Al Jazirah NewsPaper Monday  25/02/2008 G Issue 12933
الأثنين 18 صفر 1429   العدد  12933
كفى أيها العابثون إنه (رسول الله)
عبد الله بن محمد السعوي

باسم الحرية الفكرية, يجري التطاول على رمز الشرف للإنسانية, ومن قبل مالا يقل عن سبع عشرة صحيفة دنماركية, قامت بالإساءة الثقافية عبر نشر الرسومات المسيئة الحاقدة التى تنعت نبي الرحمة بأقذع الخلال, وتشيع عنه قالة السوء, فتسخر منه وتحط من شأنه,

وتصوره بآلية تهكمية, وعلى أنه يمثل قوى الشر!!. تبت يد أساءت إليك يا رسول الله, وأنت من أخرجت العالم من ذل الاستعباد إلى عز العبودية, تبَّت يدا من نال من جنابك, وأنت الذي حن إليك الجذع, وبكى كما الصبي حنينا إليك ولم يسكن إلا عندما اعتنقته, فجعل يهذي كما الطفل الرضيع.

إن التطاول على رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام, يعتبر فعلا استئصاليا في المقام الأول, وتخبطاً لا يصدر إلا عن أعمه معطل الحواس, وهو ليس عبثا ديمقراطيا, ولا وضعية استثنائية عارضة, بل هو ثابت غربي أوروبي يتمظهر في تجليات شتى, ولا زالت الذاكرة الجمعية تحتفظ بصور بشعة من ضروب الارتكاس المعدومة المضارع, بداية من الدوس على المصحف - الذي هو الإطار المرجعي الأول لأمة المليار - بالأقدام, ورميه في المراحيض, مروراً بالفيلم الهولندي الذي أخرجه (ثيوفان جوخ) والذي استدعى في فلمه (انقياد) بعض الآي القرآني, ووضعه على صدر ممثلة عارية, وانتهاء بهذه الرسوم العابثة. هذا النموذج من الجبلات النكدة التي تتبجح في مناهضتها لمنطق الفطرة, ومناقضتها لإملاءات العقل, ليس نموذجا وقتيا طارئا, ولاهو نتاج معطيات محددة في ظرف زمكاني مّا, بل هو دائم مستمر لا ينقطع.

عندما تنطمس البصيرة, وتكون المكابرة في أعتى ضروبها, ويتجلى الاستغلاق في أبشع صوره, تفسد الفطرة, وتضمر أبعاد الاستقبال والتلقي لدى المرء, فينقطع عن الوجود الحي من حوله, ويكون غريبا عن إيقاعات الكون وإيحاءاته, فيجترح الإساءة ويباشر المحظور, ويرتكس في أوحال الإثم, ولا يعاين في ذلك ما يضير!!.إن بشاعة الرسوم, وشناعة التصوير, ودناءة الذات الثقافية, لا يكاد الخيال يتصور وقوعها لولا أنها وقعت, إنهم توخوا عبر هذه الهجمة الهمجية أن يسيئوا إلى الرسول, وما يسيئون إلا إلى أنفسهم, ولكن لا يشعرون, فتأثيرهم لايطال النبي الكريم فلا سبيل لهم إليه, لأنهم محصورون عنه وهو منهم في حمى.

الطعن في الرسول, طعن في رب الرسول, محاربة الرسول, محاربة لمن أرسله, هو أيضا محاربة لجميع أنبياء الله ورسله لأن ثمة تماهيا جليا في المنطلقات التى ينبعثون منها, وثمة اتحاد في معالم المنهجية التى يتوسلونها, فالأطروحة التي يتطلعون لتجذير ملامحها, وجمهرة مباشرتها, هي ذاتها القاسم المشترك الأكبر بينهم.

إن التطاول اللاأخلاقي على النموذج الأخلاقي, والمثل الأعلى في المنظومة الإسلامية, هو إساءة معدومة النظير للمسلمين, -الذين يعيش نبيهم في وجدانهم - وتهكما بمشاعرهم, ومصادمة لهم على المستوى العقدي, وهو عليهم أشد وقعاً من الاعتداء المباشر على أموالهم وذواتهم.

إن السخرية برمز الأمة استفزاز صارخ لأكثرمن مليار وثلاثمائة مليون مسلم من شعوب وحكومات وأفراد ومؤسسات؛ هذا المسلك الانتهاكي هو ما يضاعف الاحتقان, ويصعد من وتيرة التوتر ويدفع إلى ردود الأفعال والتصرفات الفردية اللامحسوبة.

إن الإساءة للديانات والرموز شأن مرفوض ومخالف لقانون احترام الديانات وحقوق ممارسة العبادات. هذا التجاوز الفاضح لحدود الحريات المتاحة، سلوك عدواني تندد به المؤسسات الحقوقية والإنسانية وتشجبه القوانين الدولية وتستنكره الأعراف الدبلوماسية والتقاليد السياسية وتجرمه دساتير احترام الذوات ذات المنحى الديني المقدس, ومن هذا المنطلق ندعو المنظمات الحقوقية في الغرب والمنظمات العالمية والجمعيات الخيرية المنصفة في أوروبا ومؤسسات محاربة الإرهاب أن تباشر مسؤوليتها إزاء رسول الثقلين - صلى الله عليه وسلم- للدفاع عنه وتحجيم كل ما من شأنه أن يوسع من دائرة التوتر بين البشر.

هذه الحملة المسعورة الرامية - كلون من أحلام اليقظة التى تعتري منشئيها باستمرار- إلى أن توقف الشمس عن أن تنشر أشعتها في الفضاء!, لها جملة من البواعث يأتي الحسد المتأصل من أبرزها, فتصاعد المد الإسلامي وتنامي عدد المتناغمين مع الأطروحة النبوية بعثت الغيرة لكل شانئ لهذا الرمز العظيم.

كثير من الشخصيات القيادية المعادية نخر فيها الحسد, وشق عليها لمعان شخصية حبيبنا الهادي وحضوره الكثيف في كل مفردات وتفاصيل المسلك الحياتي اليومي لدى المسلمين, أيضا ثمة فرق - بفتح الراء - يسيطر عليهم عندما يعاينون المجتمعات تتماهى وبشكل مكثف في طول العالم وعرضه مع نسيج الرؤى الرسولية, وتصدرعن إلزاماتها وتجعل لها امتداداً عمليا على أرض الواقع . إنهم يعون جيداً أن المشروع النهضوي المحمدي أثبت عبر القرون المتطاولة جدارته بالخلود والبقاء، وهذا ما يصيبهم بالذعر؛ فأكبر ما يقلقهم هو أن يسحب الإسلام البساط من تحت أقدامهم, وأن يبسط رواقه على امتداد أوروبا وبلاد الغرب, أعظم ما يغيظهم هو أن يجتاح الإسلام ما أمامه, وأن يكتسح القوى المعادية له بأكملها.

إن وقائع أحداث الصراع الحضاري المفتوح هي التي اقتضت مباشرة المؤسسات الغوغائية لتشويه صورة الإسلام طمعا في تحويله من خيار متاح في اصطفافات القيم العالمية المفتوحة على بعضها إلى عدو مستهدف.

هنا الإسلام هو المقصود بالحرب، بحسبه الإطار الإلهي الذي تولى الرسول الكريم مهمة الاضطلاع بتبليغه, وفسح المجال أمام معطياته المفاهيمية.

المنحى العلاجي لهذه القضية يجب أن يتم بتأن, وترو, وتؤدة, وعلى نحو ينسجم وأنفة المسلم, وسموّه الأخلاقي, فلا ينحدر إلى ردود أفعال قد تكون عكسية نتائجها هي المآل الذي تؤول إليه الأحوال, وخصوصاً في ظل هذا الضعف الحاد المخيم على الأمة.

في إطار السياق الدوائي لابد أن نسعى إلى تقويض الصور النمطية الحالكة التي تولى كبر صياغتها شرذمة من المناوئين لرسول الإسلام على نحوٍ آل بهم إلى محاولة إبرازه بشكل مقزز, وبآلية منفرة، وهذا شأن يحتم على الفاعل المعرفي أن يباشر إجراء مشروع نقد ذاتي للمنهجية التي تعرض بها السيرة النبوية الشريفة في مكنونات أسفارنا التاريخية.

إن تقديم النمط النبوي انبعاثا من قيم الصدقية في مقاربة الحقائق, وانطلاقا من الانتماء الكياني لرسول السلام وتجلية استراتيجيته الرسالية, النائية عن كل تلفيقية تحيل إلى تبعية ذات طابع إمعي, والمتجاوزة لكل اختزالية تكفيرية ذات ضرب إلغائي.

إن شخصية بحجم شخصية محمد - صلى الله عليه وسلم- استطاعت بنظرتها الثاقبة أن تخترق سماكة الواقع الاجتماعي, وأن ترسم من ثم معالم مفاهيمية, حررت الذات العامة من أسر الوجود النمطي الضحل, وأحالت المجتمع الوثني الهزيل إلى قوة ربانية تضرب بها الأمثال لهي شخصية خليقة بالعمل على التعريف بها وبمكوناتها, وإبراز سماتها التي يعز وجود ما يضارعها؛ إن منهج المقاطعة الاقتصادية كآلية نضال مدني سلاح له فاعليته القصوى إذا جرى استخدامه على نحو فني, وبشرط تضييق دائرته ليتوجه صوب هدف محدد, ولظرف زمني معلوم النهاية؛ المقاطعة الاقتصادية من أكبر الآليات الفعالة إذا جرى توسلها على نحو يتلاءم وإملاءات المنطق التكتيكي للصراع؛ والذي تشترط معطياته, أن تقوم المقاطعة على تحديد زمني معين, وعلى إدراك عميق للإمكانات الذاتية, والظروف المرحلية, ووعي عال لطبائع الأشياء, ومنطق تطورها؛ بهذا السلاح, سلاح المقاطعة, استطاعت هند (غاندي) أن تهز اقتصاد بريطانيا, وأفادت منه مصر بعدما أشهرته ضد الانجليز بدعوة من سعد زغلول, واعتمدت عليه كوبا ضد المنتج الأمريكي, ومن خلاله استطاع الشعب الياباني أن يرغم رؤساء الولايات المتحدة على القيام بجولات مكوكية أكثر من مرة يستجدون فيها فتح السوق الياباني, والتحفيزعلى المتح من الواردات الأمريكية.

إن تصاعد الموجة الشعبية العربية والاسلامية المقاطعة لكل منتج دينماركي سيصيب الدينمارك بكارثة اقتصادية يستحيل بموجبها الآلاف من مواطني الدنمارك إلى أرقام مهملة توسع مدى البطالة وتكثرمن سواد العاطلين, إن القطاع الجماهيري الغاضب بحاجة ماسة إلى من يأخذ بيده, ويرشّد ردود أفعاله, ويوظفها في السياقات المأمونة العواقب مما يقطع السبيل, ويفوت الفرصة على من يرمي إلى الزج بهذه الجماهير في ركام من الإشكاليات التى لاحصر لإفرازاتها؛ الجماهير بطبيعتها تتحرك بعفوية وبتلقائية غير منضبطة وهي عندما تفقد البوصلة التى تحدد مسارها وترسم استراتيجية حراكها تندفع بشكل لا محسوب للتعبير عن غيرتها التي إذا لم تصرف في سياقاتها المعتبرة فإنها تستحيل حتما إلى مصدر حيوي لتوليد الأزمات, وتكثيف تمظهراتها اللامتناهية؛ ترشيد ردود الأفعال, وحصرالتصرفات الفردية, وتحجيم المبادرات الشخصية شأن من الأهمية بمكان وما قصة (محمد بويري) ذي الـ27 عاماً والذي أقدم على قتل (ثيوفان جوخ) في أرض هولندا عنا ببعيد.

إن ثمة عقليات غربية منصفة, اعترفت بفضل الرسول - صلى الله عليه وسلم-, منهم (ول ديورانت) حيث يقول: إذا ما حكمنا على العظمة, بماكان للعظيم من أثر في الناس قلنا: إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان من أعظم عظماء التاريخ فلقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعب ألقت به في دياجير الهمجية, حرارة الجو, وجدب الصحراء, وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحا لم يدانه فيه أي مصلح آخر في التاريخ كله) انظر (قالوا عن الإسلام) ص111 ويقول (كلودكاهن): (يبدو للمؤرخ المنصف أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان في عداد الشخصيات النبيلة السامية التي سعت في كثير من الحماس والإخلاص إلى النهوض بالبيئة التي عاش فيها أخلاقياً وفكرياً) انظر (قالواعن الإسلام) ص126ويقول (مايكل هارت) في كتاب (الخالدون مئة) ص13وقد جعل رسولنا على رأس المئة (لقد اخترت محمدا - صلى الله عليه وسلم- في أول هذه القائمة... لأن محمداً عليه السلام هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحاً مطلقاً على المستوى الديني والدنيوي, وهو قد دعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات وأصبح قائداً سياسياً وعسكريا ًودينياً) ويرى (برناردشو) مؤلف كتاب (محمد) أن محمداً (يجب أن يسمى منقذ البشرية) ويؤكد (آن بيزيت) أنه من المستحيل لأي إنسان أن يقرأ عن محمد ويعرف حياته (إلا أن يشعر بتبجيل هذا النبي الجليل أحد رسل الله العظماء) ويرى (تولستوي): (أن شريعة محمد ستسود العالم لانسجامها مع العقل والحكمة) ويرى النمساوي (شبرك) أن (البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها) وكذلك المستشرق الكندي الدكتور (زويمر) يرى أن (محمداً كان ولاشك من أعظم القواد).. وصفوة القول:

إن من أعظم الردود على أعداء الرسول - صلى الله عليه وسلم- هو التأمل المعمق في سيرته, واقتفاء أثره, والالتزام بهديه في تعامله مع ألد شانئيه, وتحكيمه في كل موضع نزال, والصدور عن قوله, والاشتغال على تهذيب النفس, وتلافي أوجه قصورها الذاتي, برفع كفاءتها المعرفية, وتمثل مقتضيات الخط الرسولي.











Abdalla_2015@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد