الوفاء في زمن التملق والنفاق أغلى من المال في هذا الزمان بعد أن عز فيه الشاكر الذاكر لذي الفضل دون رجاء لنفع أو خوف من ضرر، وطغت فيه الأنانية والمصالح الضيقة، ليجعل من الأوفياء صفوة قليلة ونادرة الوجود بين الناس وأنبلهم في كل وقت وحين. |
ولعل ما دعاني لذكر هذا الموضوع واستحضاره، شهادة حق من سيدة (قريبة لي) لا تبتغي منها أجراً ولا شكراً، وكانت الشهادة أمام الله سبحانه وتعالى يلفها الدعاء إلى الواحد المنان أن يحفظ صحة من منّ عليها بفضله دون علمه، وأجارها من لوعة الحزن على فلذة كبدها، بعد أن فقدت أطرافه القدرة على الحركة، سائلة الله أن يعافي صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن فهد آل سعود من كل مكروه، بعد أن تناهى إلى مسامعها أنه يمر بعارض صحي، ومقلتها تجود بالدموع الحراقة، التي رأيت فيها لوعة الوالدة على ولدها. |
فسألت نفسي أمام هذا الموقف الإنساني قبل أن أسألها كم من سيدة أو مريض أو عاجز فك هذا الأمير كربته أو أمر له بمال أو أمر بعلاج، لعلهم بالآلاف فهنيئاً له بآلاف الألسن والقلوب التي تلهج بدعاء الله له بظهر الغيب، مستذكراً قول الشارع: |
أشدّد يديك بمن بلوت وفاءه |
إن الوفاء من الرجال عزيز |
لكي أسألها (مضى على علاج ابنك عدة سنوات وهو الآن يمشي ويتكلم ويدرس ولازلت تذكرين هذا الموقف الذي أجزم أن سموه لا يذكره، فمثلك الآلاف. |
لتأتني الإجابة التي زللت فؤادي وحيرت فكري، (أن الأمير قد طوقني بقلادة لا ينزعها من عنقي غير لقاء وجه ربي، فقد عالج أبني ببرقية، لم تكلفني ذل السؤال والوقوف أمام الأبواب)، فقلت والله أنك لصاحبة وفاء وحافظة للخير، ولست ممن يصدق فيه قول الشاعر زهير بن أبي سلمى: |
من يصنع المعروف في غير أهله |
يكن حمده ذماً عليه ويندمي |
يا الله كم هو جميل الوفاء وكم هو نادر في هذا الزمان الذي قلت فيه المروءة، وكم أنا مدين لهذه السيدة الفاضلة باستذكار قيمة وشيمة كنت أظنها قد اندثرت وبادت وأصبحت أثراً بعد عين، لما أراه من كثرة الجحود والنكران لأصحاب الفضل، وأعادت لي قناعتي بأن ما كنت أراه لم يكن إلا الزبد وأن الدر في لجة البحر، ومن لا يغوص في مكامن الدر تخفى على ناظريه، وأنا الذي كنت أتمثل قول أبي فراس الحمداني كلما مر بي طيف صديق أو أخ فقدته. |
بمن يتقي الإنسان فيما ينوبه |
ومن أين للحر الكريم صحاب |
وقد صار هذا الناس إلا أقلهم |
ذئاب على أجاسدهن ثياب |
|