قال رب العزة والجلال: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} (197) سورة البقرة.
التقوى خير زاد للحجاج، وهدف عظيم من أهداف مناسك الحج.. ولعظيم فضل التقوى وأهمية آثارها جاءت وصية الله تعالى لجميع الأمم منذ آدم - عليه السلام - إلى محمد خاتم المرسلين - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ} (131) سورة النساء. وعلى المسلم عامة والحجاج بصفة خاصة أن يلتزموا بمعاني التقوى، فالتقوى زاد القلوب والأرواح في عمل الخيرات..
وتعظيم شعائر الله في الحج وطاعته في نحر الهدى دليل على تقوى القلوب المؤمنة، وتعويد على الطاعة والإخلاص والبذل والعطاء والإحسان.. قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (32-33) سورة الحج.
وفي نحر الهدي تأكيد على خلق التقوى.. قال جل جلاله: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ } (37) سورة الحج.
ومن معاني التقوى في الحج: إخلاص النية، والإنفاق من الكسب الطيب المبرور، والصلاة مع الجماعة في المسجد الحرام والطواف حول بيت الله العتيق، والدعاء، وتلاوة القرآن المجيد، والتكبير، وتقديم الشكر لله، والتقوى إذا التزم بها حجاج بيت الله تعالى أدى بهم إلى مرضاة الله.. وكان حجهم مبروراً وذنبهم مغفوراً وسعيهم مشكوراً..
قال - صلى الله عليه وسلم - (من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) (رواه البخاري).
ليت التقوى تجد طريقها إلى القلوب، فتنتشر المحبة وتسود الرحمة، وتتحقق العدالة، ويشعر الناس بالطمأنينة والأمن والسلام، ويعرف كل طريقة إلى الإخلاص في العمل، ويراقب مولاه دائماً في كل تصرفاته، وحينئذ يسعد المجتمع، فلن تجد شاكياً من ظلم ولا متألماً من جور وحيف ولا مرتعداً من خوف ولن ترى صاحب سطوة يتسلط على من تحت يده، ولا تاجراً يحتكر قوت أخيه، ولا طبيباً يقسو على مرضاه، ولا مستغلاً يمتص دماء من هم في حاجة إليه.. فالجميع يرتدون زياً واحداً يتزينون به (ولباس التقوى ذلك خير).. هذا وبالله تعالى التوفيق، والحمد لله على نعمة الإسلام، وصلى الله على محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.