Al Jazirah NewsPaper Wednesday  27/02/2008 G Issue 12935
الاربعاء 20 صفر 1429   العدد  12935
المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية واستثمار الزمن المتاح؟!!
عبدالرحيم محمود جاموس

يرى كثير من المراقبين والمحللين والمسؤولين أن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي انطلقت بعد مؤتمر أنابوليس تتجه نحو طريق مسدود، حيث إن جميع المعطيات والمؤشرات توحي بذلك وتعزز مثل هذه القناعة، ومن هذه المعطيات مواصلة إسرائيل ممارساتها العدوانية التي أقل ما يمكن أن توصف به أنها ممارسة إرهاب الدولة المنظم في حق الشعب الفلسطيني بدءاً من الضفة الفلسطينية وانتهاء بقطاع غزة، من خلال استمرار سياسة الحواجز والغلق والحصار والتجويع الجماعي، إلى الاجتياحات المتواصلة لمختلف المدن والقرى، إلى الغارات الجوية والقتل والاغتيال الذي لم يفرق بين طفل أو شيخ، وصولاً إلى تصعيد الاستيطان وخصوصاً في منطقة القدس الذي يمثل أكبر استفزاز للفلسطينيين وللعرب وللعالم أجمع؛ لما تمثله القدس من مسألة جوهرية وحساسة قد تفضي إلى إجهاض كامل لمجمل عملية السلام وإعادة الصراع العربي الإسرائيلي على المستوى الشامل إلى نقطة الصفر.

وأمام هذه الصورة وغياب أية معلومات أو تسريبات رسمية أو دقيقة عما وصلت إليه جولات المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية تتعزز القناعة لدى الشارع الفلسطيني والإسرائيلي ولجميع المراقبين بأن المفاوضات تراوح مكانها، وأنها من الصعب أن تحقق اختراقاً دراماتيكياً خلال الزمن الممنوح لإنجاز العملية التفاوضية والتوصل إلى اتفاق سلام نهائي ينهي الاحتلال الذي بدأ في حزيران 1967م للأراضي الفلسطينية وأن يؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين حلاً متفقاً عليه على أساس القرار الأممي 194 لسنة 1948م، هذه النتيجة التي تشترطها مبادرة السلام العربية بالإضافة إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لجميع الأراضي العربية (السورية واللبنانية) المحتلة من أجل إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل!!! وإذا كانت الشكوك في نوايا القيادة الإسرائيلية واضحة ولا تحتاج لإثبات أو برهان بغض النظر عن الذرائعية التي تتقنها القيادة الإسرائيلية في تبرير سياساتها العدوانية من جهة وتبرير سياستها المجافية لروح التسوية السياسية المستهدفة التي أصبحت محل إجماع دولي بشأن كافة عناصرها الأساسية، إلا أن القيادة الإسرائيلية سوف تجد نفسها أمام جملة من الحقائق والمتغيرات السياسية المحلية والإقليمية والدولية التي تلزمها بضرورة التقدم في العملية التفاوضية مع الجانب الفلسطيني في إطارها الزمني المحدد الذي يجب ألا يتعدى عام 2008م؛ لأن هذه الحقائق ستفرض نفسها على الصراع العربي الإسرائيلي، وفي مقدمتها سلسلة الأزمات المتفجرة في المنطقة وعودة ظاهرة الاستقطاب الدولي من جديد التي باتت تطل برأسها على مسرح الأحداث الدولية، وما سيكون لذلك من أثر مباشر على الصراع العربي الإسرائيلي وجوهر القضية الفلسطينية.

وبالتالي من هنا يتولد التساؤل عن جدوى استمرار اللقاءات الفلسطينية الإسرائيلية على المستوى الرئاسي (عباس - أولمرت)، حيث واصل الطرفان اللقاءات الدورية بينهما أو على مستوى فريقي التفاوض، التي زادت عن عشرين لقاء؟!!!

