الجنادرية - محمد السنيد
برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - للمهرجان الوطني للتراث والثقافة (23) تكرم الجنادرية مساء اليوم رجل الدولة والمفكر والإنسان عاشق الوطن والأدب الفقيد الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري، الذي يعتبر رجلاً من رجالات الدولة الكبار وعلماً من أعلامها الأفذاذ في مجال الفكر والأدب والثقافة. والفقيد الذي غيَّبه الموت في الرابع والعشرين من شهر جمادى الأولى 1428 هـ العاشر من شهر يونيو 2007م بعد حياة حافلة من العطاء والعمل الوطني والإبداع والفكر والأدب، فقد خدم الراحل وطنه بكل تفانٍ وإخلاص قرابة الـ 80 عاماً بدأ بخدمته للملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - وحكام هذه البلاد سعود وفيصل وخالد وفهد وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - وسمو ولي عهده الأمين.
فضلاً عن أن الشيخ التويجري - رحمه الله - يعد من أكابر المثقفين في عالمنا العربي ورمزاً من رموز الثقافة السعودية حيث خلَّف العديد من المؤلفات ورفد المكتبة السعودية والعربية بأكثر من (15) كتاباً في السيرة والتاريخ والأدب.
ومنذ أن انضم الشيخ التويجري إلى الحرس الوطني عام 1381 هـ أسهم في نهضة وتطوير هذا الجهاز العسكري والحضاري الكبير ولكن النقلة الكبيرة والحدث الأهم في حياة التويجري وعلاقته بالحرس الوطني هو رئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - أيده الله - (الأمير عبدالله بن عبدالعزيز آنذاك) للحرس الوطني عام 1982م حيث شهد الحرس الوطني انطلاقته الحقيقية وعاش تطويراً شاملاً في البرامج والسياسات والتسليح فضلاً عن الجوانب الحضارية.. وعاصر الشيخ التويجري - رحمه الله - هذه الانطلاقة منذ بدايتها وأسهم في النهضة الحضارية التي وصل إليها الحرس الوطني في كافة المجالات. كما عاصر الراحل بدايات انطلاق المهرجان الوطني للتراث والثقافة الذي ينظمه الحرس الوطني سنوياً وحرص على الإشراف على برامجه ومنتدياته الثقافية وكان حريصاً على استقبال ضيوف المهرجان كل عام في بيته العامر، وهي اللقاءات التي شهدت تبادل الآراء والأفكار حول القضايا الفكرية والثقافية التي تهم الأمة العربية والإسلامية.
التويجري يتحدث بالجنادرية
في المهرجان الوطني للتراث والثقافة في دورته (15) ألقى الفقيد عبدالعزيز التويجري كلمة المهرجان كعادته كل عام، التي كان أحد محاور ندواتها حوار (الإسلام والغرب)، وقال رحمه الله: في هذا اللقاء المبارك، تستوحي كلمة هذا المهرجان من روح الإسلام، وتراث الأمة الأصيل، تصوراتها مما قد يشار في هذا اللقاء من حوار هادف إلى الخير، فلقد عبرت فكرة هذا المهرجان نطاقها الجغرافي والإقليمي، إلى عالم واسع تتلاحق فيه النظريات والاكتشافات العلمية، وتتداخل فيه الثقافات والمفاهيم ومما سيدور حوله الحوار (الإسلام والغرب) ولما لهذا الحوار من حساسية بالغة الأهمية، يتطلع الإنسان المسلم اليوم، إلى أن يرى حقائق الإسلام وثوابته، وسموه الإنساني وسماحته وعدالته ونظرته إلى العلم ماثلين في عقل المحاور وفكره فالإسلام محقق للعدالة، لا مفاضلة لأحد على أحد إلا بالتقوى. وقال: ومما أوحى بفكرة الحوار بين الإسلام والغرب، تلاحقُ التهم الباطلة، والمفاهيم الخاطئة عن الإسلام، عند البعض في هذا العالم، والإسلام من ذلك بريء، فكل سلوك سلبي رديء قام به فرد أو جماعة، في تاريخ المسلمين أو يقومون به اليوم، يرفضه الإسلام ويبرأ منه. ما يجب على كل مسلم أن يعرّف برسالة الإسلام ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فليس لأحد عذر في ذلك في عالم الاتصالات اليوم، حيث لم تبقَ عزلة على وجه الأرض يأمن فيها الإنسان على معتقداته. فلقد التقى العالم كله على معطيات العلم الحديث، كلمةً وصوتاً وصورةً، خيراً أو شراً، قد يأتي محاور، ومعه شيء من مواريثه ومعتقداته التاريخية عن الإسلام والمسلمين، ليرى ويسمع من بلاد هي قبلة المسلمين على وجه الأرض تحكم بالإسلام. قد يأخذ ويعطي، قد يثير تساؤلات تاريخية، وتساؤلات أكثر عما يجري اليوم في بعض الوطن العربي والإسلامي، من تجاوزات على كرامة الإنسان وإراقة دمه وتخويفه وتجويعه وكتم أنفاسه. قد يسأل متسائل: هل ظاهرة نصب الفخاخ وتفجير الشاحنات في الأمكنة المكتظة بالناس، في بلاد المسلمين، من الإسلام في شيء؟ قد يقول: أين رأي علماء المسلمين في ذلك؟ قد يثير أشياء كثيرة عن مبهمات عليه، ليستطلع الحقائق، فعسى أن يوفق الله علماء المسلمين ومفكريهم وساستهم إلى أن يفتحوا قلوبهم وعقولهم، ويحاوروا بروح الإسلام، دون عصبية ولا تعصب ولا ضيق بسؤال. فاللين في القول والمجادلة بالحسنى هما توجيه كريم من الله سبحانه، فالإسلام - كما تعلمون - أوصى بالرفق حتى بالحيوان وكل ما فيه حياة من شجر ونبات، إلى غير ذلك. الإسلام يرفض التطرف، ويدعو إلى الاعتدال في كل شيء، ويرفض الغيلة والتخلف، وأوضح التويجري رحمه الله قائلاً إنه بالرغم مما كان لأمتنا في التاريخ من جلائل الأعمال الإنسانية، فإن هذا العصر يرتاب في حاضر الأمة القائم اليوم. ومن عف عن ذلك يضعها في درجة دنيا من سلم الحضارة المعاصرة.
وقد يثير حاضرُ الأمة اليوم سؤالاً تاريخياً: لماذا تراجعت الدولة الإسلامية الكبرى من أقاصي آسيا وإفريقيا وأوروبا بعد أن بقيت هناك في الأندلس ثمانية قرون؟ وما تركت غير أطلال هناك لا يذكر فيها اسم الله؟ وسؤال كهذا قد يلحق به الجواب عاتباً، فالمشاحنات وتقطيع أوصال الدولة الكبرى إلى دويلات مع السلوك الرديء سبب ذلك. ولأننا اليوم في عصر التكتلات البشرية، ولأننا أمة حضارية، لنتذكر ذلك كلما جاءت المناسبة، دون حرج، وإن أوجعنا التذكر وأحزننا. ولكننا بالرغم مما يعترض طريق هذه الأمة من معوقات في استعادة دورها التاريخي، فإننا بعون الله وفضله، سنلتقي على هدف جليل يحمي وجودنا وعقيدتنا ومصالحنا - إن شاء الله - وما الدور العظيم، الذي تقوم به المملكة العربية السعودية اليوم في مثل هذا الحوار الحضاري، في حيوية آمالها وأهدافها الخيرة تجاه أمتها الكبرى، إلا إحساس عميق بأهمية قيادتها، فهي قبلة المسلمين، ومن هذه الأرض حمل المسلم الأول، إلى كل البشرية، الهداية الإنسانية.
وقال الفقيد في كلمته بكل إكبار واعتزاز واعتراف بالجميل وولاء لكفاح الآباء والأجداد وراء قائدهم الأعلى - رحمهم الله -: نستحضر في هذه المناسبة الجليلة، ذكرى مؤسس دولتنا الحديثة الملك عبدالعزيز فلقد عانى ورجاله في سبيل ذلك، الضنى وسهر الليالي والأيام في عشرات السنين، وفي ظروف كل ما فيها شحيح. وإذا تذكرناه تذكرنا بطولته وكفاحه وما أوصلنا إليه من وحدة بعد تبدد، وأمن بعد خوف، ورخاء بعد عوز ومعرفة بعد جهل، رحمه الله، ووفق قادتنا إلى ما فيه خير هذه الأمة - إنه سميع مجيب -.