* الرياض - الأسود العنزي:
بين الفينة والأخرى تطالعنا وسائل الإعلام والجهات الحكومية بتحذيرات من التعامل مع بعض الشركات والمؤسسات والأشخاص الذين يقومون بجمع أموال من بعض المواطنين والمقيمين بغرض توظيفها.
هذه التحذيرات المتكررة أوجدت ردة فعل سلبية تجاه هذا المصطلح (توظيف الأموال) لدى بعض الراغبين في الدخول في هذا النوع من الاستثمار، وبالتالي أحجم كثير منهم، الأمر الذي جعل القائمين على هذا النوع من الاستثمارات يلجؤون إلى طرق وأساليب جديدة من خلال التلاعب بالمصطلحات والمسميات؛ فتارة يطلقون على أعمالهم تشغيل الأموال وتارة أخرى استثمار الأموال، وإن اختلفت المسميات فالنتيجة واحدة من قبل المستثمر في هذا المجال وهو تمني الحصول على رأس المال أو جزء منه على أقل تقدير.
جذور القضية
ظهرت فضائح هذه النوعية من الشركات في عالمنا العربي بجمهورية مصر العربية خلال الثمانينيات من هذا القرن، حيث اشتهرت قضية أحمد الريان الذي يعد اسمه أبرز من ظهر في فضائح الاستثمارات الخفية، حيث تم جمع مليارات الجنيهات من أموال الطبقة الكادحة والمتوسطة التي كانت تحلم بالثراء السريع من خلال الوعود التي تم إطلاقها، كما لم يسلم منها حتى علية القوم، فأغرتهم العوائد والأرقام الفلكية للأرباح حتى دارت الرحى على الجميع وتبخرت الأحلام وضاعت رؤوس الأموال. أما لدينا فقد عرفت فضائح هذه الشركات من خلال عدد من القضايا المشهورة منها على سبيل المثال لا الحصر: قضية مساهمة الذهب مروراً ببطاقات سوا وقضايا مساهمات العقار وأخيراً وليس آخراً ما تم الإعلان عنه من إيقاف وتجميد حسابات تسعة عشر شخصاً وشركة يعملون في هذا المجال.
الأسباب
لا شك أن القاعدة الاقتصادية الهشة لمعظم الدول النامية ولدت مثل هذا النوع من الشركات، وانتشرت في ظل غياب قوانين تحكم عملها.
إضافة إلى أن السيولة الضخمة التي كانت تبحث عن قناة استثمارية أسهمت كثيراً في انتشارها، الأمر الذي أوجد معه (نصابين) و(محتالين) مهمتهم الوصول إلى جمع الأموال من خلال إطلاق الوعود الوهمية بمضاعفة الأرباح التي سرعان ما تتبخر وعودهم ليصبح رأس المال أثراً بعد عين. ويندر حدوث مثل هذه الممارسات في اقتصاديات الدول المتقدمة، حيث سُنت الأنظمة والتشريعات التي تنظم عمل مثل هذه الشركات من خلال المراجعة الدقيقة لأدائها، وبالتالي تضييق الفجوة على المتلاعبين. يروي سعد الحكير قصته مع شركات توظيف الأموال بقوله: إنه قرأ إعلاناً في إحدى الصحف المحلية في عام 1399هـ عن مساهمة بإحدى العمائر التجارية التي ورد بالإعلان أنه جارٍ العمل في بنائها، وعندما ذهبت للموقع شاهدت أعمال التشييد وتوجهت إلى مكتب الشركة، وقمت باستثمار مبلغ أربعين ألف ريال مقسمة إلى أربعة أسهم؛ كل سهم بمبلغ عشرة آلاف ريال.
وبعد صب القواعد والأعمدة للمشروع توقف العمل لعشر سنوات وعند مراجعة مكتب الشركة خلال كل هذه الفترة تقدم له الأعذار بأن سبب ذلك هو إجراءات البلدية بوجود ملاحظات على أعمال البناء.
واستطرد قائلاً: إنه بعد مرور خمس عشرة سنة تم الإعلان من قبل مكتب الشركة بأنه تم الانتهاء من أعمال البناء وسيتم المزاد لبيع المشروع، وعند حضور المزاد لم يتم سوى بيع المحلات التجارية التي تقع على الشارع العام بسبب عزوف المشترين عن شراء المحلات التي تقع بالجهة الخلفية لسوء التصميم المعماري لهذه المحلات.
وأردف قائلاً: إنه في كل مرة نراجع المكتب يفيد بأن إعادة أموالنا مرهون ببيع باقي المحلات التجارية والشقق الملحقة بالمشروع. وقبل نحو عام تمت مراجعة مكتب الشركة وأفادوا أنهم مستعدون لدفع ألفي ريال في سبيل تنازله عن باقي المبلغ (رأس المال).
الرأي القانوني
لإلقاء المزيد من الضوء على الجوانب النظامية لهذه الشركات التقت (الجزيرة) المستشار القانوني منصور بن سعد الظفيري الذي أوضح قائلاً: إنه على الرغم من الانحسار الملحوظ لنشاط عمليات توظيف الأموال أو تشغيل الأموال بسبب عدة عوامل منها الوقفة الجادة من الجهات الرسمية ضد تلك الأنشطة، وكذلك الوعي النسبي لدى المواطنين على الأقل بسبب ضياع أموال كثير منهم، إلا أننا ومن خلال تتبعنا لتلك العمليات التي ظهرت بكثرة في السنوات القليلة الماضية نجد أنها تأخذ عدة أشكال؛ فمنها ما يقف وراءها شركات وأحياناً مؤسسات وربما أفراد، والقاسم المشترك بينهما أنها لا تستند إلى أي نظام يدعمها بل تعتمد في تسويقها على وهم الثراء السريع الذي يسيطر على البسطاء من الناس، وهي مخالفة بذلك المعايير والاعتبارات الاقتصادية كلها، بالإضافة إلى المخالفة القانونية الصريحة التي تتجلى عند الشركات والمؤسسات التي خالفت النشاط الحقيقي لها والتفت وتحايلت على النظام بغية الوصول إلى أكبر عدد من ملاحقي وَهْمَ الثراء السريع، وتعظم المخالفة عندما يتولى العملية أفراد، وفي حقيقة الأمر لم تألُ الجهات المعنية كوزارة التجارة والصناعة ووزارة المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي والغرف التجارية جهداً في التأكيد على أن هذه الأنشطة غير قانونية، ويؤكد ذلك تجنب كثير ممن يتولون عمليات التوظيف إبرام عقود صريحة مع راغبي الدخول معهم في محاولة منهم للإفلات من أي مسائلة قانونية، ولعدم وجود نظام قانوني يحكم عملهم.
وعن الإجراءات المتبعة للحد من هذه الظاهرة أوضح الظفيري أنه لا بد من تضافر الجهود للحد من هذه الظاهرة، ومن أهم العوامل هو رفع مستوى الوعي لدى المواطنين تجاه هذه الممارسات التي تدغدغ عواطفهم، ليس إلا وأنه من غير المصور بتأكيد الخبراء الاقتصاديين أن تكون العوائد من نشاط صحيح وسليم شرعاً ونظاماً بهذه الضخامة وبهذه السرعة.
كذلك يجب توعية المواطنين بأنهم عند تسليمهم لأمولهم لهؤلاء المشغلين لها دون أية وثيقة تثبت حقوقهم بناءً على الثقة المجردة يستحيل استرجاعها.
أما عن الطرق القانونية لاسترجاع تلك الأموال التي مر على بعضهم ضياعها سنوات عدة، فقد ذكر الظفيري أن التقدم للجهات القضائية كالمحاكم العامة والجزئية - بحسب حجم المبلغ - وكذلك ديوان المظالم، ويحدد ذلك طبيعة العقد المبرم وأطرافه، كما أننا نجد أن بعض إمارات المناطق قد قامت مشكورة بتشكيل لجان لحل هذه المنازعات.
الآثار الاقتصادية
الجانب الاقتصادي المتمثل في أن جامعي هذه الأموال الذين في الغالب ما يبيتون نية الهروب بها، يقومون بإيداع هذه الأموال في بنوك أجنبية وتحاشي الإيداع في المصارف المحلية خشية تجميد هذه الأموال في حال انكشاف أمرهم، وبالتالي فإن القيام بهذه الأعمال وخروج حجم ضخم من السيولة يؤدي إلى تراجع معدلات الاستثمار ما يؤدي إلى انخفاض مستوى النمو، وبالتالي زيادة في معدلات البطالة.
آخر العلاج الكي
من خلال هذه التحذيرات يتضح جلياً أنها محاولات لعلاج العرض وليس المرض الحقيقي علاج هذه المشكلة ينبع من أسباب ظهورها، فوجود قنوات استثمارية مأمونة المخاطر وبمعدلات أرباح معقولة تشجع على جلب المدخرات وتوظيفها التوظيف الأمثل الذي يعود بالفائدة على المستثمر والاقتصاد بشكل عام هو الوسيلة الناجحة لتفادي دخول المزيد من الضحايا بهذه الاستثمارات التي تكتنف الضبابية صورتها. كذلك رفع مستوى الثقافة الاقتصادية لدى الفرد والمجتمع بعدم الانجراف إلى الشائعات ومقارنة المخاطر المحتملة في أي نوع من أنواع الاستثمارات بهذه الشركات قياساً على العوائد التي يعدون بتحقيقها، ومطالبة هذه الشركات بمزيد من الشفافية من خلال المتابعة الدقيقة لأدائها.
|