Al Jazirah NewsPaper Sunday  13/04/2008 G Issue 12981
الأحد 07 ربيع الثاني 1429   العدد  12981

رحم الله الشيخ سعيد الجندول
عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف - حريملاء

 

ما زال يلهج بالرحيل وذكره

حتى أناخ ببابه الجمالُ

بعض المفاجآت المؤلمة غير المتوقعة يكون نزولها على القلب موجعاً جداً وأكثر إيلاماً وأطول مُكثاً داخل النفس، قد تبقى آثارها ساكنة سنين عديدة، يتعذر محوها أو طمسها من جدار الذاكرة، ويختلف وقوعها حسب قُرب الأشخاص من القلب سواء قرابة رحم وأسرة أم قرابة محبة وصداقة، وعلى أي حال هي مُوجعة حتماً، ولاسيما الرحيل الأبدي لأقرب الناس وللأحبة. فقد هاتفني أحد أبناء الزميل الراحل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله السحمان قائلاً: عظم الله أجركم في الخال الشيخ سعيد الجندول الذي لاقى ربه في يوم الأربعاء 18-3-1429هـ بعد حياة حافلة بالعطاء والكفاح المستمر في خدمة الوطن وأهله في كثير من مواقع العمل الوظيفي والتطوعي - غفر الله له - ولقد ولد في مدينة ليلى بالأفلاج سنة 1341هـ وترعرع في أكنافها بين أهله ورفاق عمره. وقد بدأ تعلمه في الكُتّاب حينما بلغ سن السابعة من عمره لحفظ القرآن الكريم، فلما أتمه قراءة وحفظاً لعدد من أجزائه رحل إلى الرياض، وتتلمذ على المشايخ: فضيلة الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم، وعلى سماحة مفتي الديار السعودية - آنذاك - الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ بحلقات مسجده بدخنه، بعد ذلك شخص إلى مكة المكرمة وتلقى بعض الدروس على الشيخ عبدالله بن حسن، وعلى الشيخ محمد بن مانع في أروقة المسجد الحرام - رحم الله الجميع - وحينما لحظ الشيخ محمد بن مانع عليه مخايل الذكاء والنجابة وسرعة الحفظ أشار عليه مؤكداً الالتحاق بدار التوحيد بالطائف، فلم ير بداً من تلبية نصحه وحرصه عليه، فاتجه صوب الطائف ليلتحق بركب الدارسين هناك، ويعتبر الشيخ سعيد من خيرة طلبة دار التوحيد الذين تروَّوا من رضاب العلوم والآداب على يدي نخبة مُنتقاة من العلماء، ومن فطاحل علماء الأزهر الذين اختارتهم مديرية المعارف العامة كمعارين ومنتدبين من إدارة الأزهر بالقاهرة بتوجيه من جلالة الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - فأولئك النخبة يُعتبرون من الطراز الأول عِلماً وخُلقاً، وثقافة واسعة، فقد فَتَقُوا أذهان طلابهم من عمق علومهم وفيض ثقافاتهم العامة، وقد عَيَّنَ جلالته الشيخ محمد بهجت البيطار أول مدير لدار التوحيد، ثم خلفه فضيلة الشيخ محمد بن عبدالعزيز المانع مُعيناً شيخنا الفاضل عبدالمالك طرابلسي مديراً لها مع إشرافه عليها إشرافاً تاماً بجانب عمله الأساسي، وبمتابعة الملك عبدالعزيز حيث أولاها جُل اهتماماته لحاجة البلاد إلى قضاة، ومعلمين ومرشدين، وأئمة مساجد - رحمهم الله جميعاً - وتُعْتبر دار التوحيد أول مؤسسة علمية فريدة تُعنى بالعلوم الشرعية وباللغة العربية وفروعها.. ولقد خرَّجت الكثير من الأفواج الذين تسنموا المناصب القضائية العالية والتعليمية، ومنهم الخطباء والأئمة في الجوامع وفي المسجد الحرام أمثال: الشيخ عبدالرحمن الشعلان، والشيخ سعيد الذي نتحدث عنه في هذه العجالة. وفي عام 1371هـ أمر جلالة الملك عبدالعزيز وولي عهده الملك سعود - رحمهما الله - بافتتاح المعهد العلمي بالرياض وفي بعض المدن، ووكل الإشراف عليها إلى سماحة مفتي الديار السعودية وإلى أخيه فضيلة الشيخ عبداللطيف - رحمهم الله جميعاً - ومن هذا المنطلق اتسعت رقعة التعليم عامة في جوانب المملكة تدريجياً حتى وصلنا إلى الذروة في مصاف الدول المتقدمة، كل ذلك بفضل من الله، ثم باهتمامات ولاة أمر هذا الوطن بدءاً من المؤسس الملك عبدالعزيز حتى عصرنا الحاضر الزاهر الذي يرعاه بكل عناية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وجميع العاملين في حقل التربية والتعليم - وفقهم الله لكل ما يسعد المواطن والمقيم معاً، فالشيخ سعيد الجندول - رحمه الله - معروف بالاستقامة ودماثة الخلق والتواضع الجم منذ فجر حياته. ولقد سعدت بمعرفته عن قُرب قبل انتقاله إلى كلية الشريعة بمكة المكرمة في آخر المرحلة الدراسية بالدار، وأنا بالصف الأول عام 1371هـ، وكنا نلتقي به في بعض الأمسيات الحبيبة إلى قلوبنا في منزل زميلنا الراحل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله السحمان الواقع في حي الشرقية بمدينة الطائف، فهو خال لأبناء الشيخ عبدالعزيز، فنستفيد من بعض توجيهاته القيمة، حيث يحثنا على حفظ الوقت واستثماره في استذكار الدروس وحفظ المتون والنصوص الأدبية وجيد الشعر لإثراء الحصيلة العلمية واللغة العربية، قائلاً: من حفظ حجة على من لم يحفظ - تغمدهم الله بواسع رحمته - فنحن نغبطه حينما يعلو منصة النادي وهو يلقي الكلمات الجزلة الهادفة بكل طلاقة وشجاعة في ليالي الجمع برئاسة عبدالعزيز بن عبدالمنعم بالتناوب مع بعض الطلبة لوجود التنافس والرغبة في التفوق الخطابي، فمنبر نادي دار التوحيد مدرسة للخطباء والشعراء، فكم توالى على اعتلائه من أفواج أصبحوا أعلاماً في الخطابة والارتجال في المحافل الكبيرة، فالتدريب للشباب في كل جانب من جانب الحياة مطلب مُلح، ولقد أجاد الشاعر حيث يقول:

وتشقى حياة ما لها من مدرب

وتشقى بلاد ليس فيها مدارس

وكان بجانب دراسته يقوم بمهام الإمامة والخطابة بمسجد الهادي في وسط الطائف مُشنفاً ومُؤنساً أسماع المصلين بصوته الجميل، وبالتوجيهات السديدة والوعظية المؤثرة في نفوس المأمومين من فوق ذلك المنبر العالي الذي تعاقب عليه عدد من طلاب الدار بعده. وبعد تخرج الشيخ سعيد من كلية الشريعة بمكة عُين إماماً وخطيباً بالمسجد الحرام، عِلْماً بأنه بدأ الخدمة بعد تخرجه مباشرة مديراً للمعهد العلمي السعودي بمكة المكرمة، ثم مساعداً لمدير التعليم بمكة، بعد ذلك انتقل إلى جهاز وزارة المعارف مساعداً للمدير العام للتعليم.. بعد ذلك عُين نائباً لرئيس هيئة التأديب حتى عام 1403هـ ثم وكيلاً لرئيس ديوان المظالم. وبعد التقاعد أصبح مستشاراً شرعياً بوزارة الحج والأوقاف، ثم كلف بالإشراف على إنتاج مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، ثم أخلد للراحلة وملازمة الجلوس بالمسجد المجاور لمنزله بعد أن أبلى بلاء حسناً عبر رحلة العمر الطويلة في عدد من المناصب كما أسلفنا.. وله مؤلفات عدة رحمه الله رحمة واسعة.

ولإن خلا مكانه من شخصه فإن ذكراه الطيبة ستبقيه في مضمر النفس مدى العمر. تغمده الله بواسع رحمته، وألهم ذويه وأبناءه وإخوته وزوجاته ومحبيه الصبر والسلوان.

{إِنَّا لِلّه وَإِنَّا إِلَيْه رَاجِعونَ} .

فاكس 015260538


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد