* ومع إطلالة اليوم الوطني المشرقة، وسعادة النفوس بها، وافتخارها بالوطن، انتماءً وإنجازاً وحدوياً، وعمرانياً، تنهال الخواطر حول ما كانت الحال عليه وما آلت إليه. ما حدث عام 1351هـ - 1932م من إعلان توحيد مناطق البلاد تحت اسم المملكة العربية السعودية كان تتويجاً رسمياً موفقاً لإنجاز عظيم أعاد إلى البلاد وحدتها، وكانت أولى خطوات هذا الإنجاز العظيم قد تمت في الخامس من شوال سنة 1319هـ - يناير عام 1902م.
* كانت بذرة توحيد البلاد قد وضعت في تربة خصبة، وذلك حينما تمت المبايعة المباركة في الدرعية بين الشيخ المصلح محمد بن عبد الوهاب والأمير الحكيم محمد بن سعود، أمير تلك البلدة حينذاك، وذلك عام 1157هـ - 1744م.
وكان جوهر تلك المبايعة المباركة العمل على إزالة البدع والخرافات المنافية لجوهر توحيد الله الخالص، ونشر هذا التوحيد الذي كان رسالة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ورسالة أسلافه من النبيين والمرسلين عليهم الصلاة والسلام.
* كان الشيخ محمد - بتأمله الواعي لدروس التاريخ - قد أدرك أن أي دعوة إصلاحية يتطلب نجاحها وجود قوة سياسية تركن إليها، فتذود عنها وتناصرها. وكان الأمير محمد - بفكره الثاقب وحكمته - قد أدرك أن الوقوف مع ما رآه حقاً، ذوداً عنه ومناصرة له، فيه مكاسب دينية ودنيوية.
ولقد زاده اطمئناناً إلى تحقق هذه المكاسب قول الشيخ محمد له: (هذه كلمة التوحيد، التي دعت إليها الرسل كلهم.. فمن تمسك بها، ونصرها، ملك بها البلاد والعباد). وهكذا بدأت مسيرة توحيد البلاد من تلك المبايعة المباركة.
* وكما قلت في مقال سابق هذه السطور في عام مضى لكم تكن رياح مسيرة التوحيد تلك رخاء دائماً، لكن ربابنة سفنها كانت ثقتهم بالله، ثم بأنفسهم ومناصريهم، من القوة بمكان عظيم، وكانت مهارتهم في تقليب الأمور عن وجوهها المختلفة من الدقة بدرجة عالية.
* كانت منطقة نجد، المركز والمنطلق لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، منطقة مفككة سياسياً، إذ مضت عليها قرون متوالية لم تذق فيها طعم الوحدة، التي من ثمارها - عادة - تحقق الأمن، ومن ثم الإفادة من الإمكانات الاقتصادية إلى أقصى حدودها المتاحة.
* ولم يمر عقد من الزمن حتى بدأت مسيرة إعادة توحيد البلاد، التي قادها الملك عبد العزيز - رحمه الله - الذي كان يتحلى بصفات قيادية فذة أكسبته إعجاب الكثيرين. وما كانت تلك المسيرة يسيرة، لكن توفيق الله إضافة إلى التحلي بتلك الصفات ووقوف أكثرية السكان في نجد وغيرها، كان دائماً حليف من رفع راية التوحيد، فوصلت المسيرة إلى غايتها المنشودة لتكون المملكة العربية السعودية التي ننعم في ظلها.
* وفي ظل توحيد البلاد الوارف بقيادة موحّدها العظيم، تحقق لأهلها ما تحقق من أمن وطمأنينة، كما تحققت - بفضل الله - ثم بفضل نظرته الثاقبة - بدايات نهضة إصلاحية في مختلف المجالات، حتى أصبحت تلك البدايات هي القواعد الثابتة للنهضة التي يشاهدها الجميع بعد نصف قرن من رحيله إلى الدار الآخرة، فرحمه الله رحمة واسعة.
* وإن ما تحقق من إعادة توحيد مناطق البلاد المختلفة نعمة كبرى من نعم الله التي لا تحصى، والتي توجب شكره - سبحانه وتعالى - على توفيقه وعونه لتحققها، وإن ما أنجز من نهضة حضارية فكرية ومادية المعالم أمر إيجابي يفتخر به ويحمد المولى على أن سدد خطى الجميع، قيادة وشعباً، على القيام به.
* وإن من أدلة الشكر والحمد لله على ما تحقق وأنجز أن يشعر كل فرد من سكان البلاد، رجلاً أو امرأة، بالمسؤولية الملقاة على عاتقه بصفته مواطناً مهماً كان موقعه الإداري والاجتماعي، ويحاول أداء هذه المسؤولية بكل ما يستطيع.
وفق الله الجميع للسداد في القول والعمل.