قصر (ذهبان) من أهم القصور في خميس مشيط، ويقدر عمره بنحو (140) سنة، وهو موجود الآن بحالة جيدة، وقد بدأ بناء القصر الشيخ عبدالعزيز بن حسين بن مشيط سنة 1287هـ، فبنى القصر الأساسي الذي يتكون من خمسة أدوار من الطين والمعروف باسم (مشرِف)؛ لإشرافه على ما حوله، وفي قصر (مشرِف) وُلِدَ الشيخ سعيد بن عبدالعزيز بن حسين بن مشيط (أمير شهران السابق)، الذي شَيَّد بعد تسلمه الإمارة من والده الكثير من القصور، وبنى المجالس المحيطة بقصر (مشرِف)، وبنى المسجد فيه بالإضافة إلى حفر بئرين فيه وأحاطه بأحواش كثيرة، وكان البناء من الطين من تربة خصبة مرتوية لا ينقطع عنها ماء السيل.
ولقصر (ذهبان) أهمية تاريخية، فقد شهد حدثاً تاريخياً ارتبط ببدايات إعلان ولاء منطقة عسير لباني النهضة الحديثة في البلاد الملك عبدالعزيز، طيَّب الله ثراه.. فبعد أن استقر الأمر للملك عبدالعزيز - رحمه الله - في عسير، وعاد الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي إلى الرياض، تاركاً (فهد العقيلي) أميراً لأبها، جمع الأمير حسن بن عايض بعض القوات، وهاجم العقيلي في القصر وأخرجه منه، فاتجه العقيلي إلى خميس مشيط، فاستقبله الشيخ سعيد بن عبدالعزيز بن مشيط في قصر (ذهبان)، وقدم له ولمرافقيه واجب الضيافة.
ثم جهّز الشيخ سعيد بن مشيط والأمير فهد العقيلي مندوبين للسفر إلى نجد لإخبار الملك عبدالعزيز بما فعله حسن بن عايض، فعلم ابن عايض بذلك وأسرع بتجهيز جيش وسار به إلى خميس مشيط التي غزاها على حين غفلة من أهلها؛ وذلك انتقاماً من الشيخ سعيد بن مشيط لاستقباله العقيلي وموالاته للملك عبدالعزيز.
فحصلت المواجهة مع الأمير حسن بن عايض الذي هاجم ابن مشيط في قصره، فتحصّن الأخير في قصوره بذهبان ومعه رجاله ومواليه، ودام الحصار ثلاثة أيام، دار فيها قتال عنيف بين ابن مشيط ومَن معه من أولاده ومواليه وجماعته، حتى حصل صلح بين الطرفين أوقف القتال، ووصول جيش الملك عبدالعزيز بعد ذلك بقيادة الأمير فيصل بن عبدالعزيز، كما هو معروف تاريخياً.
كما شهد هذا القصر استقبال عدد من الملوك والأمراء والوزراء والعلماء وشيوخ القبائل والقضاة. وقد وصف سليمان شفيق باشا القصر الذي زاره أيام الشيخ عبدالعزيز بن حسين بن مشيط، يقول في (مذكراته): (استرحنا قليلاً ساعة الظهر، ثم واصلنا السير حتى وصلنا إلى جوار (حَمُومة) في ساعة المغرب، فأنزلت جنودي فيها، ثم ركبت جوادي وتوجّهت بسرعة إلى وادي شهران الواقع في الجانب الشرقي من (حَمُومة) لأكون في ضيافة عبدالعزيز بن مشيط شيخ قبائل شهران؛ لأن له منزلاً عظيماً في قرية (ذهبان) ذا خمس طبقات محاطة أطرافه بسور، وهو يبعد ساعتين عن المكان الذي أنزلت فيه العسكر، وإنما آثرت المجيء إلى هنا سرعة - على أن يلحق بي الجند في صباح اليوم الثاني - لأن منزل عبدالعزيز بن مشيط بسبب علوِّه تظهر منه مدينة أبها قاعدة الحكومة، ويمكن أن تُرى من سطحه آلة المخابرة بالأنوار الموجودة في أبها، والمسافة بين قرية ذهبان وبين أبها ثلاثون كيلو متراً فقط).
وكذلك وصف فلبي قصر (ذهبان) الذي زاره، في كتابه (مرتفعات الجزيرة العربية) 1/ 263- 264 حيث يقول: (كان فاخراً أكثر من منزل عبدالوهاب - يعني: الشيخ عبدالوهاب أبو ملحة رحمه الله - وكانت الغرف التي رأيتها - بما فيها غرفة الاستقبال - مزخرفة بإحكام بالطراز العسيري للفن، وكانت الحديقة أيضاً أكبر من الحديقة التي تحيط بمنزل عبدالوهاب، وقد أمضيت قيلولة جميلة بعد الغداء في أفياء الأشجار الكثيفة في البستان، وقدموا لي بعدها طبقاً من البرشومي (التين الشوكي)، وكانت أوائل الموسم، ولم تكن كما يجب أن تكون عليه، رغم أنها كانت طيبة المذاق إلى حد مقبول).
إن قصر (ذهبان) هذا يُعَدّ مَعْلماً حضارياً وتاريخياً في خميس مشيط، وهو سكن الشيخ سعيد بن عبدالعزيز بن مشيط (أمير شهران) ومحل ضيافته أيام الملك عبدالعزيز، ووُلد فيه ابناؤه ومنهم الشيخ عبدالعزيز بن سعيد بن مشيط محافظ محافظة خميس مشيط السابق، وفيه أيضاً وُلد ابنه الأستاذ سعيد بن عبدالعزيز بن مشيط محافظ محافظة خميس مشيط الآن.