من هنا يجب التساؤل عما يجري في هذه اللقاءات، هل هي لقاءات من أجل اللقاءات فقط؟! أم هي ذر للرماد في عيون المتلهفين لرؤية اتفاق سلام ينهي الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟!! أم أنها لقاءات مجاملة تتم تحت الضغط الأمريكي الذي بات بأمسّ الحاجة للتوصل إلى إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي أو تبريده إلى درجة الصفر كي يتمكن من معالجة أزمات السياسة الأمريكية في المنطقة وفي مقدمتها الأزمة العراقية، وأزمة المشروع النووي الإيراني، وأزمة مواجهة التطرف الإسلامي الذي يستمد مبرر وجوده من استمرار الصراع العربي الإسرائيلي من جهة ومن الانحياز الأمريكي لصالح إسرائيل؟!!

ولكن هناك أكثر من مؤشر يدل على أن المفاوضات الجارية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ليست مفاوضات أو لقاءات من أجل اللقاءات فقط وإنما يجري فيها التفاوض بشأن المسائل والمواضيع الجوهرية التي تمثل عناصر الاختلاف الأساسية بين الطرفين، والتي بدونها يصعب التوصل إلى اتفاق سلام نهائي. يبدو للمراقب أن هناك إدراكاً لدى الطرفين بضرورة إبعاد العملية التفاوضية الجارية عن التجاذبات الإعلامية، وكذلك السياسية؛ لأنه لا يستطيع الجانبان التقدم في العملية التفاوضية تحت سطوة الإعلام من جهة وسطوة النفاق والمزايدات السياسية لدى الطرفين من جهة أخرى، حيث إن الإعلام يترصد من جهة والقوى السياسية المعارضة أصلاً للعملية التفاوضية تترصد من جهة أخرى وتهدف إلى إفشال العملية التفاوضية من أساسها أو تعطيلها حتى يكون لها التأثير لحسابات سياسية ضيقة لدى هذه القوى التي تعارض مبدأ التفاوض أو تعارض القوى التي تقود العملية التفاوضية في كل جانب على حدة، وبالتالي يبدو أننا أمام عملية تفاوضية علنية على المستوى الإجرائي ولكنها سرية على المستوى الموضوعي حفاظاً على هدف العملية التفاوضية ولضمان أسباب النجاح لها ضمن نطاق الزمن المتاح أو الممنوح لها. ويبدو أن الجانبين قد استفادا من التجارب السابقة في التفاوض، ولاعتبارات ذاتية لدى كل طرف فقد اتفقا على هذه الخصوصية التي باتت تحكم العملية التفاوضية، ومن هنا نستطيع أن نؤكد أن الزمن المتاح للعملية التفاوضية كاف لإنجاز اتفاق سلام إذا حسنت نوايا القيادة الإسرائيلية وأدركت حجم المتغيرات التي تنتظر المنطقة وتنتظر الصراع العربي الإسرائيلي، حيث بات الإجماع الدولي على ضرورة التوصل إلى تسوية تمثل الرافعة الرئيسية للعملية التفاوضية التي يجب أن تنتهي باتفاق سلام خلال الزمن المضروب لها في أنابوليس واغتنام الفرصة المتاحة، خصوصاً أن العملية التفاوضية لا تحتاج إلى كثير من الوقت حتى تنجز؛ لأنها لم تبدأ من الصفر بل هناك إرث تفاوضي بين الجانبين واستطلاع للمواقف مسبق، وكذلك هناك كثير من القضايا قد سبق التفاوض بشأنها وقد جرى حسمها مسبقاً وما بقي من قضايا محل خلاف هي التي بالتأكيد سيتركز عليها جهد المتفاوضين، وبالتالي هل سيشهد الصيف القادم إعلان انتهاء العملية التفاوضية إلى طريق مسدود؟! أم سيشهد التوصل إلى اتفاق سلام نهائي يفاجئ الكثير من المتابعين والمراقبين، كما حصل في صيف العام 1993م حين أعلن عن التوصل إلى اتفاق أوسلو الذي خلق صدمة لكثير من المراقبين والمتابعين في حينه؟!!!

المدير العام لمكاتب اللجنة الشعبية الفلسطينية


e-mail: pcommety@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد