Al Jazirah NewsPaper Wednesday  16/04/2008 G Issue 12984
الاربعاء 10 ربيع الثاني 1429   العدد  12984

فهل يحظين بدخل شهري؟!
د. شبيب بن محمد الحقباني

 

امرأة منطرحة عند أحد أبواب الجامع وفي حضنها طفل رضيع لا تجد أمه ما يلهيه لكيلا يعلو صراخه من شدة البرد أو لفح لهيب الشمس إلا بقايا حليب بارد في رضاعة ملوثة، مشهد متكرر لهؤلاء النسوة اللاتي لا يجدن قوت يومهن فيخرجن من شدة الحاجة لطلب العون والمساعدة من أهل الخير ليعدن وفي أيديهن ما لا يكاد يكفي لشراء علبة حليب أو دواء أو شيء يسد رمقهن ورمق أطفالهن.

مشاهد فعلا تجعل العجب يأخذ بنا أيما مأخذ كيف خرجت مثل هذه النسوة على الرغم مما تقوم به وزارة الشؤون الاجتماعية من جهود جبارة تذكر فتشكر لسد حاجة المعوزين والفقراء، ولكن يبدو أن هذه الجهود المبذولة من الوزارة لا تغطي احتياجات كل الفقراء الذين أخذت دائرتهم في الاتساع مع موجة استعار الأسعار، وبلا شك فإن هذا أمر جد مزعج ومحزن أن نرى من بين هؤلاء السائلين أمهات يجبن الشوارع متسولات لقمة يضعنها في أفواه صغارهن قبل أن يضعنها في أفواههن بالضبط كما فعلت تلك المسكينة التي قصت خبرها أم المؤمنين عائشة حيث تقول رضي الله عنها: (جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقّت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها فقسمتها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: إن الله قد أوجب لها بها الجنة-أو أعتقها بها من النار- ) رواه مسلم.

فما أعظم هذه الأم! وما أعظم شأن هؤلاء الأمهات اللاتي لم يخرجن إلا من اشتداد الحاجة التي اضطرتهن إلى أن يفترشن أحذية المصلين علهن يظفرن بما يطفئ جوع صغارهن.

أمام أحد هذه المشاهد تذكرت موقف ذلك الشاب الذي يستلم مرتبه الشهري وبدلا من أن يودعه في حسابه البنكي فإنه يودعه في يد أمه لتأخذ منه ما تشاء وتعيد إليه ما تشاء، وهو بهذا يعترف اعترافاً فعلياً بأنها الأحق به منه، وهو محق في ذلك فهي أمه والكل منا يعرف قدر الأم في الإسلام فقد كرمها وأعلى من مكانتها ومنحها التقدير والاحترام والحب والإجلال وجعل الجنة تحت أقدامها كما جعل حقها أوكد من حق الأب، وأكد الوصية بها وجعلها تالية للوصية بتوحيد الله وعبادته، وجعل برها من أصول الفضائل، وهذا ما يقرره القرآن ويكرره في أكثر من سورة ليثبته في أذهان الأبناء.

وبلا شك فإن من الأهمية بمكان البحث عن حل يحفظ كرامة هؤلاء الأمهات من ذل السؤال الذي وإن استسيغ للآباء عند وطأة الحاجة فمن الحرج الكبير أن يلج إلى (وحله) من أمرن بالقرار في البيوت، ولعل من أنجع الحلول وأولاها بالنظر من أصحاب الشأن هو أن يصرف مرتب شهري لكل الأمهات فقيرات كنّ أم غير فقيرات، وهذا الحل في نظري يفوق في أهميته ذلك النداء المسموع من كثيرين والمتمثل في الدعوة إلى منح العاطلين الذين يبحثون عن العمل ما يسد جزءاً يسيراً من حاجتهم المعيشية، ويساهم في توفير الحماية الاجتماعية لهم طيلة فترة تعطلهم وتدفعهم للمساهمة الفعالة في مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وهذا النداء تمت مناقشته قبل أشهر قريبة في مجلس الشورى وهو وإن قوبل برفض أغلبية الأعضاء له فإنه يبقى هماً اجتماعياً دفعته إلى أن يشق طريقه إلى أروقة المجلس.

إذن هناك من ينادي بمنح من لا يقوم بأي عمل مرتبات! أفرأيتم من يقوم بأجلّ الأعمال وأكثرها فائدة للبلاد والمجتمع قاطبة ألا يستحق الكثير والكثير، أليست الأم تقوم داخل بيتها بأعمال البيت التي هي قوام حياة الأسرة من طبخ ونظافة وغسيل وهو بلا شك عمل شاق يستدعي جهداً مضنياً ووقتاً طويلاً لا يقل عن 10 ساعات يومياً، وهي بعملها في بيتها تهيئ الفرصة لزوجها للإبداع والإنتاج خارج بيته ولهذا قيل: وراء كل رجل عظيم امرأة.

وهي أيضاً تقوم برعاية شؤون الطفل فالشرع إن كان قد جعل المرأة ربة بيت فإنه قد جعلها أماً فألقى عليها مسؤولية الطفل من حمل، وولادة، وإرضاع، وحضانة. فكانت هذه المسؤولية أهم أعمالها وأعظم مسؤولياتها. ومن هنا يمكن أن يقال: إن العمل الأصلي للمرأة هو أنها أم وربة بيت، وعليه فإنه مهما أسند للمرأة من أعمال، ومهما ألقي عليها من تكاليف، فيجب أن يظل عملها الأصلي هو الأمومة، وتربية ورعاية الأولاد، والأمومة لا تنحصر في فترة حمل وإنجاب ورضاعة، أو اهتمام ببناء جسد مولود وتنميته بل تشمل كل هذه الأمور بالإضافة إلى العمل والمثابرة لبناء شخصية المولود ذكراً كان أو أنثى وتغذيته بالفضائل والصفات الحسنة وتربيته التربية الصحيحة المبنية على التمسك بالعقائد والفضائل الدينية التي أساس دعائمها الإسلام، كما تغذي فيه روح المواطنة الصالحة المرتكزة على الحب والتقدير والاحترام والاستعداد لفداء دينه ووطنه، فالأم وهي أم الأجيال ومدرسة الوعي لا تقوم بدور بل بأدوار فهي الحاضنة والمرضعة والمربية والمعلمة والطبيبة هي قبل كل ذلك الطالبة التي تتعلم من الحياة في كل لحظة منذ بداية ارتدائها ثوب الأمومة وحتى تفيض روحها، تتعلم وتنقل ما تعلمته لأولادها وصدق من قال:

الأم مدرسة إذا أعددتها

أعددت شعباً طيب الأعراق

والأم نبت إن تعاهده الحيا

بالري أورق أيما إيراق

الأم أستاذ الأساتذة الألى

شغلت مآثرهن مدى الآفاق

فمع الأم المثقفة والمحصنة بقيم المواطنة ينشأ جيل صالح من أبناء الوطن تزداد بهم جدران الوطن متانة، ويزداد بهم كل شبر من أرضه قدرة على مقاومة عوامل النخر والتسوس من الداخل، وتهزم المحاولات الرامية إلى إفساده وزعزعة استقراره وتتسع بهم آمال الأمة، ويحل الأمن والأمان على كل شبر ارتوى بأسمى الفضائل وأنبل المعاني التي قام على غرسه هذا النوع من الأمهات وتشربه الأولاد مع كل شربة في حليبهم فينعكس هذا الوعي من الأم على أطفالها وقد قيل:

لأخلاق الصبي بك انعكاس

كما انعكس الخيال على المرآة

فإذا كانت الأم بهذا العطاء الذي لا يخفى على الجميع ألا تستحق أن ينظر في تخصيص دخل شهري ثابت لها يوفر لها العيش الكريم، وذلك إن كانت غير مرتبطة بأي عمل خارج بيتها، وكانت هي من يباشر تربية أولادها، وكانت هي من يقوم بأعمال بيتها وليست الخادمة الأجنبية.

أظن بأن هذا الأمر لو رأى النور لكنا جنينا الكثير من ثمراته ومنها:

- حفظ كرامة الأم الفقيرة من ذل السؤال.

- توفير نوع من الشعور بالتقدير والاحترام للأم مما يضاعف قوة انتمائها للوطن وبالتالي ينعكس ذلك على أولادها.

- تخفيف الأذى على من يتعرضن لسطوة الزوج أو عقوق الأولاد.

- سعودة الأعمال المنزلية والتخلص من أعداد ضخمة من خدم المنازل في بيوت الأسر ذات الدخل المتوسط.

- عودة الحيوية والنشاط للمرأة السعودية بممارسة الأعمال المنزلية الموافقة لفطرتها وطبيعتها وجبلتها مما ينعكس إيجاباً على صحتها وعلى استقرار أسرتها.

- تخلص بعض النساء السعوديات من عادات سيئة نتجت عن تسليمها أمور بيتها بيد غيرها كالاتكالية والتجول في الأسواق وكثرة التحدث بالهاتف ومتابعة القنوات الفضائية.

- وجود فسحة للأولاد وبخاصة البنات لممارسة بعض الأعمال المنزلية الخفيفة مما يتيح لهم تعلم أشياء رائعة تمنحهم الثقة وتعودهم على تحمل المسؤولية والاعتماد على النفس والقدرة على مواجهة المستقبل بقدرات مميزة تهيئ لهم فرص النجاح والسعادة.

sh-alhagbani@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد