إذا حقَّ لنا أن نطلق وصفاً على الشعب السعودي في العامين الماضيين، لقلنا بأنّه الشعب المضارب، فلم يبق أحد ممن بلغوا الحلم إلاّ وأصبح بين عشية وضحاها مضارباً في سوق الأسهم مهما كان حجم رأس المال الذي في محفظته.
ومن الطريف في الأمر أنّ البعض يتسمّر أمام شاشة الحاسب الآلي لأربع ساعات يومياً، إضافة لعدة ساعات يقضيها في تقصِّي المعلومات والإشاعات والحقائق محملاً نفسه تكاليف الإنترنت واشتراك البنك وبطاقات مباشر، ومتقاعساً عن أداء مهام عمله في سبيل محفظة لا تتعدى قيمتها ثلاثة آلاف ريال لا تغطي أرباحها التكاليف المترتبة على المتاجرة بها في سوق الأسهم، وهذا بخلاف الهم الذي يعانيه هذا المضارب المسكين.
أن يكون الشعب مضارباً مشكلة كبيرة ذات إفرازات خطيرة، ففضلاً عن الضرر الذي سيلحق بسوق الأسهم نتيجة تزاحم عدد كبير من أفراد الشعب السعودي على عدد محدود من الأسهم (وهذا ما حصل)، فإنّ الإنتاجية الضعيفة للموظف السعودي (كما تشير بعض التقارير) سوف تصاب هي الأخرى بضرر كبير لتصبح في وضع مخجل، والقصص والروايات المؤلمة التي تشير لذلك لا حصر لها، حتى أنّها وصلت لقطاعات التعليم والصحة والأمن، فهذا جراح يقول بأنّه يفكر في أسهمه وهو يجري عملية لأحد مرضاه، وذاك مدرس ترك طلابه وهرع إلى البنك بسبب رسالة هاتفية تحذره من إنحدار شديد في السوق.
تحوّل الشعب السعودي إلى شعب مضارب، جاء بمحض الصدفة نتيجة لعدّة عوامل تعرّض لها الكثير من الكتّاب الأفاضل، وإعادة الشعب السعودي إلى أعماله وإلى حياته الطبيعية يحتاج إلى خطة تنفيذية لتحقيق هدفين رئيسين، الأول المحافظة على أسعار الأسهم في نطاقات سعرية معقولة، والثاني تخفيف حدّة المضاربة اليومية ودفع المتعاملين بالسوق نحو الاستثمار على حساب المضاربة المؤذية صحياً وغير المجدية مالياً.
ولا شك أنّ وقت ومدة التداول من أهم الوسائل التي يمكن استخدامها في تحقيق هذين الهدفين، بحيث يشعر المواطن وخاصة الموظف غير المتفرغ في هذه الفترة، أن الاستثمار في سوق الأسهم أجدى بكثير من المضاربة، أو على الأقل يحدث نوع من التوازن بين هذين الهدفين.
قرار هيئة السوق المالية بتعديل فترة التداول في السوق لتصبح فترة واحدة من الساعة الحادية عشرة صباحاً حتى الساعة الثالثة والنصف ظهراً من يوم السبت حتى يوم الأربعاء من كلِّ أسبوع، جاء ليحقق الأهداف التي أشرت اليها بعاليه، فهو فعلاً يتسق مع القرارات التي اتخذتها الهيئة لتنظيم السوق وتطويرها.
فالقرار الجديد سيتيح للمتعاملين بسوق الأسهم السعودية أن يستفيدوا استفادة كاملة في ما بعد صلاة العصر لممارسة أعمالهم وأنشطتهم التجارية وهم بكامل عقولهم دون تشويش، كما هو حاصل في فترة التداول المسائية، حيث الجميع يعمل وعينيه ترقب الشاشة وعقله متوزع هنا وهناك، كما أنّ القرار سيخفض عدد المضاربين إلى درجة كبيرة خاصة إذا ضبطت الوزارات موظفيها ومنعتهم من الاستهتار بأداء مهامهم، وهذا ما هو متوقع بإذن الله.
كما أن تداول الفترة الواحدة سيحد من التلاعب والتحايل والتحكم في السوق حيث سيحرم كبار المضاربين ورؤساء المجاميع (القروبات) والمتلاعبين من أعضاء مجالس الإدارات من استغلال الفترة التي تقع بين فترتي التداول لإعداد الخطط والحيل وإنزال الإعلانات ذات الأهداف غير النبيلة، وكل ذلك سيكون من مصلحة السوق دون أدنى شك.
نعم قد تنخفض السيولة إلى أقل من المعتاد بكثير نتيجة قصر التداول على فترة صباحية واحدة خاصة وأن معظم المتعاملين من الموظفين في القطاعين العام والخاص، وقد يكون لهذا تأثير على أسعار الأسهم، ولكن كلي ثقة بأنّ ذلك التأثير سيكون قصير المدى وسيحوِّل السوق السعودي من سوق مضاربي ذي آثار سلبية على الاقتصاد الوطني على المديين المتوسط والبعيد، إلى سوق استثماري ناضج ذي آثار إيجابية على اقتصادنا الوطني، وكلي ثقة بأن السوق سيمتص الآثار المتوقعة على أسعار الأسهم وخصوصا تلك التي وصلت لأسعار خيالية خاصة إذا تحرك المستثمرون الحقيقيون وتحركت المؤسسات المالية والصناديق الاستثمارية.
ختاما أود التوجه بالشكر الجزيل لمعالي الدكتور عبدالرحمن التويجري الذي لاحظنا جميعاً منذ بداية تسلُّمه لعمله كرئيس لهيئة السوق المالية وضوحه وشفافيته حيث دائماً ما يبادر بنشر كل ما يتعلق بتنظيمات السوق المالية أولاً بأول، مما يتيح للجميع إمكانية اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب لتدبر أموره في سوق الأسهم.
|