Al Jazirah NewsPaper Sunday  13/04/2008 G Issue 12981
الأحد 07 ربيع الثاني 1429   العدد  12981
رحم الله هاشم معتوق (2/2)
م.عبدالعزيز حنفي

لم أكن أتوقع أو يدور في خاطري ذلك الاهتمام الذي حظيت به كلمتي المتواضعة عن السيد هاشم معتوق (يرحمه الله) وكيل وزارة الداخلية السابق، الحقيقة الاهتمام كان كبيراً بشخصيته لأنه حتى اللذين لا يعرفونه اتصلوا مبدين تقديرهم وإعجابهم لذلك رأيت أن أكمل ما بدأته في سرد أمين لبعض ما عرفته عن شخصية في حجم ومكانة السيد هاشم هاشم معتوق (يرحمه الله) وما سمعته، ولأن المجالس بالأمانات فهذا ما يمكن التصريح به، كان يخاف الله والمثل العامي يقول (اللي يخاف الله لا تخاف منه)، تعلمت منه الكثير ولا غرابة في ذلك فقد حنكته الحياة وامتلك رصيدا كبيرا من التجارب والخبرات استفاد منها الكثيرون كان متواضعاً ورعاً ذا حس مرهف ويتمتع بدرجة كبيرة من الشعور بالمسؤولية في عمله وحرصه على الإتقان ويعتبر ذلك عبادة وكثيراً ما كان ينسى نفسه في العمل وينكر ذاته وهذا انعكس على أسلوب وطريقة تعامله مع الآخرين، لا يعرف المجاملة ولا يقبل الوساطة في العمل وكان يقضي ساعات طويلة في مكتبه بالوزارة ومن ثم يأخذ ملفات إلى منزله لدراستها لذلك لم يكن لديه الوقت الكافي للاستقبال والزيارة ولكن كان لديه الوقت لإنهاء معاملات المراجعين خاصة القادمين من خارج مدينة الرياض لشعوره بتكبدهم عناء السفر، وخلال فترة عمله وكيلاً للوزارة أنجز الكثير مما كان يطمع في تحقيقه، طبعاً لكل تطوير وتحديث مقاومة وردة فعل محب وكاره أما نتيجة نقل إدارات أو سحب صلاحيات ولكن كما كان يقول (رحمه الله) كانت لي رؤية واضحة مبنية على دراسات وتجارب دول سبقتنا في التطوير لذلك استمر في التحديث وكان يهدف إلى تقديم خدمة أفضل وأسرع للمواطن والمقيم وكان دائماً يردد هذه جهة خدمية ولا بد أن تكون كذلك.

السيد هاشم معتوق (يرحمه الله) كان أول من اقترح في مطارات المملكة تخصيص كاونتر (للسعوديين فقط) في صالات القدوم والمغادرة وكان يتأثر كثيراً إذا كتب أو أشار مواطن بأنه لم يكن في كاونتر السعوديين مندوب جوازات بحجة لم يكن في الرحلة التي قبلها سعوديين وكان يعطي تعليمات مشددة إلى تلك الجهات بالحرص لإيجاد فرد في كاونتر السعوديين بصفة دائمة، بعدها طلب الاستقالة من العمل لأنه كان يردد (شعرت بالتعب الشديد والإرهاق) فالمسؤولية كبيرة، وتفرغ للقراءة وأسرته ومحبيه والاهتمام بصحته لأنه خلال فترة عمله لم يكن يجد الوقت حتى لمراجعة الطبيب.

كان (يرحمه الله) يقرأ بنهم شديد وبالذات في الأدب العربي ويحب شعر أمير الشعراء أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وعبدالله البردوني وغازي القصيبي، كما يحب قراءة تاريخ الفتوحات الإسلامية وتاريخ الدول الإسلامية الأموية والعباسية والممالك والدويلات، وله اهتمام بعمر الكون بدءاً من سيدنا إبراهيم عليه السلام إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ويستغرب مقولة الجيولوجيين بأن عمر الكون أرقام فلكية تصل إلى عدة آلاف مليون سنة.

وبدأ استقبال زملائه السابقين أو الذين على رأس العمل وأصدقائه في (البروعية) والتي كانت تسمى (جلسة السيد) كما سبق وذكرت في كلمتي الأولى خلال الفترة الصباحية وكانت بسيطة تناقش مواضيع الساعة وكان السيد هاشم (يرحمه الله) يدير الجلسة ويحضر معه قصاصات لما نشر في الصحف والمجلات لمناقشتها بجدية أو الاستيضاح عن بعضها ويتخلل ذلك بعض المواقف أو النوادر من السيد أو الحضور مثل ذكره عن الملك خالد بن عبدالعزيز (يرحمه الله) بصراحته المعهودة قوله عندنا في مجلس الوزراء (محمد الملحم وغازي المشحم) وأيضاً ما كان يردده أنه خلال شهر ربيع الأول في مثل هذه الأيام من كل أربع سنوات تبرز أزمة المصالح في المملكة بسبب إقبال الكثيرين في مختلف المناطق على اقتناء المشالح السوداء الجديدة تحضيراً لترشيحات مجلس الشورى وتبدأ قوائم الترشيحات طبقاً للإشاعات الدائرة.

لم يكن يعكر صفو جلسات السيد ويلبد غيومها سوى الأخبار التي تنشرها بعض الصحف على صفحاتها الأولى وتحمل مضامين مرعبة كالاعتداء الجنسي على المحارم وحالات الاغتصاب والسطو المسلح على المنازل وقتل الآمنين فيها فيتأثر لذلك تأثيراً شديداً وكثيراً ما ألقى اللوم على القائمين على الصحف لتسابقهم على نشر هذه الأخبار السيئة كسبق صحفي يساهم في زيادة مبيعات الصحف وذلك قبل التأكد من صحتها أو اكتمال التحقيق من قبل الجهات الرسمية وصدور الحكم الشرعي من القضاء وذلك ينال الجاني جزاءه، وكان يقول إن القائمين على الصحف ليس لديهم أولاد وبنات يتأثروا كثيراً من قراءة هذه الأخبار وربما يتولد لديهم الخوف والوساوس من أسرهم بأن يكونوا عرضة لذلك ويتطلع لليوم الذي تخلو فيه المملكة من هذه الجرائم، ومما عرف عن السيد بغضه للإسراف والتبذير بشتى أنواعه وكان يعجب دائماً للمفارقة بين من لا يجدون كفايتهم من الطعام والشراب وبين من يرمون الفائض من الولائم في الحاويات دون اكتراث لنعمة الله، ولم يكن يحمل هاتف جوال ويعيب على البعض ممن يتحدثون عبر الجوال فترات طويلة بأنه لا طائل من وراء هذه الأحاديث التي لا معنى لها باعتبار الجوال وسيلة للتواصل المهم والمعلومات المختصرة، وكان يبتعد كثيراً عن حضور المناسبات الاجتماعية ذات الكثافة العددية الكبيرة ومرة دُعي لحفل زواج لدى أحد الزملاء الحضارم ومن عادتهم الحضور بأعداد كبيرة وعندما دخلنا بوابة القاعة لاحظ عددا كبيرا من الأحذية فقال بعاميته (إحنا داخلين باب السلام!!) وجلس في طرف المجلس لفترة قصيرة ثم غادر المكان بسبب عدم تمكنه من الحديث مع أحد لارتفاع الأصوات والضوضاء.

رواد (جلسة السيد) كثيرون منهم مجموعة دائمة كان يفتقدهم ويتابعهم عبر أمينها الأستاذ صالح عوض شيخ، عميد الجلسة العم أحمد باشماخ الذي تجد في كلامه عبق التاريخ وكان مرجعاً في الأحداث والأشخاص منذ عهد الملك عبدالعزيز (طيب الله ثراه) إلى يومنا هذا، والشيخ عبدالله السليمان (يرحمه الله)، والشيخ عمر السبيع بادحدح (المرجع في الأعمال الخيرية)، الدكتور هاشم عبدالغفار (المستشار الطبي) اللواء يوسف فاضل، الدكتور عبدالرحمن طه بخش، العام أحمد سالم بالعمش، العميد عبدالحي الملا، الأستاذ عبدالله باكرمان (أصغر المجموعة سناً كما كان يقول)، دوري تمثل في نقل رسائل السيد الشخصية ومعظمها شفهياً ومن حرصي كنت أكتبها لأنه كان دقيقاً في مثل هذه الأمور ويكون الرد له مختصراً بدون إسهاب أبيض أو أسود.

ولأن الكمال لله وحده، فقد كان السيد سريع الغضب خاصة عندما تنتهك حرمات الله أو تصدر تصرفات غير مسؤولة أو كلام غير مقبول من أشخاص يقدّرهم وكان يردد (حسبنا الله ونعم الوكيل) (ليس لها من دون الله كاشفة) ومع ذلك الغضب له قلب أبيض يحب الخير للجميع ويعطف على الصغار ويتألم ويحزن لألم إخوانه (يرحمه الله).

أشيد باللفتة الكريمة من صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز (حفظه الله) وزير الداخلية تجاه السيد هاشم معتوق (يرحمه الله) وأتمنى كغيري ممن عرفه أن تكرمه الدولة، وبحكم الفترة التي قضاها في عمله مع صاحب السمو الملكي وزير الداخلية فإن سموه على اطلاع بما قدمه الفقيد من خدمات لهذه البلاد المباركة وأتمنى أن يناله التكريم أسوة بالكثير من سواعد الوطن الذين تم تكريمهم أحياء وأمواتاً نظير خدماتهم لوطننا الغالي المملكة العربية السعودية.

وبالله التوفيق.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد