدافعون عن أملاكهم وأعراضهم، فالمشاهد في ساحات الاقتتال كانت أقوى وأكثر من أن يمتلك أحد منا القدرة على التماسك فلا يحزن لما رآه، ولا يخاف مما خلفه القتال في الشوارع والأحياء، بينما كانت فرصة الحوار متاحة أمام الجميع للخروج من الأزمة بأفضل الحلول، فهل أقول كفى ما جرى، ضمن من قالها ولم يُسمع له أي صوت، أم أن العقل والحكمة والتصرف الحكيم سوف تحل عاجلاً غير آجل بأرض لبنان وبين اللبنانيين، بما سيزيل معها خوفنا ورعبنا وأسانا، وليعود لبنان كما عهدناه بلد الجمال والحب والإخاء والوئام للبنانيين وغير اللبنانيين.