Saturday 30th September,200612420العددالسبت 8 ,رمضان 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"مقـالات"

مناخ الثقافة في ثقافة المناخ..والعلم له مقاصد مناخ الثقافة في ثقافة المناخ..والعلم له مقاصد
د. عبدالمحسن التويجري

قال الحق عزّ وجل: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} صدق الله العظيم من الآية 50 من سورة الأنعام.
وقال سيد الخلق صلى الله عليه وسلم: (إنما العلم بالتعلم وإنما الفقه بالتفقه). فالعلم والثقافة هدف لأمة عزيمتها تحقيق التقدم بتواصل تطوره وفق برنامج يحقق الغاية، يأخذ بالاعتبار الحاضر وآفاق المستقبل.
وبنظرة عامة فالعلم له معطيات تحدد أهدافه بشكل عام، والمجتمع هو من يُفعِلها وفق برنامج يتناسب مع حدود وواقع هذا المجتمع. بينما الثقافة العامة أو ما هو خاص منها تستدعي أسساً توفر نسيجاً للعلاقات الثقافية بمحتوى من الأفكار بتنوع مصادرها. وهذا النسيج له ضوابط وأهداف تنمو به لتستوعب ثقافة الماضي والحاضر نحو مستقبل آفاقه مزيد من فكر ومعارف تتجدد بطبيعتها من واقع جهد إنساني متواصل.
وهي مرحلة نسيجها يتواصل بتلك العلاقات التي تستمد تطورها من خلال حالة تبادلية للفكر الإنساني بين مجتمع وآخر. وحينها يتوجب نسيج يؤمن قدرة الاتصال، وهي الوسيلة التي تعزز الحالة التبادلية بين ثقافات مصدرها الإنسان أينما كان مما يؤدي إلى فعالية تلك المراحل التي لا يحدّها زمن فيتحقق معها التفاعل بين فكر وآخر بدوافع ونزعات إنسانية يتنامى أثرها حين تعتمد على مبادئ أخلاقية تتميز به، وتمهد لاكتشاف فروق في نمط التفكير والسلوك بين المجتمعات على المستوى الإنساني في كل أبعاده، وما تستطيع استنتاجه من خبرات وتجارب حيث مناخ الثقافة في ثقافة المناخ والذي له ظاهر وباطن، وبما هو ظاهر أو باطن في أصل الثقافة يمكن صياغة أسلوب للحياة - يأخذ به الفرد قبل الجماعة - في جوهره فروقات بالضرورة أن وجودها إثراء تتميز به ثقافة مجتمع عن آخر.
وفهم الثقافة وما يؤسسها يعتمد على ما يستطيع به الذوق والعادات، وكذلك التقاليد تقبلها دون أن يدلنا على وسائل تطبيقها لنجد أن المشهد الذي يواجهنا كنتيجة هو محصلة تشير بأن كل تحليل لازم لفهم الشيء ينتهي بتراكم مركبات لازمة لتحقيقه.
والثقافة لا تتكامل إلا بقيم وأخلاق تتميز بها، وتعكس الصلات الاجتماعية التي من ورائها حيث لا يحددها المبدأ الأخلاقي نفسه فقط بل إن الذوق الفطري يصيغها في صورة معينة ينمو بها الوعي ليحقق معناً آخر للثقافة بحدودها المجردة، ويعرفها من خلال ترابط المعنى بقدرة الإنسان على التفكر في واقع بين يديه، أو بوسيلة من خيال لازم يسبق مرحلة الفهم، بل هو من يصنع شيئا ذا علاقة يتوجب فهمه كواقع كان أساسه شيئا من الخيال.
ومن منظور تتداخل معه الصلات الاجتماعية بالمعطى الثقافي حين التطبيق، فإن الذوق ووسيلته الجمال يُبرز المبدأ الأخلاقي وعلاقته بثقافة المجتمع من خلال تحديد الدوافع والغايات من وراء صياغة الصورة الحاضنة للصلات الاجتماعية، وكذلك المبدأ الأخلاقي.
وهذا وجه آخر للفرق بين الثقافة والعلم؛ حيث العلم تنتهي مهمته عند إنشاء الأشياء والدفع بها، بينما الثقافة تعمل على تجميل تلك الأشياء. ولهذا انعكاس على الواقع الأخلاقي لدى الفرد، وما يحققه بدوافع إيجابية من الممكن أن تُعدل بعضاً من الدوافع السلبية التي ربما يخلقها المبدأ الأخلاقي بما يعتريه من أثر سلبي لسلوك الفرد الصادر من مبدأ أخلاقي مجرد في مواجهة الحساسية الإنسانية والذوق العام.
ومن طبيعة العلم اهتمامه بالصلات التي تشكل مفهوماً لشيء بهدف تعلمه. والثقافة وسيلة تفرض شروطها في تحديد الصلاة بين الأفراد والعلم؛ فالعلم قد يحيط بالمشكلة في شيء معين من خلال بنية هذا الشيء من فكر دون أن يجد في نفسه الدوافع التي تجعله يتصورها.
والثقافة ساحة أرحب للخيال، بينما العلم وسيلته الفهم والخبرة المكتسبة بالتطبيق، وفارق آخر تختص به الثقافة وهو المبدأ الأخلاقي وتأثيره، وأحياناً لزومه حيث لا يحدد الصلات في عالم الأشخاص فقط، بل عامل يثري النزعة الإنسانية، والعلم باعثٌ لمعرفة إشعاعها في توجه لما هو بعيد عن الأحاسيس النفسية، وما هي عليه من ذوق يطلب الجمال.
والعلم أو الثقافة بقدر ما يتميز بهما واقع لمجتمع دون آخر فإن الثابت لزوم كل منهما لحركة المجتمع وأفراده مع النفس والحياة بهما نحكم ونميز غايات ووسائل وأثر كل مجتمع من واقع مخزون ثقافته وعلومه. وبقدر ما نحرص على العلم حيث مظهره مقدار تحصيلنا يخضع لأسلوب قد لا يكون الأمثل ولكنه المتاح.
أسلوب في التحصيل تلاحقه ملاحظات تسعى نحو تطوره، وكذلك ما تعتمد عليه من وسائل تقيّم الجدوى من سعي التحصيل، والتي تلحّ بالملاحظة بحثاً عن أسلوب أكثر فاعلية يتلاشى معها كل أثر سلبي ينال من نفس طالب العلم.
ومع ذلك فإن الحرص منا عليه وسيلة لتقدم أي مجتمع يتلازم مع كل الوسائل التي بها يتحقق مخزون ثقافي الباب من أمامه غير مرصد ولا يملي على ما نسعى به من وسائل ما تعيق بشروطها إنجاز الهدف.
وباب العلم لا يحرسه لئيم لا مروءة لديه؛ فداعيه يستنهض كل إرادة توفرها طاقة الإنسان، فبها وبه ما يعود على كل مجتمع من وسائل التطور والتقدم وبالذات لمجتمع لا يستجدي الحضارة؛ بل هو من شارك بمعتقده وقيمه في تأسيس الأصل منها.
والثقافة بكل ما تلح به جمال للعلم والحياة. على بابها كريم يدفع بمروءته ويغري بها حضور من يطلب المعرفة بلا قيد أو شروط سوى دوافع الفضول بفوضى مقننة ومسعى حثيث.
الثقافة ذلك الشيء الذي نسعى نحوه بالاختيار الذي لا يفرض نمطاً محدداً بقوانين خارجة على قوانين مغرية في أساس الثقافة نفسها، والعلم بقوانين تحصينه يظل الوسيلة اللازم أمرها، ونتائج ما يأتي به سعة في الطريق لكل طموح بناء. وفي قوانينه والمعلوم منها ما يسهل بها المسير، وضرورات تميز كل منهما وفق مبدأ أخلاقي سائد وهو الحادي على الطريق.
وفي الشعر والنثر شواهد منها:
(تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة والحلم)
عمر بن الخطاب رضي الله عنه


من يعدم العلم يظلم عقله أبدا
تراه أشبه ما تلقاه بالنعم
كم من نفوس غدت لله مخلصة
بالعلم في صفحة القرطاس والقلم
والعقل شمس ونور العقل منبثق
منها ومنها ثمار الفضل، تفتهم

الشريف الرضي
(لا يمكن للمرء أن يحصل على المعرفة إلا بعد أن يتعلم كيف يفكر)
كونفووشيوس
(الجاهل يؤكد والعالم يشك والعاقل يتروى)
أرسطو

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved