Al Jazirah NewsPaper Thursday  08/11/2007 G Issue 12824
مقـالات
الخميس 28 شوال 1428   العدد  12824
أن يكون البعض أكاديمياً أجوف!!
د. عبد العزيز أبانمي

يبدو أن مصادر العجب والغرابة ومكامن الإثارة والتساؤلات لم تعد في وقتنا المعاصر هذا حكراً على أنماط معينة من البشر اعتدنا جميعنا على أن تصدر منها تصرفات مُربكة تفتقد إلى الإدراك العقلي الطبيعي وينقصها بشكل مَرَضي الوعي بمُسلمات الواقع. ويظهر أن الخروج عن المألوف ألوف والمُفترض لم يعد حكراً على فئة يدعو الله كل من صادفها بأن يهب لها العزيز المنان الشفاء والعافية طالما أنه كان ظاهراً وواضحاً على قسماتها ملامح الشذوذ التفكيري والعقلي والذهني.

وفي زمن أصبح من ملامحه الفارقة وجزءًا من طبيعته أن يتخلى البعض القليل عن مبادئهم ويتدثروا بلبوس مُسلّماتهم ومعتقداتهم وما قد تنوع من أيديولوجياتهم كغطاء خارجي يحاولون أن يستروا به ما أمكنهم ذلك شذوذ أفعالهم ويوظفوا هذا الغطاء بشكل ذرائعي وصولي مقيت كي يحجبوا عن الجميع ما استطاعوا نِفاق أعمالهم وخداعهم لأنفسهم أولاً وللمحيطين بهم ثانياً ممن ارتسمت في أذهانهم صورة مثالية زائفة عن هؤلاء القلة من الأفراد.

وتُضاف إلى قائمة الغرابة هذه بل والاستهجان انسحاب هذا التلون في الأفعال والتلاعب بالمُسلّمات والتذرع بالمُسميات على فئة كنا نعتقد بل وكنا شبه متيقنين من أن حصولها على درجة عالية من التعليم في مختلف المواقع التعليمية الحضارية العالمية وأن احتكاكها بأفراد عديدين منتمين إلى ثقافات متطورة على المستويات العلمية والصناعية والتعليمية والثقافية سيكون عاملاً حاسماً في أن يربأ بهم عن أن يخدعوا أنفسهم قبلاً ومن ثم مجتمعهم بعدا. غير أن الواقع الفعلي الملموس الذي تشهد به تصرفاتهم وممارساتهم يعكس مرارة الحقيقة التي مفادها أن أفضل أنواع التعليم الذي وفرته الحكومة الرشيدة عبر فرص الابتعاث الخارجي وأن أرقى مؤسسات التعليم العالمية المختلفة وأن الاختلاط بالغير والتثاقف معهم لم يكن ليمنع وللأسف مثل هؤلاء من ممارسة المخادعة سبيلاً للوصول إلى ما يبتغونه ولا يتوانون عن اختصار المسافات كيفما كانت الوسيلة سعياً وراء هدفهم الشخصي الذي يبحثون عنه على الدوام.

بل إن درجة المرارة وطعم العلقم يزدادان شدة إن أنت صادفت في مرة ما بعضاً من الأكاديميين الذين يتكشف لك من تواصل تعاملك معهم واضطرارك إلى التفاعل الإجباري معهم أنهم انتهجوا المسلك الانتهازي مع فرصة الابتعاث في نهاية الأمر وقاموا بتوظيف درجاتهم الدراسية العليا، وهي درجات علمية استخدموا في سبيل الحصول عليها، كما هو الحال في سبيل الظفر بفرصة الابتعاث نفسها، أقصر الدروب وسعوا وراء أسهل السُبل كي ينالوا مبتغاهم.

ويمكنك أن تعثر على ملمحٍ لمثل هذه الذرائعية التي تتلبسهم ودليلاً على نكوص همتهم في قصر المدة الزمنية التي أكملوا خلالها دراساتهم العليا أو في قصور المستوى العلمي لأطروحات تخرجهم مقارنة بغيرهم من المبدعين من أبناء الوطن وافتقاد هذه الأطروحات إلى الجِدّة والإبداع والميل صوب تقليد دراسات أخرى وأعمال أكاديمية سابقة كمخرج لإشكالية العجز عن الإبداع؛ وتلا ذلك امتهان ما نالوه من شهادات علمية بتوظيفهم لها سلماً يصعدون على درجاته إلى ما كانوا يحلمون به ويعملون من أجله من مناصب أو في سبيل تحقيق أهداف شخصية أخرى.

ولو أن ضرر هذه المخادعة والذرائعية اقتصر على أولئك الأفراد لهان الأمر غير أنني متيقن تماماً من أن ضرر العمل الذي يقوم به مثل هؤلاء والذي يخالف في كثير من الأحيان مُسلّمات ما كان يُفترض بهم تعلمه ويقف على خط نقيض مع أسس العلم الذي تغربوا بحثاً عن شهادته، أن ضرره أشدُّ وأفدح بل وأكثرُ تخريباً ونخراً لأساسات ما اكتمل من مُنجزات من الضر الذي قد يصدر من أشخاص أقل تأهيلاً علمياً لم يتمكنوا لسبب أو لآخر من التواصل الثقافي والعلمي مع مجموعات بشرية أخرى. ذلك أن المهام التي قد يتسنمونها تتصف بشمولية تأثيرها واتساع نطاق ملامستها للاحتياجات التربوية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع وكذلك امتداد الحقبة الزمنية لمثل هذا التأثير.

الجانب المُظلم في هذا الشأن كله هو أن عَسف المُسلمات العلمية والتلاعب بها من طرف مثل هؤلاء العالة على الأكاديميين الحقيقيين يتم لإرضاء رئيس ما طمعاً في منصب ما أو وصولاً لِمُبتغًى معين يحملونه منذ أمد بعيد. في هذا الخصوص، ينبغي عدم إخلاء جزء من مسؤولية ما يقوم به مثل هؤلاء من على عاتق الأكاديميين الآخرين الذين يتحملون هم أيضاً طرفاً من اللوم لسكوتهم في كثير من الأحيان وعدم الوقوف في وجههم وتبيان خطأ منهجهم في العمل والإدارة وكشف الجوانب السلبية بأسلوب علمي دقيق.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد