Al Jazirah NewsPaper Wednesday  30/01/2008 G Issue 12907
الاربعاء 22 محرم 1429   العدد  12907
صور من أدب الرحلات إلى الحرمين الشريفين: رؤية تاريخية أدبية

تأليف: عبدالله بن حمد الحقيل عرض: محمد بن ناصر العبودي

كرم الأستاذ عبدالله بن حمد الحقيل فأهدى إليَّ نسخة من كتابه (صور من أدب الرحلات إلى الحرمين الشريفين: رؤية تاريخية وأدبية):

نشرت الكتاب مكتبة التوبة في الرياض، الطبعة الأولى عام 1428هـ - 2007م في (113) صفحة.

لقد عرفت الأستاذ عبدالله بن حمد الحقيل اجتماعياً، ظاهر الحضور في الساحة الثقافية يحضر المحاضرات والاجتماعات الأدبية، ويناقش في المسائل الأدبية، وهو ذو قلم رشيق يميل إلى الاختصار والاقتصار على ما يؤدي الغرض المطلوب من دون تطويل أو تذييل.

ثم عرفته أميناً عاماً لدارة الملك عبدالعزيز عدة سنوات، فعرفت فيه محبته للبحث، وحرصه على اقتناء الكتب.

وعندما دخل ميدان التأليف ألف عدة كتب كان أسلوبه فيها الأسلوب الموجز المفيد.

وقد أخذت عليه شدة إيجازه عندما أصدر كتابه (رحلات وذكريات) وأشار فيه إلى رحلة السودان ضمن لجنة كنت أحد أعضائها، وذلك في عام 1397هـ فيما أظن، ولم أكن كتبت عنها مذكرات في وقتها مما جعلني أعوِّلُ على كتاب صديقنا الحقيل هذا، ولكنني وجدته على عادته في محبته في الاختصار والاقتصار على ما يفيد الموضوع.

وعندما قارنت كتابه بالثرثرة الظاهرة، والتطويل الذي يحفل بالاستطرادات الموجودة في كتبي في الرحلات تمثلت الاختصار المفيد، والتطويل والتمديد (ولكل امرئ من دهره ما تعود).

الأستاذ الصديق عبدالله بن حمد الحقيل ليس غريباً على التأليف وبخاصة فيما يتعلق بالرحلات فقد ألف من الكتب في الرحلات.

1 - رحلات وذكريات.

2 - من أدب الرحلات.

3 - رحلات الشرق والغرب.

4 - إضافة إلى كتاب (صور من الغرب).

ولذلك لا عجب أن يعنى بدراسة الرحلات التي تتجه إلى الحرمين الشريفين.

وقد بدأ كتابه بالإهداء المعتاد، فأهداه إلى والديه رحمهما الله، قال (ص 7): (إلى والدي حمد بن عبدالله الحقيل رحمه الله الذي حرص على تربيتي وتعليمي وأشعل ضوء العلم ونور المعرفة في طريقي.

وإلى والدتي شيخة بنت عثمان العبدالجبار رحمها الله، التي اختارتها يد المنون منذ خمسين عاماً ولما تكمل ثلاثين عاماً من عمرها الحافل بضروب الخير والإيثار رحلت وكنا أشد ما نكون حاجة إلى تربيتها ورعايتها وحنانها فلازمت ذكراها الأليمة القلوب والأفئدة والنفوس، فإلى والدي أهدي ثواب هذا الكتاب - المؤلف).

وقال في مقدمة الكتاب (ص 9 - 10):

(أصل هذا الكتاب محاضرة ألقيتها في كل من رابطة الأدب الإسلامي العالمية في يوم 27- 2-1427هـ بالرياض وفي النادي في جازان في 19-5- 1425هـ.

ويطيب لي أن أقدم للقراء عرضاً موجزاً لبعض الرحلات إلى الحرمين الشريفين في عصور مختلفة من التاريخ الإسلامي، فلقد كان الحج بمكانته لدى المسلمين ميداناً خصباً للكثير من الرحالة والمؤلفين ورصد الأحداث المختلفة التي تخللته عبر التاريخ راجياً أن يجدوا فيها بعض الفائدة، كما أرجو أن أكون بهذا الجهد المتواضع قد أسهمت بتجلية صفحة من صفحات تراثنا الفكري والله المستعان وبه التوفيق).

تحدث المؤلف عن أهمية الرحلات وأنها رافد مهم من روافد الأدب والتأريخ ونقل عن بعض الأدباء القدماء أهمية الرحلات.

ثم استعرض بعض الرحالين الذين قال: من أولهم هو اليعقوبي وناصر خسرو قال في (ص 23 - 24).

ويأتي في مقدمة الرحالة المسلمين اليعقوبي (ت 248هـ) وهو أول رحالة مسلم قام بتسجيل ملاحظات شخصية عن البلاد التي زارها وعن السكان الذين قابلهم في سفرٍ سماه (كتاب البلدان) وتتحلى عبقرية اليعقوبي عند وصفه لمكة المكرمة والمدينة المنورة.

ويمكن القول إن ثقافة اليعقوبي الواسعة هي نتيجة حتمية لثقافة العصر الذي عاش فيه وللعصر الذي سبقه وهي ثقافة القرن الثاني الهجري وما بعده.

ولم تعرف كتاباته نزعة العجائبMirabilia التي نجدها واضحة في كتابات الرحالة فيما بعد.

