أحاول أن أصل إلى إجابة مقنعة حيال علاقة المجتمع، أفراداً وجماعات، بسوق المال السعودية، وإذا كان من الممكن تمييز سوق الأسهم السعودية عن باقي قطاعات الاقتصاد السعودي رضوخاً عند رغبات المواطنين واعتماداً على مبدأ (الخصوصية السعودية)؟.
منذ ثورة الأسهم، أو ما يمكن أن نطلق عليه (فتنة الأسهم) والمجتمع السعودي لم ينفك من التغلغل في سوق المال السعودية وليس العكس، قد أكون مبالغاً في هذا القول، إلا أنها الحقيقة المجردة، حيث أصبح المجتمع بأسرة رهينة لسوق المال. الأطفال والشباب، النساء والرجال، الشيوخ، والقواعد من النساء، لم يتبقَ أحد من فئات المجتمع ليس له علاقة في السوق، إن لم يكن بطريقة مباشرة، فعن طريق التواصل الاجتماعي وتأثرهم بالأفراد والجماعات كحد أدنى للتغلغل العام. هذا التغلغل الكبير أثر كثيراً على أداء المجتمع وعلاقاته الداخلية، وأدى إلى تطويع بعض القرارات المصيرية كي تتناسب مع رغبات المجتمع، وإن كانت لا تتوافق مع متطلبات الحياة. لا يهم فالرأي العام الاجتماعي المرتبط بسوق الأسهم السعودية أصبح أقوى من أن يهمش. أما المجتمع المدني فتحول بين ليلة وضحاها إلى مجتمع منفتح على صالات الأسهم وشاشات التداول وأنظمة الإنترنت. مجتمع متغير، مليء باقتصاديات أسواق المال، ونظريات الأسهم، والرغبات الجامحة في الاستثمار.
الارتباط الوثيق الذي نشأ بين المجتمع وسوق الأسهم أدى إلى ظهور مصطلح (تميز سوق الأسهم السعودية وخصوصيتها) عن الأسواق المالية، وقطاعات الاقتصاد الوطني.
في الحقيقة لم أجد في محيط الخيارات المتاحة ما يمكن أن يدعم خيار (الخصوصية والتميز) اللتين برع في تسويقهما المجتمع السعودي في شتى ميادين الحياة.
أعود إلى التساؤل من جديد: هل نحن متميزون؟ لا أعتقد أننا متميزون عن الآخرين، وإن كان هناك مجالاً للتميز الحقيقي، فهو التميز الديني الذي يشع نوره من أطهر بقعتين على وجه المعمورة، مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وكل ما عدا ذلك لايمكن إدراجه ضمن حالة الخصوصية.
إذاً ما الذي يجعلنا نبحث عن التميز في خلق القوانين والأنظمة، ومحاولة مخالفة من سبقونا بمئات السنين في مجالات الاقتصاد والأسواق المالية. ولماذا نصر على الابتداع ومخالفة الاتباع لمن هم أكثر منا خبرة ودراية وكفاءة في مجالات الاقتصاد والنظم الدنيوية؟. السبب يكمن في أننا نبحث عن إرضاء جميع فئات المجتمع على حساب المنطق، وهذا ما يسبب الارتباك والتخبط في سن القوانين وتعديلها وربما إلغائها قبل تطبيقها.
قطعاً لن ترضي القوانين والأنظمة جميع شرائح المجتمع، ولكنها يفترض أن تتفق مع العقل والمنطق وحاجة المجتمع كي تكون نافذة وملزمة للجميع دون استثناء. ربما أنهيت المقالة دون أن أنفذ من مقدمتها، وقبل أن أنسى، أعود مرة أخرى إلى صلب الموضوع، ألا وهو قرار هيئة السوق المالية الذي ينص على توحيد فترتي التداول وتحديد وقتها من العاشرة صباحاً وحتى الثالثة والنصف مساء، وما أثاره القرار من ردود أفعال غاضبة من بعض فئات المجتمع.
أجزم بأن قرار توحيد فترتي التداول هو أحد أهم القرارات المصيرية التي اتخذتها هيئة السوق المالية لما سيعود به من خير كثير على المجتمع والاقتصاد السعوديين. فالمجتمع سيستفيد كثيراً من عملية توحيد فترتي التداول من خلال إعطاء فرصة أكبر للعلاقات الأسرية والاجتماعية التي يفترض أن تقدم على ما عداها من ماديات الحياة. أما المتداولون فدون أدنى شك سينعمون بوقت فراغ أطول يمكن أن يستغلونه في تسيير أمورهم الحياتية الأخرى، ويبتعدون عن ضغط السوق التي كانوا يتعرضون لها لفترتين يومياً. أما الاقتصاد، فسيجني الخير الكثير من حيث تفريغ معظم المتداولين، وغالبيتهم من الاقتصاديين ورجال المال والأعمال، لمباشرة أعمالهم الأخرى وإعطائها الوقت الذي تستحق بعيداً عن سوق الأسهم. من الجانب الرقابي ونظام التداول فإن هيئة السوق ستكسب مزيداً من الوقت لمراجعة الصفقات والتأكد من المخالفات وإجراء التدقيق الأمثل في فترة زمنية واسعة بعد التداول بعكس ما كانوا يفعلون سابقاً. أما على مستوى تحليل السوق ورصد مؤشراتها اليومية، فالسوق أصبحت الآن تخضع لأرقام إغلاق واحدة يمكن الاعتماد عليها بكل دقة وسهولة، عكس ما كان يحدث سابقاً.
