إن أكثر ما يعانيه الآباء في تربيتهم لأبنائهم هو معاناتهم في طريقة التواصل معهم، خصوصا في مرحلة المراهقة التي يبدأ الابن المراهق فيها الشعور بالاستقلالية ومحاولة لفت الانتباه إلى شخصيته من خلال بعض المظاهر والسلوكيات التي ربما استنكرها مَن حوله من الكبار؛ لذا فإن التواصل في الحديث معه سيكون شكلاً من أشكال هذا التغير الذي سيحدث ردة فعل عند كثير من الآباء! وهنا مكمن المشكلة، وهي مدى تفسيرنا للغة المراهق والثقافة التي يخاطبنا بها، نعم كثير من الآباء يشتكي من اللغة التي يستخدمها أبناؤهم، سواء من حيث الطريقة غير المفهومة التي يستخدمونها في الحديث إلى بعضهم البعض أو من حيث لغة الرد السلبية التي ينطقون بها أو ربما افتقادهم الكلمات السليمة النافعة. وبعض هؤلاء المراهقين تجدهم دائماً صامتين لا يتحدثون مع آبائهم، ويكتفون بإصدار همهمات الموافقة أو الاعتراض على بعض التوجيهات. والأب - وهو يرى هذا الإعراض أو هذا الصمت أو قل (هزهزة) الرأس من ابنه - قد يشعر الأب معه ب(الإحباط والألم) من هذا التصرف الذي قد يعده تصرفاً (مشيناً) في حقه!! لذا ينبغي أن ننظر إلى الأمور بمنظور أوسع وأكثر شمولاً، وبدلاً من الإحباط والألم والشكاية لا بدّ من النظر والبحث، خصوصاً في الطريقة التي يتحدث بها الأبناء في هذه السن الحرجة. نعم أبناؤنا المراهقون يتحدثون ويعبرون عن مشاعرهم ولهم طرقهم التي يتواصلون بها مع عالمهم الخارجي ولهم ثقافتهم التي يتعاملون بها مع الآخرين، بما في ذلك الآباء، ولكن طرق تواصلنا التي ننتهجها معهم قد تشعرهم ب(العزلة والوحشة) تماماً كما نشعر نحن عندما يستجيبون لنا (بهمهماتهم).
الشاب المراهق كثير الصمت كثير السرحان بسبب المرحلة التي يمر بها؛ لذا فإن اللغة التي يتعامل بها كثير من المراهقين مع آبائهم هي لغة الجسد من خلال إحداث بعض التصرفات أو قل بعض التغييرات على مظهره الخارجي من المبالغة في تزيين هندامه أو (تقليعاته الغريبة) في لباسه أو (تسريحات شعره)، وكل هذه المظاهر لا تعتبر تغييراً مخيفاً أو مظهراً يدل على سوء تصرف، وإنما لا يعدو أن يكون من باب اللغة التي يعبر بها المراهق عن شعوره ومكنونات صدره من لفت الانتباه إليه، وأنه لم يعد صغيراً ليعامل معاملة الصغار أو يخاطب بنبرة الصغار، وأنه قادر على التمييز وفعل الشيء الغريب؛ لأنه رجل له قدراته وله إمكاناته؛ لذا علينا كآباء أن نقابل هذا كله بأريحية، وأن نقترب منه، ونحذر كل الحذر من محاولة نصحه بطريقة التشهير به أو بإحساسه بالخطأ أو لومه وتوبيخه، خصوصاً إذا كان عند إخوانه وأخواته أو عند زملائه؛ مما يشعره بتحطيم كبريائه وإهانة شخصيته.
الابن المراهق محتاج في هذه السن إلى الثقة والتشجيع، ومحتاج إلى الشكر والتقدير، ومحتاج إلى الرحمة واللين والتعامل الحسن؛ ليتجاوز هذه المرحلة بكل اقتدار ونجاح.أخيراً، على الآباء أن يدركوا أن لغة المراهق هي لغة جسدية وتعابير وتصرفات تنمُّ عن مقاصد للفت انتباهنا؛ فينبغي - أيها الأب - أن تقترب من ابنك كثيراً، وأن تعده صديقاً لك لا ابناً، تحاوره وتناقشه، تلاعبه وتمازحه، وتثق في قدراته وتكلفه بالمهام، وتثني عليه في أعماله، ولا تشعره بامتعاضك منه بل لا بد من محاولة فهم تصرفاته، وحملها على المحمل الحسن، مع الاحترام والتقدير لشخصيته، وإشعاره بأنه رجل يستحق أن يفاخر به أمام الرجال.
بهذه الطريقة نستطيع أن نقطع الطريق على الذين يحاولون أن يصيدوا في الماء العكر ويستغلوا كل خلاف بين الابن وأسرته من الرفقة السيئة أو الصحبة المنحرفة الضالة.
Saad.alfayyadh@hotmail.com