أخذ بعض ضعاف الأنفس بالنيل من هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم يعتقدون أنهم يحسنون الصنع بمثل هذه الاتهامات التي تطالعنا بين الفينة والأخرى، وآخرها ما يتعلق بمطاردة المدينة المنورة وما نتج عنها من إزهاق للأنفس، متجاهلين أو متناسين أن تلك الأخطاء والتي ازدادت حقيقة أو ازداد (إبرازها) في هذه الأيام، إنما هي أخطاء فردية من رجال الهيئة غير المعصومين أو أولئك العسكر الذين يساندونهم في مهامهم المختلفة للمحافظة على المجتمع من التخلخل.
ما يثير الحفيظة حقيقة ليس خلط الحقائق وتحميل (الهيئة) والتي تحمل على عاتقها تطبيق أوامر الرب عز وجل، ما لا تتحمله، فالهيئة من تصرفات بعض رجالها براء، بل إن رجال الهيئة (حالياً) لا يقومون فعلاً بكامل الدور المخصص لهم منذ بدء التاريخ الإسلامي بشكل متكامل.
ما أعلمه ويعلمه الكثير ونحسه كذلك بالفطرة أن عمل الحسبة يشمل جميع جوانب الحياة الاجتماعية وكذلك الاقتصادية، فهم يمثلون العين الساهرة على اتزان نظام المجتمع ككل، وتحقيق التوازن الإسلامي العادل بين فئاته.
نظام الحسبة يقوم على أسس وقواعد لم نرها للأسف حالياً من خلال كوادر هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي للأسف لا نسمع بها إلا من خلال المقطع الثاني، أما الجانب الأول وهو الأمر بالمعروف، فهو شبه مغيب أو مختزل بشكل كبير.
لم تألُ حكومتنا الرشيدة جهداً في توفير كافة متطلبات الهيئات، سواء كان دعماً مادياً أم معنوياً، بل ولم يقتصر أفراد مجتمعنا المحافظ سواء كانوا أمراء أم مواطنين بمساندة ودعم الهيئات، وإضفاء غاية الاحترام والتقدير لعملهم الجليل، لكن للأسف انتهى المطاف بالبعض مؤخراً إلى مرحلة من تهميش دور الهيئة، كان منتسبوها هم ذاتهم مسئولين عنه بنسبة كبيرة، عندما تناسوا أهم أعمالها بالمجتمع وتشبثوا بالبعض الآخر، والذي قد يكون تسطيحاً لدور الهيئة الجليل في المجتمعات الإسلامية.
نلاحظ أن أغلب الخلافات بين بعض فئات المجتمع ورجال الهيئة تدور أحداثها (بالشوارع)، إما خلف فتيات سافرات يضيّع أحد رجال الهيئة معظم ساعات نهاره لنصحهم بالأسواق العامة (دون جدوى) أو من خلال مطاردات ماراثونية يستبسل فيها قائد مركبة الهيئة وكذلك الشبان المتهورون لينتج الأمر عن كارثة فوق أحد الأرصفة...!
إن نظام الحسبة الإسلامي نظام جليل وعظيم، ينبغي حقيقة إعادته بطريقة أو بأخرى، وكذلك على رجال الهيئات (المغامرين) أن يوسعوا مداركهم قليلاً، بأن ينظروا للمجتمع من زوايا عديدة، وأنهم مثلما يقدمون النصح للنساء، كذلك يجب أن يكون للرجال وبخاصة أولئك المتنصبين في مراكز عليا، عندما يخطئون، وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة بالطبع.
حقيقة لم أسمع بأحد من رجال الهيئات قد أدلى بدلوه في فضيحة فبراير، والتي أتت على مدخرات المواطنين بالأسهم كما تفعل النار بالهشيم، والتي حسبما يعتقد البعض ومنهم الأستاذ خالد الشثري حسب آخر مقابلاته من أن جهات كبرى عديدة متورطة فيها..!
كذلك لم أسمع بأحد من رجال الهيئات يتجول بمركبته في ظلمة الليل بالشوارع الفارغة في أقاصي المدن يتفقد الأوضاع الأمنية..! لا أقلل من دور رجال الهيئة (المتزنين) مطلقاً، فهم كانوا ومازالوا وسيظلون بمشيئة الرحمن صمام الأمان بالمجتمع، والذي إن فقد أو انحل باعتقادي ستنفرط أحوال مجتمعنا إلى الأسوأ، خاصة مع وجود وتنامي فئة من الشباب للأسف، لا نجد لهم تصنيفاً مناسباً، فهم ليسوا في طبائعهم كالمجتمعات الإسلامية وليسوا كالغرب في انفلاتهم، هم للأسف أخذوا أسوأ ما لدى المسلمين وأفسد ما لدى الغرب، ليكونوا قواعد جديدة لا أخلاقية بالطبع، هدفها نخر ما تبقى من الصلاح في مجتمعنا السعودي المحافظ والذي أعتبره -بلا مبالغة- من أفضل إن لم يكن أفضل المجتمعات الشرقية على المستوى العربي.
بالنهاية.. أود إيصال كلمة لإخوتنا وأحبتنا الذين يحملون لواء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأن محبة المجتمع (للهيئة) هم من يسوغها، وكراهية البعض للأسف للهيئات هم كذلك من يصنعها.
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 905 ثم أرسلها إلى الكود 82244
almamlaka@hotmail.com