من المنجزات الحيوية في العصر الراهن هو أن تضطلع المؤسسات العلمية بالشأن الصحي على ما فيه من مباغتات ومفاجآت لا تخفى على الإنسان العادي الذي يخلو جراب خبراته من المعرفة المختصة... فما البال بمن هم على سدة المختبرات... ومعامل التطبيقات... ومجال الاكتشافات...
فكل يوم تنشأ قضية صحية مردها إما للوراثة... أو للتغذية... أو للبيئة ومستجداتها... أو للتفاعلات الصناعية ومؤثراتها...
حتى بات الإنسان يمشي على قطع من زجاج خوفه وتوجسه...
وحتى باتت مراكز البحوث معامل درس... واكتشاف ومتابعات...
واحتاجت بالتالي وتحتاج إلى همم كبيرة من المختصين لتوفير أوقاتهم للتصدي لها... ومن ثم لإعداد عناصر بشرية قادرة بالخبرة والمعرفة والتخصص لولوج عالمها...
ومن الداعمين بمقدراتهم المالية لتشغيل المراكز... وتدوير آلات وأجهزة المعامل... والمختبرات... ولإنشاء الإدارات المساعدة والصناعات مدار التجربة...
ولمثل هذه المهمات العلمية الكبرى تقف جامعات العالم على أقدام علمائها...
وقبل يومين احتفلت جامعة الخليج العربية بمملكة البحرين بخمسة وعشرين عاماً من عمر إنشائها... وهي الخلاصة لجهود دول الخليج أعضاء مجلس التعاون في إنشائها...
وللمملكة العربية السعودية قصب السبق في أولوية شأنها المبدئي منذ إنشائها... كما تحتفظ بذلك سجلاتها...
إذ تضافرت بكل وعي مع أهدافها... ومع مشروعها بالدعم البشري والمادي والعلمي... حتى استوت بكلياتها ومنجزاتها... كياناً معرفياً قوياً وناهضاً... وكان من ضمن الداعمين لها أفراد, ومؤسسات من هنا... ضخوا في دمائها ما جعلها تتميز في شأن التطور البحثي التجريبي... والتطبيقي في الجانب الطبي وسواه...
وهناك نموذجان لهذا الدعم...
قد وقفت شخصياً على منجزاتهما في الجامعة نفسها... بما يثلج الصدر ويقوي الأمل في مستقبل العلم والتعليم في مجالات حيوية على مستوى عالمي في دول الخليج...
منهما مركز الأميرة الجوهرة البراهيم حرم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله (للطب الجزيئي وعلوم المورثات) الذي استطاع بما توافر له من دعمها التأسيسي والمتواصل أن يتوصل لنتائج باهرة وأولوية لم يسبقه إليها أي مركز علمي آخر في العالم كما أشارت النتائج إلى ذلك... وكما بصمت به براءة الاكتشاف في مجال أمراض الوراثة والجينات والمناعة...
والنموذج الآخر هو الدعم لمشاريع الجامعة من قبل مؤسسة الأمير سلطان بن عبدالعزيز الخيرية، تلك التي صُبَّت في قوامة تأهيل الجامعة لأهدافها... وقد كرمتهما الجامعة في هذه المناسبة بما يليق بعطاءاتهما...
وبتكريم الجامعة الأميرة النابهة الجوهرة بنت إبراهيم لهذا الإنجاز العلمي فإنها تكرم المرأة السعودية تحديداً والعربية شمولاً...
ذلك لأن هذا المركز العلمي لا يتوقف في خدماته على منجزات الجامعة وحدها... ولا على إيجاد الحلول للمشكلات الصحية في مجاله على مستوى الخليج العربي... بل يتخطى إلى المنجز العالمي الإنساني...
وهو ما يضاف إلى سجل الغايات التي نحتاج إلى أن نوفر لها كل وسيلة نستطيعها ما قدر الفرد أو الجماعة أو المؤسسات أن يوفروها...
فالوقت وقت العلم والبحث ونهضة الهمم...
كما أنه الوقت للشد على أيدي الفاعلين بصمت تحية إكبار وتقدير واعتزاز...
ثمة من يمد عينيه إلى مدرسة تحفيظ القرآن وتدريس الشريعة والعلوم الأخرى وروضة الأطفال الملحقة بها وإلى المركز الثقافي الواسع بمشروعه في التوعية ونشر الثقافات المتعددة في البوسنة والهرسك على سبيل المثال ليجد أنها منجزات الأميرة ذاتها الجوهرة البراهيم...
تحية لهذا النموذج من نسائنا، ودعوة إلى الله أن يجعلها في ميزانها ما وسع عطاؤه وجزاؤه ميزان خيراته ورضوانه... وتهنئة لها وللمرأة في شخصها لهذا المنجز الكبير.