كذلك ناصر خسرو (394 - 481هـ) من الرحالة المثقفين وكان شاعراً وقد زار عدداً من مناطق الجزيرة العربية، وتحدث بإسهاب عن مكة وعن المشاعر المقدسة والمآثر الإسلامية المختلفة وعن المدينة وجدة والطائف واليمامة والأحساء، وكان يدون ملاحظاته يومياً وهي على شكل مذكرات ودوّن الكثير من المعلومات وأخبار رحلاته في كتابه، وقد طبع الكتاب وعنوانه (سفر نامه) ونقله إلى اللغة العربية يحيى الخشاب.

ثم تكلم باختصار عن بعض أرباب الرحلات ورحلاتهم إلى أن يصل به الحديث في ص 26 إلى رحلة ابن جبير، فيصفه بأنه ألمع الرحالة الأندلسيين، وأنه قد ركب متن البحار وتنقل بين القفار، وتجول وسط الفيافي والمفاوز.

إلى أن قال: وهو أبو الحسن محمد بن جبير الأندلسي، ولد بيلنسية سنة 540هـ، وعزم على الحج سنة 578هـ حيث أدى فريضة الحج، وزار المدينة المنورة، وظل في هذه البلاد نحو ستة أشهر دون خلالها مشاهداته ورحلاته.

ثم استعرض مسير رحلة ابن جبير وبخاصة جولته في مكة المكرمة والمدينة المنورة ولكنه لم يذكر رحلته إلى بغداد ووصف ما رآه فيها، ومن ذلك وصفه لمجلس الوعظ الذي كان يعقده الإمام الحافظ أبو الفرج بن الجوزي.

وبعد أن ذكر (رحلة العبدري) باختصار، انتقل إلى ذكر الرحلة المعروفة، بل ربما كانت أكثر الرحلات شهرة في الشرق والغرب وهي رحلة ابن بطوطة، فقال: رحالة جاب الشرق والغرب، وقال: هو أبو عبدالله محمد بن إبراهيم الطنجي ولد في طنجة سنة 704هـ، وبعد أن بلغ الثانية والعشرين من عمره اندفع بدافع التقوى إلى الحج، واستغرقت رحلاته زهاء تسع وعشرين سنة، ووصل إلى بلاد الصين، قال المؤلف عبدالله الحقيل: ورحلات ابن بطوطة من أطرف الرحلات لما فيها من وصف للعادات والتقاليد ولما فيها من فوائد تاريخية وجغرافية ومن ضبط لأسماء الرجال والنساء والمدن والأماكن، فهو يعتبر شيخ الرحالة المسلمين طوى المشارق والمغارب، فرحلته من أوسع الرحلات في القرون الوسطى والمسماة (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) التي صاغها ابن جزي بعد سماعها منه.

وما زالت رحلة ابن بطوطة مصدراً كبيراً من مصادر التاريخ والجغرافيا في القرون الوسطى حيث إنه أول من جاب كثيراً من الأقطار وكتب عن الحياة الاجتماعية والسياسية وأحوال تلك الأمم وعاداتها وتقاليدها وكشف عن الكثير من أسرارها وبذلك كانت رحلته معرضاً كبيراً لحياة الأمم والأقاليم التي نزل بها من الوجهتين السياسية والاجتماعية، ولقد كتب كثير من المستشرقين والباحثين حول ذلك حيث أحلوه المرتبة والمكانة اللائقة به، فهو رحالة واسع المعارف والمدارك.

ثم استمر المؤلف في استعراض بعض الرحلات باختصار، فذكر رحلة ابن رشيد (بضم الراء) و(رحلة البلوي) و(الرحلة العياشية) المسماة (ماء الموائد).

ثم (رحلة القيسي) من المغرب إلى الحجاز (الرحلة الحجازية) لأولياء جلبي من الرحالة الأتراك، ورحلة الشيخ عبدالغني النابلسي المسماة (الحقيقة والمجاز في رحلة الشام ومصر والحجاز).

وهكذا يمضي في الحديث عن رحلات بعض المتأخرين من الرحالة إلى الحرمين الشريفين إلى أن وصل إلى الرحلة الملكية ص 58 وقال:

الرحلة الملكية

هذه رحلة كتبها السيد يوسف ياسين من مواليد اللاذقية (1309 - 1381هـ) التحق بخدمة الملك عبدالعزيز سنة 1343هـ ورافق الملك في مسيره إلى الحجاز على ظهور المطي في عام 1343هـ وقد رصد بدقة هذه الرحلة وقام بنشرها على شكل مقالات في جريدة أم القرى، وذكر أسماء الجبال والأودية والأماكن والهضاب والمياه والشعوب التي مرَّ بها الموكب الملكي، وذكر أشعار العرب وما أورده العلماء من أقوال تصف تلك الأماكن وذكر أسماء المرافقين لجلالة الملك عبدالعزيز، كما وصف الطريق وقد جمع تلك المقالات في كتابه هذا.

ثم ذكر الأستاذ عبدالله الحقيل من ذلك بعض الكتب التي لا تعتبر رحلات تصف المنازل والطريق التي سلكها الرحالة مثل (مرآة الحرمين) و(أرض المعجزات) للدكتورة عائشة عبدالرحمن الشهيرة ببنت الشاطئ، و(في منزل الوحي لمحمد حسين هيكل).

وعلى أية حال فإن هذا الكتاب خلاصة أو كالخلاصة لرحلات كثيرة بعضها مذكور في الكتب التي ذكرها المؤلفون في الرحلات، وبعضها انفرد المؤلف، بل سبق إلى إدخالها في هذا الفن.

وهو بذلك يستحق الشكر من القارئين، وكتابه يستحق التنويه به مع رجائنا له بالذيوع والانتشار.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد