تعتبر بلدة البصر خباً من خبوب بريدة الغربية. والخب المكان المنخفض بين كثيبين مستطيلين من الرمل، وتكون أرضه صالحة للزراعة. وقد ذكرها الشيخ محمد بن بليهد صاحب كتاب (صحيح الأخبار عما في بلد العرب من أخبار)، وجزم بقدم التسمية، واختلف معه الشيخ محمد العبودي فذكر في معجم بلاد القصيم أن البصر من أقدم الخبوب، ولا يعلم متى كانت التسمية، ولا مما اشتق في لغتهم العامية، ولكن يوجد موضع قديم (يسمى البصر) في أسفل وادٍ بأعلى الشيحة من بلاد الحزن، حيث استشهد ياقوت الحموي في معجم البلدان بقول جرير:
إن الفؤاد مع الظعن التي بكرت
من ذي طلوح وحالت دونها البصر
ولكن البصر القديم غير بصر القصيم، كما هو ظاهر، وإنما المقصود بيان اشتقاق التسمية.
ويعود تاريخ نشأة البصر إلى أواخر القرن الثاني عشر للهجرة.
وذكر لوريمر صاحب كتاب (دليل الخليج) الذي جمع مادته بين عامي (1903م و1915م) أن عدد منازل البصر خمسون منزلاً.
وتحدث عن البصر ضاري الرشيد في نبذته التاريخية عن نجد، وقال: انقلب عبدالله بن رشيد، فلما أمرح (بات) في قرية تسمى البصر من نواحي بريدة، ولم تكن القرية متصلة البنيان بل كان كل إنسان منزله في بستان منحاز عن صاحبه.
وقبيل معركة البكيرية (المعركة الكبرى) نزل الملك عبدالعزيز ومعه الجيش السعودي بلدة البصر؛ وذلك لرصد تحركات الأعداء؛ استعداداً للمواجهة الحاسمة مع ابن رشيد المعزز بالقوات التركية (العثمانية) ومعداتها الثقيلة، فكانت المعركة في أول ربيع الثاني لعام 1322هـ الموافق 1904م، فكان النصر حليفاً للملك عبدالعزيز رحمه الله.
وكان يحيط ببلدة البصر سور يحميها من الأعداء، ومنه انطلق المثل العامي (صكة باب البصر)، حيث أغلق باب السور وضاع مفتاحه فتركه الناس مغلقاً وجعلوا يدخلون ويخرجون من أماكن من الجدار كانت تصدعت، وأصبح هذا المثل من أبرز الأمثال العامية في القصيم، وبعد استتباب الأمن في العهد السعودي لم تعد الحاجة قائمة للأسوار، وأصبحت البصر من قرية محاطة بسور تغلق أبوابها ليلاً إلى بلدة متطورة مزدهرة عمرانياً، ففي عام 1385هـ، تم ربطها بمدينة بريدة بطريق الخبوب المعبَّد، ثم افتتح فيها مدارس للتعليم ومركز صحي، وقد امتدت إليها يد الإصلاح عبر برامج الخطة الخماسية الأولى للتنمية التي انبثق منها نظام توزيع الأراضي البور والائتمان الزراعي الذي يقدمه البنك الزراعي، وامتد العمران فيها عبر تمويل صندوق التنمية العقاري، وتشكلت فيها أغلب الدوائر الحكومية، وتوافرت بها وسائل الحياة العصرية.
ومن أبرز أعلام هذه البلدة المباركة ما يأتي:
1- الشيخ سليمان بن علي المقبل قاضي بريدة (1220هـ - 1306هـ) سافر إلى الشام، ومكث يطلب العلم في الجامع الأموي عشر سنوات، ونسخ خلالها من مكتبات دمشق نفائس المخطوطات، وأجازه مفتي الحنابلة حسن الشطي، وأخذ عن الشيخ عبدالله أبابطين والشيخ عبدالرحمن بن حسن، وعُيّن قاضياً لمدة تزيد على 40 سنة لبريدة. ومن طلابه الشيخ محمد بن سليم والشيخ عبدالله بن فداء.
2- الشيخ محمد بن مقبل قاضي البكيرية (1281هـ - 1368هـ) عُيّن قاضياً لبريدة، وكان يقيم في مزرعته في خب المنسي الذي امتد إليه العمران وأصبح ضمن بلدة البصر، وكان ينيبه الشيخ عمر بن سليم للصلاة والخطابة في الجامع الكبير (جامع خادم الحرمين لشريفين ببريدة)، ومن طلابه إماما المسجد الحرام الشيخ عبدالله الخليفي والشيخ محمد بن سبيل.
3- الشيخ صالح بن إبراهيم بن رشيد المحيميد (1300هـ - 1370هـ)، أحد قضاة الملك عبدالعزيز، وقد أخذ العلم عن الشيخ سليمان بن مقبل وآل سليم ومحمد بن عبداللطيف، وقد سافر لطلب العلم في الهند، وأخذ إجازة من شمس الحق صاحب كتاب عون المعبود، وجاء فيها (لقد أجزنا الشيخ صالح بن إبراهيم البصري في مروياتي من الحديث)، وقد عينه الملك عبدالعزيز قاضياً في الفوارة ثم الحريق، ومن أبنائه عبدالله المحيميد الأمين العام لمجلس القضاء الأعلى، ومن أحفاده ناصر المحيميد رئيس محاكم عسير سابقاً وقاضي التمييز حالياً.
4- الشيخ إبراهيم بن محمد بن عثمان المحيميد (1345هـ - 1425هـ) عُيّن قاضياً لحوطه بني تميم، ثم لعيون الجواء، ومن أبرز طلابه الدكتور صالح المحيميد رئيس محاكم المدينة المنورة والدكتور محمد المحيميد أستاذ الفقه في جامعة القصيم صاحب الجهود الكبيرة في هذه البلدة.
5- الشيخ محمد بن عبدالرحمن المحيميد أمير البصر لمدة تزيد على نصف قرن، فكان شجاعاً مهيباً .
6- الشيخ عبدالرحمن بن محمد المحيميد (1333هـ - 1394هـ) طلب العلم على الشيخ ابن مقبل وعلى آل سليم، وهو من الطبقة الأولى لتلامذة الشيخ العبادي، ودرس في الحرم النبوي على إمام الحرم الشيخ العمري والشيخ صالح الزغيبي، وعُيّن رئيساً لمحكمة الخبر ثم عضواً في ديوان المظالم.
7- الشيخ محمد بن عبدالله المحيميد (1342هـ - 1400هـ) أمير البصر الذي اشتهر بمواقفه وحُسن إدارته وكرمه وشجاعته.
8- الشيح عودة بن عبدالله العودة (1325هـ - 1404هـ) ذو عزيمة وإصرار وكفاح، اشتغل بالتجارة في الحجاز، ثم انضم إلى صفوف الملك عبدالعزيز عام 1344هـ، ثم انتقل للعمل في شرطة المعابدة، ثم عُيّن رئيساً لشرطة دروازة الثميري بالرياض ثم رئيساً لإدارة الحقوق المدنية بالرياض. وفي السبعينيات الهجرية اتجه للعمل بالتجارة، وأصبح من رجال الأعمال البارزين، وله جهود في بناء المساجد ودور القرآن والعناية بالمقابر والمساهمة بالجمعيات الخيرية ودعم بعض التخصصات في المستشفيات والمساهمة في مكتبة الملك فهد الوطنية، وكان له عناية خاصة في دعم بلدة البصر والخبوب المجاورة.
ومن أعلام بلدة البصر الشيخ الزاهد عبدالله البرادي، وكذلك الداعية الإسلامي الدكتور سلمان بن فهد العودة ورجل الأعمال الشيخ فهد بن إبراهيم المحيميد صاحب الأيادي البيضاء والابن البار لمدينة بريدة.. هذا نزر يسير من أعلام البصر الذين لهم جهود كبيرة ومآثر عظيمة. أسأل الله العلي القدير أن يغفر للأموات منهم، وأن يبارك في عمر الأحياء. وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عبدالملك بن عبدالوهاب البريدي
مدير مركز علاقات الإنسان بالقصيم
alaqat323@hotmail.com