Al Jazirah NewsPaper Tuesday  06/05/2008 G Issue 13004
الثلاثاء 01 جمادى الأول 1429   العدد  13004

رجال من ذاكرة عسير
ماهر بن محمد العُبيد.. الخبير التربوي
محمد إبراهيم فايع - خميس مشيط

 

هذه المقالة..

هي محاولة استعادة الماضي بكل ما فيه من ذكريات وأيام وأفراح وأحزان محاولة يحبها كثيرون وآخرون يجدون الألم يبلغ بهم مبلغه؛ لأنها أيام وسنوات وعمر مضى وجميعها لن تعود وفيها مواقف وشخصيات منهم من فارق الدنيا وبعضهم ما زال ينعم بالحياة فتشكل حالة استعادتها حالة من الحزن وأكثر ما كان يجزيه العرب ويسرق ومعهم هو رحيل الأعوام.

إلا أنني في شوق عبر هذا المقال إليّ أن أستعيد شيئا من ذاكرة الأمس ومع استعراض موجز لأستاذي ماهر بن محمد بن محمود العُبيد أطال الله عمره ومتعه بالصحة والعافية ومع هذا الرجل التربوي كل من سيقرأ مقالتي سيحاول استرجاع ذكرياته معه زميل في الميدان التربوي فقد عمل مشرفاً تربوياً بالإدارة العامة للتربية والتعليم في عسير لمدة تزيد عن ستة عشر عاماً لمادة اللغة العربية والصفوف الأولية كان فيها خبيراً تربوياً لا يشق له غبار وعمل معلماً في مراحل التعليم العام في السعودية بمراحله الابتدائية والمتوسطة والثانوية لمدة تزيد عن عشرين عاماً كان آخرها معلما للغة العربية في ثانوية الخميس الأولى قبل مرحلة الإشراف ومن كان أحد طلابه مثلي فسيقف أمام صور من شريط الذكريات مع الأستاذ ماهر العبيد معلم اللغة العربية في ثانوية الخميس الأولى بخميس مشيط فلقد كان ماهراً في تدريسه بارعاً في تربيته، مدرسة في خلقه وتعامله وأساليبه وبكل صدق فهو مرب فاضل اشتمل على سمات المربين الفضلاء في سلوكه وحديثه وكل تصرفاته فكسب محبة الناس وحاز على ثقتهم وسكن قلوبهم ولم يفارق ذاكرتهم وذكرياتهم.

لقد كان من حسن حظي الذي قد يحسدني عليه كثيرون أنني حظيت بزمالته في الإشراف التربوي فتعلمت منه أدبيات الإشراف ومهارات الاتصال مع أهل الميدان ومع المعرفة بعد أن شرفت بالجلوس على مقاعد الدراسة تلميذاً بين يديه في الثانوية القسم الأدبي وما زلت أعدّ أبا محمد معلماً لي وأضع نفسي تلميذاً في حضرته وما رأيت أبا محمد أو معلماً علمني في يوم من الأيام إلا جاء على بالي بيتان أحفظهما جيداً هما:

أفضّل أستاذي على نفس والدي

وإن نالني من والدي الفخر والشرف

وذاك مربي الروح والروح جوهر

وهذا مربي الجسم والجسم من صدف

إن كل من تتلمذ على يد المشرف التربوي ماهر بن محمد العُبيد يعرف ما حظي به من ذاكرة قوية مدهشة حتى إنه عندما يقابل أحداً من طلابه حتى أولئك الذين تخرجوا من الثانوية من سنوات وأصبحوا موظفين في قطاعات مختلفة كان يذكّرهم بأسمائهم الرباعية ورقم تسلسلهم سواء في كشف الأسماء أو في كشف لجان الاختبارات وأتذكر أنه كلما قابلني ذكرني برقمي 25 في الصف ومن كان يجلس خلفي في الاختبار وأمامي.

أما سعة ثقافته فكان موسوعة وعندما يتحدث بصوته الجهوري تتمنى ألا يصمت أو لا يقاطع كلمات منظومة في عقد جميل من العبارات والجمل وبهدوء يرسلها فتقع بجرسها وموسيقاها وسلاستها ووضوحها وسجعها في قلبك قبل أن تقع على سمعك كما كان يقول ذات مرة على مسمعي قول أحمد شوقي:

قف دون رأيك في الحياة مجاهداً

إن الحياة عقيدة وجهاد

أتذكر عندما كنا نقوم بزيارات للمدارس النائية كانت تعلو محيا المعلمين ومديري المدارس فرحة وسعادة لوجود أبي محمد بينهم لأنه سيثري اللقاء وأشد ما كان يأسرني في كتاباته في سجل المشرفين التربويين تلك العبارات القصيرة ولكنها مليئة وغنية بالفائدة والتوجيه دون أن يكون هناك خلل أو اختصار في الرسالة وهذه مهارة لا يحسنها كثيرون ما لم يسهبوا وأحياناً الإسهاب قد لا يفيد. وقد قدم العديد من الدورات والندوات والنشرات وشارك على مستوى الوزارة في دراسات منهجية لهذا أصدق عندما أقول عنه الخبير لقد تركنا أبو محمد بعد أن عمل 36 سنة في المدارس معلماً وفي إدارة التعليم مشرفاً تربوياً ليكمل المسيرة والرسالة مشرفاً تربوياً مقيما لمدارس (رياض الخميس الأهلية) التي وجدت ضالتها في هذا الخبير التربوي الذي عمل على تنظيم أعمال المدرسة والمعلمين وأعطى المدرسة دفعة قوية من خبراته وتجاربه فزاد أعداد الطلاب الملتحقين بالمدرسة خاصة وأن كثيراً من أولياء أمور الطلاب يعرفون من هو الأستاذ ماهر العبيد الذي ارتبط اسمه بالثانوية الأولى بالخميس التي فتحت أبوابها في عام 1389هـ وكان من أوائل المعلمين المتعاقدين فيها ونصف أبناء خميس مشيط الذين درسوا فيها والذين هم اليوم في مناصب ومواقع وظيفية عليا هم من طلاب ماهر العبيد ومازالوا يحملون له الوفاء والذكرى والذكر الطيب لمعلم كان لطيفاً قريباً منهم يطلع معهم في رحلاتهم ويلعب معهم الكرة في حصص الرياضة وما جاء الحديث على مسيرة التعليم في الخميس إلا وجاء ذكر الأستاذ ماهر مع ثلة من المعلمين كانت لهم بصمات نقشت على القلوب وفي العقول.

كانت أجمل أوقاتي التي أقضيها مع الأستاذ ماهر العبيد بعد انتهاء كل منا من الزيارة للمدارس والعودة إلى مركز الإشراف التربوي بعيد الظهر فقد كنا نتحاور ونتناقش حول قضايا لغوية وتربوية وكان يشاركنا المشرف التربوي الأستاذ أحمد سليم محمود النقاش الحديث وهو الآخر خبير تربوي ويحمل ماجستير في علوم اللغة العربية وقد عمل معلماً ومشرفاً للغة العربية وشرفت بصحبته، ثم عمل مشرفاً لمدارس خميس مشيط الأهلية وقد عاد العام المنصرم إلى الأردن.

لقد رحل أبو محمد عنا في إدارة التربية والتعليم وفي مركز الإشراف التربوي بالخميس تحديداً ولكن كل شبر في قسم الصفوف الأولية بالمركز وكل زميل من مشرفي القسم ما زالوا يذكرونه ويذكرون أيام الزيارات والمناشط الإشرافية وكثيراً من المواقف والأحداث التي لا تنسى.

أسأل الله أن يطيل في عمر أستاذي وأن يجمع له بين الصحة والأجر وأن يحسن لنا وله الخاتمة.

هكذا يا أبا محمد عرفتك وكم عز على نفسي فراقك ولكنها الحياة محطات وأنا عندما أتذكرك أجدني مردداً:

تولى وأبقى بيننا طيب ذكره

كباقي ضياء الشمس حين تغيب.

fayall@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد