ما من شك أن المؤسسة التعليمية لها دور أساسي وإيجابي في خدمة المجتمع وتطوير البيئة من خلال قيامها ببرامج خدمية وتنمية، فضلاً عن تنفيذها مناهج تعليمية تستهدف إعداد وتأهيل كوادر مستقبلية تقود قطار التنمية في مجتمعها بجميع مجالاتها، اقتصادية كانت أو اجتماعية. وتعتبر المؤسسة التعليمية كيانا اجتماعيا ينهض على ثلاثة مكونات رئيسية هي: الطالب الذي بدونه لم تكن هناك مؤسسة تعليمية، والمعلم الذي بدونه لم تستكمل العملية التعليمية أصلاً، والإمكانات المادية التي بدونها لم تنهض المؤسسة التعليمية ولم تحقق أهدافها.
ولعله مناسباً في مقالنا هذا أن نتناول هذه المكونات الثلاثة - وفي ضوء ثقافة مجتمعنا - بالمناقشة.
فالمكون الأول وهو الطالب، فقد أعطاه المجتمع فرصة ثرية وموضوعية للتعلم الراقي للحصول على أساسيات العلم النافع بالمجان الذي يقضي على أي تميز طبقي في مجالات وميادين ومستويات العلم المختلفة، فالغني والفقير في ساحة العلم سواء بما يتيح للجميع فرصاً متساوية لإمكانية التواصل مع قنوات المعرفة العلمية ومع مجالات الثقافة؛ الأمر الذي يتيح له الحرية في اختيار المجال الذي يروق له والذي يجد فيه نفسه، ويجدد مستقبله الواعد - بإذن الله - وبما يحقق تميزه ويجسد قدراته، وبما يقوده إلى التفاعل السوي مع بيئته الطبيعية التي تسعى بكل قواها إلى تحقيق ما يشبع حاجاته بما فيها حاجته إلى الشعور بالاستقرار والأمن والطمأنينة العقلية والمهارية والعملية.
ويقوده لذلك ما اكتسبه من معارف ومهارات وصقل للقدرات وإبراز للملكات الإبداعية بما يتيح له المضي في مساحات التواصل المجتمعي أخذاً وعطاءً، ناشداً التطوير والتحديث حيث يضع نصب عينيه مجريات الأمور حوله في المحيط العالمي الذي يتسم بالتغير العلمي التقني السريع.
والحق نقول، ويشهد الجميع القاصي والداني بأننا ها نحن نمضي سريعاً لمواكبة سبل التقدم، وأعني أننا إذا لم نسرع الخطى في المجال العلمي التقني لأضحينا من المأسوف عليهم، ونحن وقادتنا أبداً لا نريد إلا أن نكون مشاركين في ركب التفوق والنبوغ العلمي والتقني.
وإزاء ذلك يلزم أن تعيد المؤسسة التعليمية نظرها في تلك المناهج الدراسية - على المستويات كافة - لتتوافق مع هذا التقدم وذاك النبوغ، وأن تعمل على كسب الطالب إمكانات مضاعفة القدرة على تحقيق طموحاته الذاتية والمجتمعية، وحثه على الانطلاق تجاه التقدم المنشود.
وعلينا أن ندرك بوعينا الاجتماعي والثقافي أن الطالب - في بعض المستويات - لا يستطيع بمفرده سلوك الاجتياز وسلوك الإنجاز بالقدر الذي يمكنه من المضي قدما في طريق التقدم.. ومن هنا يبرز دور المكون الثاني في نهضة المؤسسة التعليمية وهو المعلم المستنير.. المعلم الذي يتسم بالجودة والإتقان.. المعلم الذي يتوافر لديه فكر أكاديمي ومعرفي (علمياً وثقافياً) قيّم، وأن يستحوذ على آليات وإمكانيات حديثة متطورة تمكنه من المشاركة الفاعلة في تحديث المناهج والمقررات، وتكنولوجيا التعليم وطرق التدريب وتنمية الكفاءات وامتلاك الواقعية في التخطيط الذي يؤدي إلى اليسر في الإجراءات التنفيذية.
ومما يجدر ذكره في هذا الصدد أن التخطيط الواقعي والتنفيذ المتقن يؤدي - بالضرورة - إلى تقدم النسق التعليمي، وإلى تطوير (محقق) في العملية التعليمية، وهذا يقود إلى نجاح خطط التنمية الشاملة (المستدامة) التي تدفع إلى تنمية سلوكيات التواصل السوي مع مكونات المجتمع المتباينة.
ومن المتيقن أن تطوير العملية ينهض في الأساس على تنمية قدرات المعلم، وشحذ مهاراته وإبداعاته، فضلاً عن تطوير وتنمية الإدارات التعليمية، وهذا يتفق مع الطموح نحو تقوية العلاقة بين المؤسسة التعليمية والمجتمع، وبين الطالب والمعلم خاصة في سعيهم نحو الربط الموجب بين المؤسسة التعليمية والبيئة المحيطة والعمل على تنميتها وتطويرها وحل مشكلاتها.. وحينئذ يمكننا القول إن المؤسسة التعليمية في خدمة البيئة وتطويرها وذلك بالتعرف على قضاياها والتصدي لتشخيص وتحليل ومعالجة مشكلاتها.
ولعله من حسن القول أن المجتمع الأفضل هو الذي يقدر تلك الأعباء التي يتحملها المعلم، وتتحملها جهة الإدارة من أجل تهيئة مجال علمي مناسب في حدود ما هو متاح من إمكانات تمكنها من عطاء متميز في المردود والإنتاج.
ونصل إلى المكون الثالث في نهضة المؤسسة التعليمية المتمثل في الإمكانات المادية اللازمة للعملية التعليمية.
والجدير بالإشارة إليه أن الحكومة هي المسؤولة عن توفير الإمكانات المادية اللازمة للإنفاق على العملية التعليمية، ويظهر ذلك في الميزانية العامة للدولة ونصيب التعليم فيها، التي يبدو من خلالها الانحياز الكامل للتعليم للوفاء بمتطلباته وللرقي به.
ولذلك فإن الدولة لا تألو جهداً في تقديم كل ما يلزم العملية التعليمية وبطريقة منهجية مدروسة للاستفادة بكل ما يقدم من أجل العلو بمكانة التعليم وتحديثه وتطويره، وتطوير الأجهزة العاملة به؛ للتوافق مع معطيات الحياة المعاصرة ومضامينها التنموية.
هكذا تكون المؤسسة التعليمية واعية بدورها في تحسين البيئة وتطويرها وتنميتها تنمية أكثر تقدما.. وفي الدفع بإمكانات المساهمة الفعّالة في تحقيق أهداف المجتمع الذي حباها بعطائه المستمر دون كلل أو ملل من أجل تأهيل وبناء وإعداد كوادر علمية لديها القدرة على المشاركة الفاعلة، التي لديها الوعي والقدرة، والتي تنطلق بالمجتمع نحو المستقبل الواعد بطاقات انتمائية تلتف حول قائدها بما له من فضل التوجيه والإرشاد لتطوير العملية التعليمية.
فشكراً قائد مسيرة التطور في مجتمعنا الغالي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.