Al Jazirah NewsPaper Wednesday  16/04/2008 G Issue 12984
الاربعاء 10 ربيع الثاني 1429   العدد  12984
الانسداد الفكري.. والتنوير
حمد بن عبدالله العيسى

سوف أنطلق في مقالتي هذه من كلمة التنوير وهي التي تعني تحويل الظلام الدامس إلى بياض ناصع، وتعني أيضاً أن هناك قتامة ما يجب تسليط الضوء عليها ليفصح عنها، ومن معانيها إشعال الشموع لتتضح الرؤية في الليل البهيم الأسحم.

ولكن كيف لنا أن نعرف أن هذه المنطقة أو تلك تحتاج فعلاً إلى التنوير؟ وكيف لنا أن ندرك أن هناك انسداداً فكرياً يعبث بالمنجز الحضاري الحديث الذي قطعت الإنسانية فيه شوطا كبيراً تخلله الكثير من الجهد والعناء؟

ولست مضطراً الآن.. للإجابة على هذا التساؤل بقدر ما أنا مضطر للسياحة حول هذين المصطلحين.. الانسداد أو الانغلاق الفكري.. والتنوير.. لمحاولة استجلاء المحور الذي يدوران حوله والأطر المحيطة بكل منهما والتي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بما يجري بالقرب من هذا المحور.

الانغلاق الفكري مصطلح مكون من كلمتين دارجتين؛ الأولى تعني أنه لا يمكن العبور من خلال هذه المنطقة بسبب وجود حواجز يكاد يكون من المستحيل إزالتها، والثانية تشير إلى منطقة الفهم والاستيعاب والإدراك لدى الإنسان والتي لا يمكن متابعة المسير إلا بتفعيلها.

ودعونا الآن ندمج بين الكلمتين لنرى ما الذي يحدث.. الانغلاق الفكري.. تعني أن العبور من هذه المنطقة يكاد يكون مستحيلا بسبب عدم تفعيل الفهم والاستيعاب والإدراك لدى الإنسان، ولو افترضنا جدلا أن ليس ثمة منطقة أخرى يمكن العبور من خلالها فمعنى ذلك أن الحياة تتوقف وتنتهي وهذه مصيبة لا تعدلها مصيبة.

وبالتالي ليس بوسعنا إلا البحث عن حل لهذه المشكلة العويصة التي لا يمكن العيش بوجودها، وهذا الحل هو الذي يطلق عليه التنوير وهو المصطلح الذي بدأت فيه هذا الموضوع وأعود إليه الآن للحاجة الماسة إليه لأنه هو الوسيلة الوحيدة للخروج من هذا المأزق الخطير المميت المسمى الانغلاق الفكري.

إن المنطق يفرض علينا أن نعيد الأشياء إلى أصلها وأن نعيد الأمور إلى نصابها والهدف من ذلك هو محاولة فهم ما يجري من حولنا ولمحاولة تتبع المشكلة بداية من جذورها، لتكون الرؤية أكثر وضوحاً وأقل لبساً، وهي أولى الخطوات.. لعملية التنوير التي نريد أن نجريها لنفجر هذا الانسداد الذي سيودي بالمجتمع بأسره إذا ما استمر هذا الصلف الذي يقوده. والرجوع إلى الأصل سيؤدي حتماً إلى أن هناك ثوابت ومتحولات تقود الإنسان إلى الطريق الذي يظنه هو المعد والمهيأ للانطلاق من خلاله، وهذا الظن أو الاعتقاد لدى شخص ليس بالضرورة أن يكون موجودا لدى شخص آخر بوصفه وكنهه، ومن هنا يظهر الاختلاف بين البشر بسبب اختلاف الثابت والمتحول لدى كل فرد وهذا سيقود حتماً إلى الخلاف حول المناطق التي تحتاج إلى تنوير في عقول الناس المختلفة، وبالتالي لا بد لنا من حسم هذا الخلاف الناتج بعرضه على الفطرة السليمة التي لم تشبها شائبة تفسدها وهي: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (30) سورة الروم. وهذا يعني أن هناك خطاً اختطه الله لخلقه من البشر لا يفترض أن يحيد عنه أحد منهم، وهذا الخط يتكون من الثابت الذي لا يقبل الجدال أبداً ومن المتحول القابل للأخذ والرد والذي يختلف باختلاف الزمان والمكان والإنسان. ونخرج من هذا أن الانغلاق الفكري على حقيقته هو الذي ينشأ نتيجة لانحراف الفرد عن الفطرة السليمة ونتيجة خروجه عن ثوابت الدين القيم التي ارتضاها ربنا عز وجل لعباده ليصلوا في نهاية المطاف إلى بر الأمان وشاطئ النجاة.

إذن.. التنوير الذي نريده لنفجر به الانسداد الفكري هو أن نعيد الشخص الذي أصيب به إلى فطرته السليمة التي ستقوده إلى الانفتاح الفكري المأمول والذي سيجعل الحياة أكثر سعادة وأكثر ملائمة. وبالعودة إلى الفطرة السليمة يتبين لنا ما هو الثابت الذي يجب أن لا نحيد عنه، ولا يعني ذلك أن لا نتفاعل مع المحيط الفكري الاجتماعي القريب أو البعيد، بل على العكس من ذلك تماما، لأن من لوازم الثوابت التي نؤمن بها كمسلمين.. التفاعل، وإلا تحول الانفتاح إلى انغلاق، وفي هذه الحالة يتوجب علينا أن نجري عملية التنوير كما أرادها الله سبحانه وتعالى {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(257) سورة البقرة.



meena19@maktoob.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد