Al Jazirah NewsPaper Wednesday  09/04/2008 G Issue 12977
الاربعاء 03 ربيع الثاني 1429   العدد  12977
موقف المسلمين من الفلسفة
د. حسن كامل إبراهيم

قبل أن يقوم نصارى السريان بنقل تراث الأوائل إلى المسلمين كان لدى المسلمين تراث يشتمل على ما هو مادي وما هو روحي، ولأجل ذلك يمكننا أن نقسم التراث الإسلامي إلى قسمين: التراث الأصيل وهو ما ورثه المسلمون من خبرات ومعلومات على المستوى الروحي: كالشعر والنثر أو في مجال العلوم العملية: كالطب والصيدلة...إلخ. أما التراث الدخيل أو ما أطلق عليه المسلمون علوم الأوائل فهو ما تلقاه المسلمون من معارف ومعلومات من طريق النقل والترجمة من بلاد اليونان والفرس والهند،،،إلخ. وفي هذا الموضع سنتكلم عن التراث الدخيل على المسلمين وخصوصاً ما وصل إليهم من تراث اليونان من الفلسفة والمنطق.

بادئ ذي بدء من الضروري أن نؤكد أن المسلمين كانوا خلوا من الفلسفة والمنطق قبل الإسلام وحتى بعد الإسلام أقصد قبل مرحلة النقل والترجمة، ولذلك لم تظهر بين المسلمين مشكلات فلسفية كالتي ظهرت بينهم بعد مرحلة النقل والترجمة، ومع انتقال مؤلفات الفلسفة والمنطق إلى ديار الإسلام أخذت الفلسفة والمنطق في الظهور بين المسلمين وما صاحبهما من مشكلات فلسفية وفكرية وثقافية. ولقد نقل إلى المسلمين في البداية المؤلفات الخاصة بالعلوم العملية أعني التي تفيدهم في حياتهم اليومية كالحساب الذي استفادوا منه في تحديد اتجاه القبلة، والطب الذي انتفعوا به في مداواة الأبدان، والصيدلة التي اعتمدوا عليها في تحضير الأدوية والعقاقير..إلخ. ونقل بعد ذلك المؤلفات الخاصة بالفلسفة والمنطق.

ولقد انقسم المسلمون بصدد مؤلفات الفلسفة والمنطق إلى قسمين: من انبهر وقلد فلاسفة اليونان في هذا المجال، ومعارض ورافض لذلك التراث بسبب ما يشتمل عليه من مفاسد وضلالات.

وقبل أن نفصل موقف المسلمين من الفلسفة والمنطق اليونانيين، من الضروري أن نؤكد أن المسلمين لم يقوموا بدور النقل والترجمة من اللغة اليونانية إلى اللغة العربية، بل قام بهذا الدور نصارى السريان الذين كانوا يعيشون في ظل سماحة الدولة الإسلامية، ويعضد ذلك أنه لم يثبت أن أحدا ما من المسلمين كان على دراية باللغة اليونانية، باستثناء الكندي فيلسوف العرب الأول الذي اختلف الباحثون حول كونه كان على دراية باللغة اليونانية أم لا؟. وعموما فإن مسألة نقل وترجمة كتب الفلسفة والمنطق من اللغة اليونانية إلى اللغة العربية تحتاج إلى موضع آخر لنتناولها بالتفصيل والتوضيح. ويجب كذلك أن نبين الدافع الحقيقي وراء نقل كتب الفلسفة والمنطق إلى المسلمين، فهل كان المسلمون في أمس الحاجة إلى الفلسفة والمنطق؟!. بالقطع لم يكن المسلمون في حاجة لهما لأن بين أيديهم ما يغنيهم عن الفلسفة والمنطق كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهما يغنيا أي مسلم عما عداهما.

لقد تم نقل المؤلفات الخاصة بالفلسفة والمنطق إلى المسلمين بسبب انبهار نفر من المسلمين بالفلسفة والمنطق مما دفع بعض الخلفاء وأهل اليسار من المسلمين إلى تبني عملية نقل كتب الفلسفة والمنطق، وكان في مقدمة هؤلاء الخلفاء الخليفة العباسي المأمون الذي طلب من ملك الروم نقل كتب الفلسفة والمنطق إلى ديار الإسلام الذي نصحه وزراؤه وكهنته وكبار قساوسته بإرسالها إلى ديار الإسلام لأنها -على نحو ما نصحه كبير قساوسته- ما دخلت على أمة ذات عقيدة إلا وزلزلت عقيدتها. ومن هذا المنطلق سارع ملك الروم بنقل كتب الفلسفة والمنطق إلى ديار الإسلام، تلك الكتب التي تلقاها نصارى السريان وقاموا بنقلها إلى اللغة العربية. وكان ما كان من تأثيراتها الفاسدة على المسلمين، وفي مقدمة تلك المفاسد مشكلة كون القرآن الكريم: قديم أم حادث؟ وما صاحب تلك المشكلة من محنة الإمام أحمد ابن حنبل؟.

نعم، لقد جلبت مؤلفات الفلسفة والمنطق كثيرا من المشكلات الفكرية التي أحدثت آثارا سيئة في البيئة الإسلامية، مما حدا بنفر من المسلمين المخلصين لدينهم أن يهرعوا للدفاع عن الإسلام والمسلمين، وتوضيح المفاسد والضلالات التي توجد في الفلسفة والمنطق، وتعريف المسلمين بأن أضرار الفلسفة والمنطق أكثر من منافعهما إن كان فيهما منافع. ويأتي شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمة الذين نبهوا العقول على ما تنطوي عليه الفلسفة والمنطق من مفاسد وضلالات. ويبدو ذلك بوضوح في مختلف مؤلفاته التي وضعها للرد على المتفلسفة والمناطقة: كالرد على المنطقيين، ونقض المنطق، والفتاوى، ودرء تعارض العقل مع النقل. ولقد بذل هذا النفر من المسلمين -الذين أخذوا علي عاتقهم مهمة توضيح مفاسد الفلسفة وضلالاتها- كل ما يملكون من غال ونفيس لتوضيح ذلك للمسلمين في تلك الآونة وفيما بعدهم أيضا حتى لا يضل المسلمون من بعدهم. وعلى كل حال فإن مسألة موقف المسلمين من الفلسفة والمنطق تحتاج إلى العديد والعديد من المقالات لتوضيح هذا الأمر.

يتضح لنا مما سبق أن الفلسفة لا يقبل على تحصيلها إلا من كان على عقيدة إيمانية راسخة تماما. ولا يقبل على دراستها سوى طلاب العلم فحسب داخل قاعات الدرس ولا تنشر على الجمهور حرصا منا على الجمهور وليس استخفافا به. ويجب أن تقدم الفلسفة لطلاب العلم من قبيل أنها شر مخافة الوقوع فيه، وعلى طلاب العلم أن يتعاطوا مع الفلسفة اتقاء لشرها. على نحو ما كان يفعل ثلة من الصحابة حيث كانوا يسألون الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن الشر مخافة الوقوع فيه، مقابل فئة أخرى من الصحابة كانوا يسألونه صلى الله عليه وسلم عن الخير لنيل الثواب في الدنيا والآخرة.

ومن هذا المنطلق تدريس مقررات الفلسفة والمنطق من منظور إسلامي أو في ضوء الإسلام في داخل الجامعات بالمملكة العربية السعودية عامة وخاصة جامعة الملك سعود -كلية التربية- قسم الثقافة الإسلامية حتى لا يفتن بها أحد من المسلمين. وتلك مسؤولية أخلاقية كبيرة تتحملها المملكة العربية السعودية. وهذا أمر يحمد للقائمين على العملية التعليمية في داخل المملكة العربية السعودية في ظل حكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين. وإلي اللقاء إن شاء مع المزيد من المقالات في هذا المجال الذي يندرج تحت ما نسميه بالأمن الفكري. الأمن الفكري الذي نخاف عليه جميعا حكاماً ومحكومين، ونحن على استعداد تام لأن نضحي بالغالي والثمين لتحقيقه. ومن هذا المنطلق نناشد القائمين على وحدات الأمن الفكري اليقظة والحيطة من مثل هذه الدعاوى الضالة والمضللة.

جامعة الملك سعود - كلية التربية - قسم الثقافة الإسلامية
//factulty.ksu.edu.sa/philosophy/ http:



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد