قام أحد المواطنين المصريين الذي كان يعمل (سابقاً) في أحد القطاعات الحكومية بالمملكة بإرسال مبلغ خمسة آلاف جنيه مصري، إلى وزارة المالية وذلك تبرئة لذمته لما حصل منه (أثناء عمله) من تجاوزات وتقصير في العمل واستخدام بعض الأجهزة واللوازم المكتبية لأغراض شخصية.
كما تلقت وزارة المالية خطاباً من أحد المواطنين برفقة شيك بمبلغ أربعين ألف ريال جاء فيه: (قبل تقاعدي من العمل في إحدى الوزارات كنت أُكلف بالعمل خارج وقت الدوام الرسمي، لكني لم أكن أحضر في بعض الأيام مما جعلني أقطع عهداً على نفسي بأن أرد المبلغ الذي حصلت عليه مقابل عملي خارج وقت الدوام الرسمي إلى خزينة الدولة في وقت لاحق، وها أنذا أفي بوعدي راجياً صرفه بما ترون).
أسعدني هذان الخبران كما سعدت بتلقي وزارة المالية استفسارات من المواطنين والمقيمين حول رغبتهم في تبرئة الذمة من المبالغ التي يرون أنهم استلموها بغير وجه حق أو لديهم شك في صحتها.
وبناءً على ذلك صدرت الموافقة السامية على فتح حساب خاص لدى أحد البنوك تشرف عليه وزارة المالية يودع فيه من يرغب من المواطنين والمقيمين إبراء ذمته من المبالغ التي يرون أنهم استلموها بغير وجه حق، وقد تمَّ فتح حساب خاص بذلك لدى مصرف الراجحي برقم (0510005-60801-126) وسيتم بها تمويل بنك التسليف السعودي، حيث إنه من مصادر البنك التمويلية (أية مخصصات أو أموال تعين الحكومة بها البنك) وستصرف حصيلة هذه المبالغ على القروض الاجتماعية وترميم المنازل ومساعدة الأسر، وإعانة الشباب على الزواج.
والحقيقة أن التشاؤم يعترينا والإحباط يصيبنا حين نرى تسيُّب بعض الموظفين وعدم اهتمامهم بأوقات العمل، حيث يحضرون لمكاتبهم بخمول وكسل ولا يكاد أغلبهم ينجز العمل كاملاً بل يؤدونه بتراخٍ وتهاون ويمضون الوقت في تبادل أطراف الحديث، أو مدّ موائد الإفطار، أو ترك سماعة الهاتف معلَّقة لعدم الرغبة في الرد على أصحاب المعاملات، وجعل جهاز الهاتف وقفاً للاستخدام العائلي والشخصي! أو إغلاق المكاتب بمجرد قُرب موعد الصلاة، والمبالغة في الأعذار للتغيُّب عن العمل سواء بالإجازات الاضطرارية أو المرضية، أو الاستئذان! فبعض الموظفين ينظر للوظيفة على أنها دخل مادي ونفوذ اجتماعي، ويكون النظام لديهم مرتبطاً بالهيمنة والتسلُّط، بل يصل الأمر إلى تخطي النظام في كثير من أساليب العمل.
وإن سعادتي بإنشاء الصندوق ممزوجة بحزن وألم، ومصدر سعادتي هو استيقاظ الضمير والسعي لإصلاح الأخطاء بردّ الأموال.. أما منبع حزني فهو حدوث الخطأ أصلاً، وألمي بسبب ما نراه وما تعانيه بلادنا وكثير من البلاد حولنا من فساد إداري، على الرغم من أن ولاة الأمر ما فتئوا يؤكدون في كل مناسبة الحرص على قضاء شؤون الناس والسرعة في تخليص معاملاتهم، ولعل ما نشاهده من إهمال أو تقاعس عن العمل أو نقص في الذمم يُعد في حكم الأخطاء الفردية التي لم يستشعر فاعلها عظم الأمانة التي أُوكلت له، فالوظيفة ليست صلاحيات مجملها أمر ونهي، بقدر ما هي تحمُّل مسؤولية سيُحاسب المرء عليها في الدنيا والآخرة، وما قِلة التوفيق في النفس والمال والولد إلا من التقصير في أداء الأمانة وظلم الناس بتضييع حقوقهم والاستهتار بحاجاتهم.
ويا (صاحب الضمير الذي استيقظ): هبك أعدت المبالغ التي استلمتها دون وجه حق، ترى ما أنت فاعل الآن حين تعلم أنك قبل سنين مضت لم تكن متواجداً في مقر عملك في الوقت الذي يقف أمام مكتبك المحتاجون لخدماتك أو توقيعك أو توجيهك، فضاعت حقوقهم؟! وما بالك بالعاجزين عن الوصول لمكتبك إما لكبر السن أو الإعاقة أو بُعد المسافة، أو المانع الشرعي كالنساء ممن يفتقدن وجود مراجع لتلك الدوائر فلا ترد على جهاز الهاتف أو تترك السماعة معلَّقة؟! أقول هبك أعدت المبالغ المادية فهل حقاً برأت ذمتك المعنوية؟!
شكراً للدولة على فتح الحساب بهذا الشكل من السرية وحفظ كرامة الناس، وشكراً لكل من راجع نفسه فأعاد ما كان قد استحله بدون وجه حق.. أما السادرون الذين لم يستيقظ لهم ضمير بعد، فأرى أن يراجعوا أنفسهم فربما يكونون قد فقدوا ضمائرهم!!
هؤلاء حقاً محتاجون لصناديق من الضمائر بشرط أن تكون حية غير مطبوخة بأواني نقص الذمم، أو مجمَّدة في ثلاجات الفساد!
*ص ب 260564 الرياض 11342 |