إذاً لا خلاف على أن قرار توحيد فترتي التداول تم اتخاذه بناء على المصلحة العامة، من أجل تحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية المهمة، وللقضاء على سلبيات فترتي التداول. ولكن يبقى قرار تحديد أوقات التداول مثار جدل للجميع، لأسباب عدة من أهمها، تأخر توقيت افتتاح السوق، ووقوع ثلاث أرباع زمن التداول في فترة الظهيرة، الزمن الميت لغالبية شرائح المجتمع، و عدم ملاءمتها لساعات عمل البنوك الرسمية، الجهة المسؤولة عن تقديم خدمات التداول حتى اليوم، وصعوبة التكيف معها خصوصاً من قبل البنوك التي لا تمتلك صالات تداول مفصولة عن الفروع، وتجاهلها لساعات العمل المهمة في الفترة الصباحية، ولساعات الغداء، خصوصاً لموظفي البنوك، وطول فترة التداول الرسمية مقارنة بوضعية السوق الحالية وإمكانية تأثيرها سلباً على مجريات التداول.
أعتقد أن ساعات التداول الجديدة يمكن أن تكون إحدى سلبيات القرار الرئيسة، ودون أدنى شك، فكل فترة يمكن أن تكون إيجابية للبعض وسلبية للآخرين، إلا أنه يبقى الأساس في تحديد فترات التداول على منهجية الأسواق المالية العالمية، وقطاعات الاقتصاد، ودون تمييز لسوق الأسهم عن باقي قطاعات العمل الأخرى إلا في حدود المنطق. بحيث يفترض أن تبقى بداية الفترة من الساعة العاشرة، كمرحلة أولى لتنفيذ القرار، ثم يستعاض عنها بالساعة التاسعة للمرحلة الثانية مع الإبقاء على ساعات التداول الأربع دون زيادة، والنظر في مراجعتها مستقبلاً ًبقصد الزيادة أو النقصان، اعتماداً على حجم السوق وعدد شركاته المدرجة، وزخم التداول.
أعلم بأن هناك من يفضل ساعات التداول المسائية، وآخرون يفضلون ساعات التداول الصباحية، وبين هؤلاء من فرح بفترة تداول الظهيرة، والجميع على حق في أمنياتهم ومحاولتهم تطبيقها على أرض الواقع، ويبقى القرار النهائي مرهون بمنهجية أسواق المال العالمية، وفي مقدمتها الأسواق الخليجية، والعربية، التي يفترض أن تكون الفيصل في تحديد الأوقات المناسبة لفترة التداول الموحدة، اعتماداً على التجارب العالمية والدراسات المتخصصة، وقياسات الوقت وتحديد ساعات العمل المناسبة.
ومن سلبيات القرار أيضاً، وضعه موضع التنفيذ قبل الشروع في تطبيق نظام الوساطة المالية وشركات الاستثمار التي رخص لها مؤخراً. فالقرار في حاجة إلى قاعدة صلبة يمكن لها أن تعالج السلبيات المتوقع حدوثها بعد التنفيذ، خصوصاً سلبيات أوقات التداول. شركات الوساطة، وإدارة الأموال يمكن أن تغني المواطنين عن مباشرة استثماراتهم المالية بأنفسهم، وبكفاءة عالية تفوق كفاءة المتداولين أنفسهم، وتعطيهم مساحة أكبر للاستفادة من سوق الأسهم حتى وهم في أعمالهم الخاصة أو في منازلهم.
ومن السلبيات أيضاً، عدم التناغم بين ساعات التداول اليومية، وساعات عمل البنوك وهو ما قد يفرض على بعض موظفي البنوك مواصلة العمل اليومي من الساعة الثامنة صباحاً وحتى السابعة مساء دون انقطاع، وهو ما يدعونا إلى مطالبة مؤسسة النقد العربي السعودي للنظر في توحيد فترتي عمل البنوك السعودية كي تتناسب مع ساعات التداول، خصوصاً بعد أن نجحت البنوك في تفعيل خدماتها الإلكترونية الشاملة التي أصبحت تغطي 80 في المائة من مجمل العمليات المتاحة للعملاء.
أخيراً، وباختصار شديد، يفترض أن ندرك بأن سوق الأسهم ما هي إلا جزء من المنظومة الاقتصادية الكلية ما يجعلها مرهونة لمنهجيتها الشاملة دون تمييز أو تفضيل، وما يثار حولها من آراء وطروحات يجب أن تكون ضمن إطار أنظمة وقوانين الأسواق المالية كي نضمن لها النجاح، وعدالة التطبيق.
|