من قوة الإسلام الذاتية الكامنة، أن ترى الناس يدخلون فيه بتزايد مستمر، ومن مختلف الفئات الاجتماعية والمستويات العلمية، رغم الدعاوى التي تناوئه وتصد الناس عن سبيله: {وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (سورة التوبة: 32). ومن وقائع هذا التزايد، ما كشفت عنه دراسة حديثة أعدتها مؤسسة (سويست) للأرشيف الإسلامي في ألمانيا، من أن أكثر من أربعة آلاف ألماني كانوا ينتمون إلى ديانات وطوائف مختلفة، دخلوا في الإسلام، فيما بين شهر يوليو عام 2004م ويونيو عام 2005م، وكان هذا العدد - بحسب إحصائيات ذات المؤسسة - يمثل أربعة أضعاف عدد الذين أسلموا عام 2003م.
وفي فرنسا أوردت صحيفة (ليكسبرس) الفرنسية تقريراً عن انتشار الإسلام بين الفرنسيين، جاء فيه: (على الرغم من كافة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفرنسية مؤخراً، ضد الحجاب الإسلامي، وضد كل رمز ديني في البلاد، فقد أشارت الأرقام الرسمية الفرنسية إلى أن أعداد الفرنسيين الذين يدخلون في دين الله، بلغت عشرات الآلاف مؤخراً، وهو ما يعادل إسلام عشرة أشخاص يومياً من ذوي الأصول الفرنسية).
وفي الولايات المتحدة الأمريكية نشرت صحيفة (نيويورك تايمز) مقالاً ذكرت فيه أن بعض الخبراء الأمريكيين يقدرون عدد الأمريكيين الذين يدخلون في الإسلام سنوياً بخمسة وعشرين ألف شخص، وعدد الذين يدخلون دين الله يومياً تضاعف أربع مرات بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حسب تقديرات أوساط دينية. والغريب أن أحد التقارير الأمريكية الذي نُشر قبل أربع سنوات ذكر أن عدد الذين تحولوا إلى الإسلام بعد الحادي عشر من سبتمبر، قد بلغ أكثر من ثلاثين ألف مسلم ومسلمة، وهذا ما أكده رئيس مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكي، إذ قال: (إن أكثر من أربعة وعشرين ألف أمريكي قد اعتنقوا الإسلام بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وهو أعلى مستوى تحقق في الولايات المتحدة، منذ أن دخلها الإسلام).
وهذا كما يدل على القابلية للانسجام مع الفطرة البشرية السوية، التي يتميز بها الإسلام في أصوله العقدية وبنيته التشريعية ونظامه الخلقي، فإنه يدل كذلك على أن الإنسان ما زال هو الإنسان باستعداده للهداية والاستقامة على الطريقة المثلى، مهما تشعبت به الأهواء في الضلال.
وأسباب إسلام الناس متنوعة وكثيرة في الخارج، ولكنها في داخل كيان الإنسان تكاد تتفق في شيء واحد، ألا وهو الرغبة في معرفة الدين الحق، فإن هذه الرغبة هي التي تدفع الإنسان نحو مسيرة من البحث والاطلاع على مختلف الأديان، والمقارنة بينها، وتنتهي به إلى أن الإسلام هو الدين الحق، فيدخل فيه.
وكما أن فريقاً من الناس يسلمون دون أن يطلعوا على العالم الإسلامي، فإن فريقاً آخر يكون تحولهم إلى الإسلام نتيجة لزيارتهم لبلدان إسلامية، واطلاعهم على حياة المسلمين، ومن ثم على الأصول التشريعية والخلقية التي تقوم عليها، في السلوك الفردي وفي العلاقات الاجتماعية، فيؤثر ذلك فيهم ويقودهم الى الدين الحق. وبعض هؤلاء تكون زيارتهم لغرض سياحي، وبعضهم للقيام بتطبيقات لبحث علمي، وبعضهم لتولي أعمال دبلوماسية، وبعضهم للعمل في شركة من الشركات أو مؤسسة من المؤسسات، وهؤلاء هم الأكثرون ومن يسلم منهم أكثر ممن يسلم من الفئات الأخرى. وإذ ذاك، فمن حقهم على المسلمين الأصليين أن يتولوهم بالرعاية والعناية، حتى يتعلموا تفاصيل الإسلام، ويجدوا من يعينهم على الثبات عليه، ويكون عوضاً لهم عمن تخلوا عنه من الأصدقاء الذين يخشون إذا استمرت علاقتهم معهم أن يردوهم بعد إيمانهم كافرين، أو يمكرون بهم.
والمسلم الجديد له امتداد اجتماعي لا يلزمه إسلامه أن يتخلى عنه، كصلته بوالديه وأقاربه وأهل بلده، وهو إذا عاد إليهم فإنه يجد في غالب الأحوال مراغماً كثيراً منهم، حيث لم يعد بوسعه أن يجاريهم فيما لا يقره دينه من عاداتهم في المآكل والمشارب والملابس والمناسبات، والعلاقات الاجتماعية. وهذا يحتاج إلى إعداده لمواجهة الموقف بصبر وحكمة ولباقة، حتى يستطيع أن يثبت أمام معارضتهم في البداية، وقد يكسب احترامهم له ولدينه الجديد في النهاية.
و(رعاية المسلم الجديد) عنوان تندرج تحته أعمال عديدة يمكن أن تصاغ منها برامج، كإجراء مقابلات صحفية أو إذاعية أو متلفزة مع المسلم الجديد، ومساعدته في اختيار اسم إسلامي يريد أن يتلقب به، والربط بينه وبين الذين سبقوه بالإسلام من أهل بلده، أو ممن يتحدثون لغته، وتشجيعه على كتابة قصة إسلامه إذا كانت لها أهمية خاصة، وإهدائه نماذج من قصص الذين أسلموا من الرجال والنساء، ومن ذلك جمع الأسئلة التي غالباً ما يسألها المسلمون الجدد، وإعداد أجوبة كتابية لها، وإفادة الدعاة المتصلين بهذا المجال للاستعانة بها عند الحاجة، وتنظيم برامج ثقافية منوعة بين المسلمين الجدد، كندوات الحوار والمسابقات.
وأهم ما ينبغي أن يقدم للمسلم الجديد هو تعليمه دينه ببيان أركان الإيمان، وأركان الإسلام، والمحرمات الثابتة في المأكل والمشرب والملبس، والعلاقة بين الجنسين والمعاملات المالية، بالطرق والأساليب التي يفهم بها فهماً صحيحاً سليماً من التحريف والتعقيد. ومما يساعد على ذلك توفير الإصدارات المسموعة والمرئية والمقروءة والإلكترونية، التي تقدم معلومات في هذا المجال، وتوزيعها حسبة.
ونظراً لأن (رعاية المسلمين الجدد) موضوع يتطلب كثيراً من العمل التخطيطي والبرمجة والخبرة في التعامل مع اختلاف الناس، فإن رابطة العالم الإسلامي أنشأت لهذه المهمة الرسالية العالمية هيئة مستقلة، سمتها (الهيئة العالمية للمسلمين الجدد)، ولا يقتصر عملها على الرعاية المباشرة، بل يمتد إلى التنسيق بين الجمعيات والمؤسسات العاملة في ذات المجال، مع التعريف بالإسلام، وتبادل الخبرات مع الجمعيات والمعاهد الفكرية، ومراكز البحث، والشخصيات المهتمة بالإسلام والمسلمين.
ومن المسلمين الجدد من يتحمس لأن يصير داعية في أهله وبلده، فيؤسس مسجداً أو مدرسة إسلامية، أو مركزاً أو جمعية، أو مجلة، أو غير ذلك، وقد يختار ثلة من الشباب أو الصغار فيعلمهم ما تعلم من دين الله ومن أصول الدعوة وآدابها، فيتأثرون به ويتخذونه إماماً لهم، وهذه الفئة النوعية تحتاج إلى رعاية خاصة بها، إذ إن الداعية لا يتكون بمجرد الحماس والحرص، فإن مسؤولية الدعوة وتحمل أعبائها عمل رسالي شريف، بل هو أشرف ما يورث من النبوة، ولذلك فإن الداعية ثمرة لجهود علمية وتدريبية يمكن تنفيذها من خلال تنظيم دورات موسعة أو مكثفة في تحصيل الزاد اللازم من علوم الشريعة واللغة العربية، أو من خلال إعداد في أحد المعاهد الخاصة بهذا الشأن.
وإعداد الدعاة من المسلمين الجدد عملية تحتاج إلى متابعة مستمرة في الرعاية والتواصل، بمساعدة الداعية على اختيار الكتب التي لا يستغنى عنها في مستقبله، وإرشاده إلى التسجيلات الصوتية والسمعية البصرية المناسبة، حتى لا يختلط عليه الحابل بالنابل، وإرشاده كذلك إذا صار في بلاده قائماً على بعض المسؤوليات الدعوية، إلى التعرف على الجهات الإسلامية الموثوقة المحلية أو المجاورة، فتكون له عوناً ومصدراً للنصح والتوجيه إلى كيفية التصرف مع الظروف التي يعيش فيها، وفقه التعامل مع قضاياها وحل مشكلات الناس.
والله المستعان وعليه التكلان.
* الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي.