Al Jazirah NewsPaper Tuesday  29/01/2008 G Issue 12906
الثلاثاء 21 محرم 1429   العدد  12906

احذروا ظلم المرأة أيها الرجال
سعد بن محمد الموينع - الرياض

 

إن الحياة الزوجية لم تقم إلا بميثاق غليظ بين الزوجين وبعهد عظيم يجب الوفاء به، وينبغي أن تكون الحياة الزوجية مثالية ومبنية على التعاليم التي جاءت في القرآن الكريم, ويجب أن تتجلى فيها صور المودة والرحمة والمحبة والألفة بين الزوجين.

وقد لا تسلم هذه الحياة من المنغصات والمكدرات التي تؤثر فيها، وقد تتعرض إلى محاولة من أحد الزوجين لإنهائها وقطع أواصر الترابط، وقد تبذل بعض المساعي الحميدة للقضاء على أسباب الخلاف بين الزوجين، وقد تنجح تلك المحاولات وقد تبوء تلك المساعي بالفشل وتتعثر ولا يكتب لها النجاح، فتبقى الحياة الزوجية مهددة بالسقوط وتكون على شفا جرف هار.

ويكون سبب المشاكل في بعض الأحيان مشتركاً بين الرجل والزوجة، وتختلف نسبة المشاركة من قبل الزوج والزوجة في إيجاد المشاكل وحلولها.

ومن خلال دراستي لبعض القضايا الزوجية وجدت أن كثيراً من الرجال هو المتسبب في الخلافات وإن بعض الخلافات والنزاعات يخطط لها بعض الرجال تخطيطاً دقيقاً يعينه الشيطان في ذلك، وهذا لا يعني أننا نقول بأن النساء بريئات من التسبب في حصول الخلافات ووجود الشقاق فلبعضهن دور كبير في ذلك.

إن بعض الأزواج يرى أنه لم يوفق في زواجه وفي اختيار شريكة حياته ويرى أنه لم يحبها ولا يطيق الحياة معها، مع أنه يثني على أخلاقها وتعاملها، ولكنه يقول: لم يكتب الله بيننا محبة والفة ومودة، وقد يقرر الزوج الذي بيده العصمة أن يفارق زوجته ويضمر في نفسه ويحدثها بالطلاق الذي هو أبغض الحلال عند الله، لكنه يتبادر إلى نفسه وسوسة خبيثة من الشيطان الرجيم، أن تصله استشارة غير موفقة من أحد الأصدقاء بألا يطلق حتى تعوضه الزوجة ويعوضه أهلها عن ما تكلفه من مهر وما أهداه من حلي فيستحسن الفكرة ويقوم بالتفكير في طريقة لاحداث خلاف يتوصل من خلاله إلى ذهاب زوجته التي لا ذنب لها لى بيت أهلها بعد اساءته لعشرتها، ويقطع وسائل الاتصال بها فترة من الزمن قد تصل إلى عدة أشهر.

وإن مكوث هذه المرأة عند أهلها معلقة يترتب عليه وجود أضرار نفسية واجتماعية للزوجة إذ أنها تتألم كثيراً من نظرات الأقارب لها، وتفتقد لمعاشرة الزوج ولعطفه وحنانه، وإذا تم اتصال من ولي أمر الزوجة أو من وسيط من الأقارب أخذ يتحجج هذا الزوج بحجج لا صحة لها اطلاقاً ويبدأ مظهراً عيوباً كثيرة ويتهم زوجته بتهم باطلة، وقد يصيب في واحدة ويبالغ في كثير مما ذكره بل يكذب، وقد يرجع الرجل زوجته بعد وجود بعض المحاولات وبذل الشفاعات الحسنة، وبعد مدة من الزمن يبتكر طريقة جديدة لكي يجعل الزوجة الضعيفة تتضايق منه وتكره المعيشة معه، ولبعض الرجال طرق عديدة في تضييق الخناق على زوجاتهم، ثم يتحجج بحجج جديدة ويلزم الزوجة الذهاب إلى منزل أهلها من جديد، وتعيش مأساة جديدة في بيت أهلها، وتعيش حالة نفسية سيئة، وتحيط بها المشاكل النفسية بسبب تصرف زوجها بهذا التصرف المشين - هداه الله -.

وبعد نقاش ومداولات مع هذا الزوج يصرح علناً لزوجته وأهلها ويقول: إذا أردتم ورقة طلاق ابنتكم فردوا لي ما دفعته من مهر وما تكلفته من نفقات، وهذا الأمر يقع من كثير من الأزواج الظالمين الذين لا يخافون الله، وقد يهون الأمر على بعض الأسر الميسورة الحال التي تستطيع أن تحرر بناتها من أمثال قبضة ذلك الظالم الأثيم، وإن بعض الأسر لا تستطيع دفع فدية لابنتها فتبقى في قبضة زوجها فترة من الزمن تعيش الأزمات النفسية وتعاني من الاكتئاب.

إن هذا التصرف من هذا الزوج وأمثاله لاشك أن فيه ظلم كبير للزوجة وأهلها ولاشك أنه واقع في الإثم ويخشى عليه العقوبة من الله، وأعرف رجلاً علق امرأته فترة طويلة من الزمن حيث لم يرجعها ولم يطلق وقد أدى ذلك التعليق إلى وقوعها في الفاحشة والرذيلة ولاشك أن جزءاً كبير من المسؤولية يتحمله ذلك الرجل الذي علق تلك الزوجة الضعيفة.

إن كثيراً من الرجال إذا لم تفلح الجهود لحل قضيته مع زوجته يتقدم والد الزوجة أو وليها إلى المحكمة الشرعية لحل النزاع مع زوج ابنته، وإذا أعطي للزوج طلب الحضور في المحكمة فإنه لا يحضر إلا بشق الأنفس وبعد جهد جهيد، وإذا جلس معه في مجلس القضاء وبدأت الجلسة وفي حالة سؤال القاضي والد الزوجة عن الأمر، يبدأ الرجل يتحدث عن المأساة التي تعيشها ابنته مع هذا الرجل وقد يخونه التعبير ولا يستطيع توضيح شدة المعاناة التي حصلت لفلذة كبده وثمرة فؤاده، وكذلك الزوجة ربما تهاب من مجلس القضاء، وقد لا يتضح للقاضي الأمر وحقيقته، وإذا أعطي الزوج الفرصة للحديث وللرد أخذ يتكلم بكلام جميل معسول ويقنع القاضي بحجته وأنه يطلب زوجته لبيت الطاعة، فيعرض القاضي على الزوجة ووليها ذهابها مع زوجها فتتذكر المسكينة ما كانت تلاقيه وتجده من هذا الزوج المتعسف والظالم لنفسه قبل زوجته، فترفض الزوجة ما طلبه القاضي منها، فيقول الزوج: إذن ترجع لي ما دفعته من مهر، فيعرض القاضي طلب الزوج على الزوجة ووليها، فإذا كان والد الزوجة مقتدراً فإنه يبادر ويعطي الزوج ما دفعه وهو لا يستحق ذلك أبداً، وإذا كان الولي لا يستطيع دفع العوض فإنه يلزم ابنته بالذهاب مع زوجها مع أنه يكره ذلك، وبعد ذهاب الزوجة مع زوجها تبدأ مآسي جديدة لهذه الضعيفة، ويتكرر أسلوب ذلك الرجل القديم ليجعل الأسرة ترضخ لمطالبه فتضطر الأسرة الفقيرة البحث عن طريقة مناسبة لتخليص تلك الضعيفة من قبضة ذلك الرجل الظالم، وقد تستدين المبلغ المطلوب وبعد ما يتوفر المبلغ المطلوب يدفع لذلك الزوج ويأخذه ليكون سحتاً وحراماً عليه.

إن الذي يسمع أو يرى القضايا الزوجية في المحاكم يتكدر خاطره عندما يرى أن التوجيهات القرآنية لا يؤخذ بها من قبل بعض الأزواج ومنها قوله تعالى {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} ومنها قوله تعالى {وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا}.

إن العشرة قد تسوء بين بعض الأزواج وتصل إلى طريق مسدود لا مجال للصلح، فإذا كان اتفاق على الفراق فلا ينبغي للزوج أن يتشدد في مطالبته بحقه في المهر والحلي وعليه أن يجعل الأمر سهلاً على الزوجة وأهلها وسوف يعوضه الله خيراً إن يسر وسهل الأمر على الزوجة وأهلها، وليس من المعقول أن يصر الرجل على المطالبة بكامل ما دفع للزوجة من الصداق وهو الذي قد استمتع بها فترة طويلة من الزمن، وأقامت له بيته وخدمته فترة من الزمن، وقد تكون أنجبت له ثلاثة من الأولاد أو أربعة.

وينبغي على القضاة ألا يجيبوا أولئك الذين يتشددون في المطالبة بجميع الحقوق التي دفعوها وأن يكون الأمر خاضعاً لقضية الإنصاف وإظهار العدل.

إن بعض الرجال لا يفي بالشروط المتفق عليها بعد دخوله بزوجته، وإذا كانت هناك مطالبة من الزوجة وأهلها له بالوفاء بالشروط التي في عقد النكاح، فإنه يتردد في تطبيق ما وافق عليه من قبل من الشروط، ويماطل في الوفاء بالعهود، وإذا وجد هذا الزوج الحاحاً من أهل الزوجة لتنفيذ طلباتهم قال لهم: (ردوا علي ما أعطيت من المهر وتكاليف الزواج وأطلق ابنتكم)، وإذا وصل الأمر إلى القضاء فربما يؤيد بعض القضاة رد المهر على الزوج ويستشهدون بقوله صلى الله عليه وسلم (أتردين عليه حديقته)، وقد وردت إلي شكوى من بعض النساء وتقول في شكواها: لقد تزوجت برجل لديه زوجة ومجموعة من الأبناء، وطلب مني ذلك الزوج بعد الزواج عدم التفكير في الحمل وبعد ما مضت عدة سنوات طلبت منه السماح لي بالإنجاب فرفض الأمر ولما رأى الإصرار مني على الإنجاب قال لي: لن أسمح لك بالإنجاب فقلت له: إن الانجاب من حقي ولن أتنازل عنه، فقال لي: لن أسمح لك بالإنجاب أبداً، فقلت له: إذا تطلقني أنا أرغب في الإنجاب، فقال لي: تردين علي المهر كاملاً والذهب وما أنفقته، فهل هذا من العدل أو الإنصاف، كيف يبيح ذلك الرجل لنفسه حرمان ومنع تلك الزوجة من الإنجاب والذرية التي هي من زينة الحياة الدنيا؟

إن أمثال هذا الرجل كثير في المجتمع الذين يستغلون ضعف المرأة وقلة حيلتها ولا شك أن عليهم الخطر لأنهم ظالمون ومعرضون للعقوبة من الله.

وقد وصلتني من امرأة شكوى تقول فيها، لقد خطبني رجل من أهلي فوافق والدي على ذلك الرجل، وكان من ضمن الشروط الواردة في العقد تأمين الزوج لبيت مستقل للزوجة، وفرض صداقاً مناسباً، فوافق الزوج على الشروط لكنه أحضر نصف المهر وأخبر بأن بقية المهر لا يتوفر لديه الآن، وطلب اتمام الزواج فلم نمانع وطلبنا منه توفير سكن مناسب, لكنه ماطل في ذلك وطلب مني أن أخرج معه في إحدى الشقق المفروشة فخرجت معه وحققت رغبته، ودخل علي وتكرر ذهابه بي لتلك الشقة وكلما طالبته بالسكن المناسب ماطل، ولما رأى الإصرار من أهلي قال لهم بعد مدة من الزمن: ردوا علي ما دفعته من المهر وأطلق زوجتي.

إن ما قام به ذلك الرجل يعد من الظلم والجور وعدم الوفاء بالعهد ولاشك أن عدم الوفاء بالعهد والميثاق يدل على قلة الايمان بالله واليوم الآخر، ولاشك أن ذلك الرجل عليه الإثم ويخشى عليه من العقوبة.

وقد وصلتني شكوى أخرى من زوجة موظفة تشكو من استغلال زوجها لراتبها ومطالبته المستمرة بما لديها من المال، وتقول أنها لا تتردد في مساعدته أبداً ولكنه لا يقدر ما بذلته له من مساعدات ووقفات، وبعد عدة سنوات إذ به يطلب منها أن تقترض من أحد البنوك لأنه محتاج لبعض المال فاقترضت، ولما استلمت القرض وأعطته الزوج إذ به يتزوج بهذا القرض ويقوم بهجرها عدة أشهر ولما طالبت بحقها الشرعي من العدل في المبيت والمعاملة قال لها الزوج: أنت طالق أنت طالق.

أين الإحسان من تصرف الرجل مع هذه المرأة الضعيفة؟ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟

ومن القصص المأساوية التي حصلت قصة تلك المعلمة التي تزوجت برجل استغل راتبها أعظم استغلال وإذا رفضت أوسعها ضرباً واستمر الوضع هكذا عشرين سنة، ولما اشتدت قسوة ذلك الرجل رفعت يديها للسماء وأخذت تدعو الله على ذلك الرجل فأصيب بمرض السرطان وتوفي بعد مدة قصيرة من اصابته بذلك المرض الخطير.

إن الرسالة التي نوجهها للأزواج أن يتقوا الله في العهود والمواثيق التي أخذوها على أنفسهم كما قال تعالى {أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ}، وعليهم أن يتقوا الله وألا يعلقوا النساء، وأن يمسكوا بمعروف أو يسرحوا بإحسان، وألا يظلموا النساء ويسببوا لهن التعب النفسي والأضرار الجسيمة المترتبة على تعليق نسائهم فترة من الزمن.

إن كثيراً من الناس لا يدركوا حجم المعاناة التي تصيب النساء من جراء تأخير القضايا الزوجية في المحاكم الشرعية، بسبب مماطلة الأزواج في الحضور لانهاء القضايا الزوجية القائمة، وإن من المفترض على المحاكم الشرعية فرض الحضور الإجباري على الأزواج في الوقت المحدد لكي تنتهي معاناة النساء، وعلى القائمين على القضاء أن يحرصوا على سرعة إنهاء القضايا وعدم اعطاء المواعيد البعيدة وأن يحتسبوا الأجر والثواب في سرعة إنهاء معاناة النساء.

وقفة

تنام عينك والمظلوم منتبه

يدعو عليك وعين الله لم تنم


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد