Saturday 30th September,200612420العددالسبت 8 ,رمضان 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"مقـالات"

جدارة الهدف وخطأ الأسلوب.. جدارة الهدف وخطأ الأسلوب..
السقوط المهني لمسلسلات الإرهاب الرمضانية
د. علي بن شويل القرني

من يشاهد بعض المسلسلات الكوميدية أو الدرامية المعروضة خلال هذا الشهر الكريم قد يلاحظ أن بعضها قد حاول عن عمد أو عن غير عمد أن يشوِّه بعض صور التدين، ومن يتابع هذه المشاهد رغم قلتها ومحدوديتها إلا أنها ربط مباشر بين الإرهاب ومظاهر التدين، وهذا يعتبر تجاوزاً واضحاً للمنطق والمعرفة التي ندركها في مجتمعنا السعودي، فنحن نعرف أن مظاهر التدين ليست إلا واجباً شرعياً على كل مسلم ومسلمة، قد يلتزم بها الجميع، وقد يتكاسل البعض في بعض جوانبها، ولكنها تظل مطلباً شرعياً شئنا أم أبينا.. ومهما حاولنا أن نبرر فلن نغير الواقع الذي أمامنا.. فمعظم شبابنا هم متدينون ولله الحمد.. وهذا مصدر اطمئنان كبير لنا ولمجتمعنا على مر السنوات والعقود.. ونحن نعلم أن مجتمعنا في أغلبيته الساحقة يرفض الإرهاب ويبغض العنف ويدعو إلى الأمن والسلام في بلادنا.. ولهذا فإن هذه المحاولات التي تقوم بها عناصر إعلامية - قد تكون بريئة - من أجل النيل من الإرهاب - والجميع متفق معها على هذا الهدف - قد فشلت في تحقيق هذا الهدف، لأنها في حقيقة الأمر ساهمت في استعداء قطاعات عريضة من أبناء وبنات مجتمعنا، وبدل أن نقف ضد شرذمة محدودة من الإرهابيين، إلا أننا نجد أنفسنا قد وسعنا من الاستعداء لشرائح عريضة من شرائح المجتمعات العربية والإسلامية لم تكن في الحسبان فيما مضى.
ونحن لدينا هدف واحد مشترك نقوم به جميعاً لخدمة مجتمعاتنا في جهودها لمكافحة الإرهاب وتقويض التطرف.. وهذه الأعمال الإعلامية التي نشاهدها في مثل هذه البرامج والمسلسلات ليست إلا جهوداً في هذا الاتجاه ولكنها في نظري لم تحقق الهدف المنشود.. فلم تستطع هذه العقول أن تفرق بين مجموعة محدودة من الإرهابيين، وبين القطاع العريض من المتدينين الذين ربما قد خرج من تحت ظلاله بعض مجموعات متطرفة من داخل هذا النسيج الكبير.. ونحن في مثل هذه الحالات نحاول أن نتوجه بالنقد والمسؤولية للجماعة التي لا ذنب لها في ذلك.. وهذا يذكرني بالمؤسسات الأمريكية التي حاولت عن عمد أن تربط بين مجموعة الخمسة عشر سعودياً الذين شاركوا في تفجيرات نيويورك وواشنطن على أنهم سعوديون، ويجب أن نعاقب المجتمع السعودي الذي أفرز هؤلاء الأفراد.. ونحن لا ننكر أنهم سعوديون، ولكنهم تعرضوا لغسيل فكري أدى بهم أن يتحولوا إلى خلايا إرهابية.. والشيء نفسه يمكن أن يقال بأن هذه العناصر الإرهابية التي حاولت ان تقوض أمن واستقرار مجتمعنا هي أيضاً عناصر انسلت من رحم هذه الشريحة العريضة والكبيرة في مجتمعنا.. ولهذا فلا يجب أن نعاقب الشرائح الكبرى بحجة أن هناك أشخاصاً اندسوا بينهم وحملوا راية التكفير والخروج عن الجماعة.. لأن هذا المنطق هو منطق - كما أسلفت - جماعات ومؤسسات معادية للمملكة في الولايات المتحدة وأوروبا تحاول أن تنال من بلادنا، بترويج أن العشرين مليون سعودي يجب أن يدفعوا ضريبة ما قام به الخمسة عشر فرداً.. ومسلسلاتنا تقول الشيء نفسه أن الأفراد القلة من الإرهابيين الذين لا يتجاوزون المئات يجب أن تدفع ضريبتهم جميع شرائح التدين في بلادنا.
والمشكلة التي عانت منها بعض هذه المسلسلات هي سقوطها المهني في عدم تمكنها من القيام بانتزاع (الحبكة الدرامية) المطلوبة التي تنتقد الإرهابيين ولكنها لا تشهر بشرائح المتدينين أو بمظاهر التدين التي تمثلهم.. وقد يكون أحد الأسباب في ذلك هو غياب كاتب السيناريو الواعي الذي يستطيع أن يقوم بهذا التمييز بين مثل هذه المواقف.. وهنا قد نسدي نصيحة بأن أحد الحلول لمثل هذه المشكلة هي في ظهور شخصيات بمظاهر متدينة ولكن بدون ارتباطها بالإرهاب.. ومثل هذا الظهور سيعطي توازناً، حيث إن بعض هذه العناصر ينجرف إلى الإرهاب، ولكن البعض أو الأغلبية ترفض هذه الأعمال.. هذه الرسالة كانت غائبة في المعالجات الفنية لكثير من هذه المشاهد.
ولا أريد أن أخوض في عمدية هذا التوجه الدرامي أو الكوميدي للمعالجات الخاصة بالإرهاب.. فأريد أن أحسن الظن، ولكن المهم في كل هذا أنه يجب أن نعرف أننا على خطأ في وجود مثل هذه المعالجات، وعلى خطأ أكبر في استمرار هذا النهج لسنوات، ونحن نعيد المشاهد نفسها تقريباً دون إحراز أي تقدم في هذا الموضوع.

رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال - أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved