رحل دكتاتور إندونيسيا الجنرال محمد سوهارتو بعد معاناة مع المرض استمرت وقتاً ليس بالقصير، وبعد إذلال حين أجبرته الجماهير الإندونيسية بترك السلطة، ليموت بعد ذلك بعد أن قضى 86 عاماً أكثر من نصفها كانت في السلطة سواء في معسكرات الجيش أو حين كان رئيساً لإندونيسيا، وفي هذه الفترة جمع ثروة بأساليب يعتبرها معارضوه نوعاً متقدماً من فساد الحكام الذين يكنزون المال ويحرمون الشعب الذي يجبر على العيش فقيراً فيما يتنعم حكامه بالأموال التي يسرقونها.
وسوهارتو -الذي مات مذموماً متهماً بالفساد وكنز الأموال التي لم يتمتع بها كثيراً وتطارده صفة الدكتاتورية لأنه حكم إندونيسيا بيد من حديد على مدى 32 عاماً - له من الفضائل التي وإن تناساه بعض الإندونيسيين إلا أن التاريخ لا ينسى؛ فهذا الجنرال الذي بدأ الخدمة العسكرية (عريفاً) إبان الاستعمار الهولندي لإندونيسيا، سرعان ما انحاز إلى شعبه وأهله فانضم إلى الجيش القومي وقاتل ضمن هذا الجيش القوات الهولندية المحتلة لبلده، وفي عام 1945م عند استقلال إندونيسيا أصبح العريف سوهارتو ضابطاً، وفي عام 1962م ترقى بسرعة ليصبح جنرالاً.
نقطة التحول الكبرى في تاريخ هذا الرجل كانت عام 1965م، عندما تمكن من احباط انقلاب الشيوعيين الذين سعوا إلى استلاب السلطة والانقلاب على الجنرال أحمد سوكارنو الأب التاريخي وقائد استقلال إندونيسيا؛ ففي الأشهر الأخيرة من عام 1965م وأوائل العام الذي يليه شهدت إندونيسيا أحداثاً دامية واضطرابات سياسية بدأت في 30 أيلول/سبتمبر 1965م بمحاولة انقلاب اتهم بها الشيوعيون، وهنا لاحت الفرصة للجنرال محمد سوهارتو الذي كان قائداً لوحدة القوات الخاصة المكلفة بحماية العاصمة جاكرتا، وفعلاً تسلّم الجنرال محمد السلطة بعد أن أفشل انقلاب الشيوعيين، ونصَّب نفسه قائداً للجيش، ثم أطلق حملة دموية ضد الحزب الشيوعي، حيث تذكر السجلات الرسمية أن تلك الفترة شهدت مقتل (500.000) شيوعي إندونيسي.
ولأن سوكارنو كان مريضاً، فقد أجبر على نقل كامل سلطاته إلى الجنرال الجامح في آذار/ مارس من عام 1966م، وبعد عام وفي نفس التاريخ عين سوهارتو رئيساً بالوكالة، ثم بعد عام آخر في نفس شهر آذار/ مارس انتخبه البرلمان رئيساً لإندونيسيا، حيث كان يُجدد له كل خمس سنوات حتى عام 1998م وفي ولايته السابعة وبعد شهرين من التجديد أجبر على الاستقالة بعد ثورة شعبية بيضاء أوصلت ابنة سوكارنو إلى الحكم بعد انتخابات نزيهة.
وسوهارتو رغم كل مساوئه إلا أن له حسنات عديدة منها قطع الطريق على الشيوعيين لحكم أكبر بلد مسلم، وافشال خطط الصينيين للسيطرة على إندونيسيا، وحفاظه على وحدة إندونيسيا التي تعد أكبر دولة تضم جذراً مأهولة وغير مأهولة، وشهدت أولى بداياته رخاءً اقتصادياً، إلا أن سيطرة قادة الجيش وتفشي الفساد خاصة بين بطانته وأبنائه وهو شخصياً أوصلوه إلى النهاية التي جعلته محاصراً بالأمراض وبدعاوى المحاكم وخصوصاً تلك المتعلقة بحقوق الإنسان.
jaser@al-jazirah.com.sa