الحب والعطاء مترادفان وليس متقابلين، ولا يصدران إلا من نفس سوية، ولا يعبران إلا عن اتزان الدواخل، وصدق المشاعر، فالإنسان المحب لا شك معطاء ونظرته للحياة واقعية وفهمه للدين صحيح، فالإسلام يحث على العطاء ابتداءً من التبسم في وجه المسلم وحتى العطاء اللا محدود فهذه المشاعر تعكس مواقف إنسانية عميقة وتوازناً نفسياً، وثقة في النفس، ومن يعطي فنفسه زكية نظيفة خالية من الحقد والأنانية وقلبه رحيم، وصدره سليم، وفؤاده رقيق ليِّن، فالحب الصادق عنصر قوة ومؤشر حكمة، فمن يزرع الحب لا يحصد إلا الحب المتبادل، ومن يجزل العطاء لا يعدم جوازيه، ومن يقدم العطاء يجد الحب، ومن هنا تأتي ثنائية الرديفين بسمو نفس المحب وصفاء قلب من يعطي وارتقاء مكانة من يحب الخير للغير وهذا حري به أن يصفح ويسامح ولا ينتظر مقابل ما يعطي لأنه بذل تلقائياً وبإخلاص دونما أغراض ذاتية، ودونما انتظار لرد الجميل. الحب إحساس لا يمكن اصطناعه، ينبع من النفوس الطيبة والقلوب الرقيقة الطاهرة، ومن يهبه الله حباً صادقاً يمنحه أيضاً قلباً طاهراً وراحة نفسية وحباً من الناس وطمأنينة في حياته وقناعة في رزقه، لأنه في واقع الأمر يأخذ. كونه يجد المتعة والراحة في العطاء، فمبادرة من يعطي تعكس مقدار الحب الذي يحمله تجاه الآخرين، والمكانة التي يحتلونها في نفسه، وكذلك الأثر الذي يتركه العطاء لدى المتلقي، أو التغيير الإيجابي الذي يطرأ عليه يساوي منبع سعادة من يعطي، وقد يكون العطاء معنوياً وهو مهم جداً، كونه يستجيب لرغبات وجدانية وينمي روابط إنسانية ويعمق مشاعر وأحاسيس أخوية. من يحبون بصدق يعطون بلا حدود، ويبذلون بسخاء، ويفرحون بفرح من حولهم، ويجدون سعادتهم في سعادة الآخرين، فالجود لديم جود الأحاسيس والمال معاً والكلمة الطيبة وكل ما يمثل فرحة لدى الآخرين, فخير العطاء وأسماه عطاء المحب بلا مقابل، وليس أصدق من عطاء الوالدين، وعطاء المحب المخلص، والصديق الصدوق، والخل الوفي. حينما يحب الصادقون فإنهم يجودون بوقتهم وجهدهم وفكرهم ونصحهم ومالهم وثقتهم في الغير، ويعطون من رحابة صدورهم ويمنحون الأمل الوضاء فضلاً عن الأحاسيس الدافقة والمشاعر المعبرة والاهتمام والحرص والسؤال وتفقد أوضاع الآخرين ووضعهم في المكانة المرموقة، فالحب من المشاعر المقدسة والسامية الرفيعة، فهو القوة والأمل والمودة والرحمة. فهذه المشاعر التي تصبح سلوكاً للبعض رغم أنها تلقائية وربما غريزية لدى البعض، لكن ذلك لا يمنع أن تسود كثقافة، لأنها وبلا شك نابعة من فهم. وكل ما ينبع من الفهم فيمكن أن يسود كثقافة، فالذين منحهم الله القلوب الرحيمة وصفاء النية والحب الصادق والعطاء الجزيل، يدركون أن هذا مكمن السعادة النفسية، ولا يتقاطع مع السعادة الحقيقية كونه يرفد أعمال الخير والبر التي يدعو إليها الإسلام، فكيف ننشر هذه الثقافة حتى تتسع دائرتها في المجتمعات؟ وكيف ننمي هذه المفاهيم لدى الناس ليكون مردودها إيجابياً في الدنيا والآخرة؟ هذا خير من سيادة مفاهيم سلبية وغير مفيدة. تنمية هذه المشاعر ونشر المفاهيم والثقافة الداعمة للعطاء والحب، يمكن أن تنطلق من البيت، حينما يرسي الأبوان تلك القيم من خلال معاملاتهم، ومن المدرسة عندما يكون المعلم قدوة ومن المسجد من خلال تخير الخطب والدروس الداعية إلى ذلك، وكذلك الإعلام يمكن أن يؤثر من خلال اهتمامه بالجوانب التربوية وعبر الجلسات الخاصة وغيرها من الملتقيات يستطيع الناس مناقشة تلك القيم، ومن ثم نشرها لكي تسود كثقافة.