Al Jazirah NewsPaper Monday  12/05/2008 G Issue 13010
الأثنين 07 جمادى الأول 1429   العدد  13010
بحضور معالي مدير جامعة جازان وبرعاية «الجزيرة»
د. الحازمي: أمراض الدم الوراثية (معضلة صحية واجتماعية يجب الوقاية منها)

الموسم الثقافي الأول لجامعة جازان الذي دشنه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر بن عبد العزيز أمير منطقة جازان الشهر الماضي، والذي ترعاه إعلامياً صحيفة الجزيرة مساء أمس الأول، و بحضور معالي مدير جامعة جازان الأستاذ الدكتور محمد بن علي آل هيازع، تجددت فعالياته بمحاضرة للأستاذ الدكتور محسن على فارس الحازمي عضو مجلس الشورى وأستاذ الكيماء الحيوية الطبية في جامعة الملك سعود عضو الكلية الملكية لعلم الأمراض بعنوان (أمراض الدم الوراثية معضلة صحية واجتماعية يجب الوقاية منها)، على مسرح كلية المعلمين بالجامعة، وسط حضور جماهيري كبير.

ولقد أدار الندوة الدكتور حسين بن حمد أحمد دغريري المشرف العام على الموسم الثقافي الأول للجامعة، وبعد سرده لسيرة المحاضر ألقيت المحاضرة والتي مختصرها:

تعرف الأمراض الوراثية بأنّها مجموعة من الأمراض ينتج عنها العديد من الأعراض والمضاعفات الصحية المزمنة التي تتولّد عن اعتلالات في الحقيبة الوراثية ؛ وتشمل اعتلالات الحقيبة الوراثية، اعتلالات صبغية (مثل متلازمة داون) واعتلالات عديدة المسببات (وراثية وبيئية - كداء السكري) وطفرة الخلية الجسدية (كبعض الأمراض السرطانية (واعتلالات المتقدرات (كالعمى الوراثي) واعتلالات المورثة الواحدة (كأمراض الدم الوراثية).

وقد أظهرت الدراسات في مختلف مناطق المملكة على مدى العقدين الماضيين، وجود أمراض الدم الوراثية - اعتلالات صبغة الدم المنجلي والثلاسيميا - في مختلف مناطق المملكة وبنسب عالية في المناطق الزراعية التقليدية، والتي كانت موبوءة بالملاريا لحقب طويلة، حيث أدى ذلك إلى حدوث تغيرات في الحقيبة الوراثية (الجينات)، وساعد على زيادة نسبة هذه التغيرات الزواج بين الأقارب الحاملين للمورثة التي حدث فيها التغيير الجيني - المورثة المعتلة - وبالتالي توارثها، حيث تنشأ أمراض الدم الوراثية من تزاوج حاملين للاعتلالات المرضية، التي لا تظهر أعراضها عليهما كونهما لا يتأثران بهذه الاعتلالات، لوجود مورثات سليمة مصاحبة (سائدة) تطغى فاعليتها الحيوية على فاعلية المورثات المعتلة (المتنحية المستتره) .. إلا أنه في حالة ورث فيها الجنين مورثتين - جينيتين - معتلتين من كلا الأبوين، فإنه يصبح مريضاً بعد ولادته لغياب المورثة السليمة (السائدة)، ويتطلب علاجه رعاية مستمرة طيلة حياته، نظراً لطبيعة هذه الأمراض المزمنة وتأثيراتها على أعضاء الجسم، ولعدم وجود علاج طبي ناجع، فضلاً عن انعكاساتها السلبية على حياة المصاب وأفراد أسرته، اجتماعياً واقتصادياً ونفسياً. ولذلك تنصب جهود مكافحة الأمراض الوراثية، على وسائل الوقاية، والحد من ولادة أطفال مصابين بهذه الأمراض عن طريق الكشف المخبري ضمن برنامج الزواج الصحي (الفحص قبل الزواج).

ومن الجدير بالذكر وجود مراحل عدة يتم خلالها إجراء الفحص المخبري والتدخل المبكر لمكافحة هذه الأمراض، منها الفحص أثناء الحمل، الفحص الشامل لأفراد المجتمع أو طلبة المدارس أو الجامعات، أو الفحص قبل زرع النطفة في رحم الأم عند إجراء التلقيح خارج الرحم. وجميع هذه المراحل لها محددات شرعية أو أخلاقية أو اجتماعية أو اقتصادية متفاوتة، وأقلها تلك التي تتعلق بمرحلة الفحص قبل الزواج.

وقد شرع للناس الأخذ بوسائل الوقاية للحفاظ على مقاصد الشريعة، حيث نجد أن الشريعة السمحة قد عنيت بجوانب عدة تتمثل في مقاصد الشريعة وهي ؛ المحافظة على الدين والعقل والنسل والمال والنفس.

وقد رعى الإسلام في تنشئة الأبناء، الجانب الصحي، حيث ورد عن الرسول الأمين - صلى الله عليه وسلم -:

(المؤمن القوى أحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير) رواه البخاري ومسلم.

وأخذاً في الاعتبار المقتضيات الشرعية والأخلاقيات الإسلامية، وكون الزواج ميثاقاً شرعياً وركيزة اجتماعية والتزاماً أسرياً له حقوق وعليه واجبات، وتمشياً مع التوجيهات النبوية الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في اختيار المرأة الصحيحة الجسد والعقل - حيث قال لرجل خطب امرأة: (أنظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً)، مما يدل على طلب معرفة العيوب الشخصية والوقوف عليها قبل الزواج، ومنع الغرر.

ونظراً لما حققه التقدم العلمي والطبي من إمكانية إظهار عوامل معتلة غير ظاهرة للعيان عن طريق الفحص المخبري، فإن الفحص قبل الزواج يصبح من دواعي الوفاء بلوازم الزواج ومقتضياته الصحية عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يورد ممرض على مصح) رواه البخاري ومسلم.

وهكذا يتضح مما سبق أن الإسلام قد هيأ الظروف المناسبة للذرية الصالحة، ولكن إذا شاء الله أن يكون الوليد معتلاً بمرضٍ وراثي أو مرض مكتسب، فنجد أن الإسلام قد أباح التطبيب بصوره المختلفة، بل وحث على التماسه على النحو المتوفر في كل زمان، وكأن النسل الجيد هو محصلة منظومة تتضافر في الأصول والفروع في الأسرة الصغيرة والمقومات والموارد في المجتمع المحيط في ضوء توجيهات الشريعة الإسلامية السمحة لحماية النسل والمحافظة عليها.

وقد تبنّت وزارة الصحة مخرجات الدراسات والبحوث ومقترحات مجموعة العمل الوطنية واللجنة الوطنية، وعملت على إجازة برنامج الفحص قبل الزواج، وفي ضوء هذا السياق، وصدر قرار مجلس الوزراء رقم 156 وتاريخ 14-9-1418هـ، المتعلق باعتماد الفحص قبل الزواج في الزواج المختلط (السعودي والأجنبي). ثم قرار مجلس الوزراء رقم 5 وتاريخ 4-1-1423هـ، المتعلق بالفحص قبل الزواج (الاختياري). وقرار مجلس الوزراء برقم 3 وتاريخ 7- 11-1424هـ، المتعلق بالفحص الإلزامي قبل الزواج بدءاً من 1-1-1425هـ.

وأخيراً قرار مجلس الوزراء بتاريخ 8-4- 1429هـ المتعلق بإضافة فحص التهاب الكبد الفيروسي والإيدز إلى البرنامج، وتعديل المسمى إلى (برنامج الزواج الصحي).

واستعرضت المحاضرة عوامل الوراثة في حالات من الصحة والمرض وحدوث وتوزيع أمراض الدم الوراثية في المملكة، ووسائل الوقاية منها والرعاية والتأهيل للمصابين بها، في ضوء ما ورد من إجراءات وقرارات في شأنها، وكون أمراض الدم الوراثية تمثل معضلات صحية واجتماعية واقتصادية ونفسية تؤثر على المصاب وأسرته، وتمتد انعكاساتها السلبية لتشمل المجتمع.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد