Thursday 21st September,200612411العددالخميس 28 ,شعبان 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الريـاضيـة"

الحياة برؤية أخرى الحياة برؤية أخرى
د. سهام العيسى(*)

في زاوية بعيدة بمكتبة fenwick التابعة لجامعة جورج ميسن كنت أراها تجلس لساعات طويلة وهي تقرأ بهدوء تام، وإذا صادف أن مررنا بقربها أنا وصديقتي الصينية كانت تتوقف..... نلقي التحية عليها ونرحل، كانت تسير بثبات وثقة في أرجاء الجامعة بمساعدة عصاها..... قررنا أن نعرف في أي قسم تدرس وأين موقعه في الجامعة..... بحثنا عن المكان..... وفوجئنا بقسم متكامل تابع للجامعة..... تكلمنا مع إحدى أستاذتها وسألنا ماذا يقدم القسم من خدمات لهم..... بدأت بتعريفنا كيف يتم تقسيم الطلاب وكيفية التعرف على مهاراتهم ومواهبهم وقدمت عرضاً موجز لطرق تعليمهم لإمكانيات القسم وبدأت بعرض إبداعات البعض منهم (رسامون وكتاب وحتى مخترعين) صمتنا والذهول يرتسم على وجوهنا فكلتانا تنتمي إلى ثقافة الشعور بالإشفاق على تلك الفئة فقط.....
منذ ذلك اليوم بدأت حاسة الرصد والمتابعة تقوى لدينا فكنا نراقبهم في المطعم..... وعند الساعة الخامسة وهو وقت انصرافهم..... ورغم اختلاف إعاقتهم كانوا مندمجين، بينهم لغة خاصة من الود والتفاهم وشعور قوي بالرغبة في التعلم والاندماج بالحياة فلم يكن ما يعانونه هو الحاجز المدمر لرغبتهم وسعادتهم في الحياة.
إن الإحساس بالسعادة إحساس نسبي ويتفاوت من شخص إلى آخر، فها هو نابليون بونابرت يقول (إنني لم أذق طعم السعادة إلا ستة أيام) أما هيلين كيلر فتقول (أنا أسعد إنسان، أسعد امرأة. خلقت لأتمتع بحياتي... وقد تمتعت منذ ولدتني أمي..... وقد تعجبون لقولي، ولكن اعلموا أني وهبت هذه السعادة إلى ذاتي، بما رضت نفسي عليه وبما عودت فكري وبما طبقته على حياتي من مبادئ لا أحيد عنها، ومن قواعد لا أهرب منها).
في الماضي رغم إيمان الكثير بأن هذا أمر رباني كانت العزلة والإقصاء من الحياة هو ما يقدمه لهم المجتمع وهذا يؤدي إلى تراكم التأثيرات السلبية وترسيب الإحساس بالخوف والقنوط وبالتالي الانسحاب واليأس من الحياة...وفي الخمسينات والستينات من القرن الماضي كانت هناك حالات إقصاء مدمرة لبعض أفراد هذه الفئة رغم تغليف ذلك بغلاف حضاري وإنساني بحجة الرغبة في تعليمهم، وحيث إن المراكز في دول الخليج غير مؤهلة لذلك فيتم إرسالهم إلى المنفى التعليمي... إلى دور التأهيل والرعاية في لبنان ومصر والأردن وغيرها ويبدأ الإحساس السنوي بهم في وقت إجازة الصيف ثم يبدأ هذا الإحساس نتيجة -للبعد- يفتر على مر السنوات وتنخفض درجة الشعور بالذنب تجاهه فقد تم وضعه في مجتمع ملائم له..... وتحرر من نظرة المجتمع ولن يشعر بنظرات الشفقة..... تستمر تلك العلاقة السنوية في أغلب الأحيان إلى أن يفقد أبويه وهنا قد يستمر الإخوة في إرسال تكاليف دور التأهيل أو لا يرسلون ويصبح هو مجرد رقم في الحياة ينتظر مستقبل مجهول، هذه النظرة والتصرف القاسي الذي انتزع حق الحياة منهم غالباً ما تأتي من أبوين أنانيين يبحثان عن الراحة والهروب من المسؤولية ومن صورة تمثل عجزهما أو فشلهما في التربية أو نتيجة لضعف الوازع الديني لديهما.
على الجانب الآخر نجد صورة مضيئة لأبوين دافعا عن حق أبنائهم في الحياة في الماضي والحاضر.
يفتخر الأستاذ جاسم البدر في مقابلة أجرتها معه جريدة القبس الكويتية العام الماضي (2005م) بأنه أبو البطل الذي زينت صدره الأوسمة المحلية والعالمية، ومشعل الوحيد الذي حصل على شهادة الغوص بالمعدات وهي الشهادة الأول التي يحصل عليها مصاب بحالة من حالات داون وهو يعتبر أسلوب الدمج في المجتمع، كان له دوره في تطوير قدراته الذهنية ولكن الانعطاف الكبير كان عندما انضم لنادي المعاقين الرياضي.
مجتمعنا لا يخلو من أمثلة تجعلك تشعر بالاحترام لآباء حرصوا على التعامل مع أبنائهم بوعي لم يشعروا بالخجل بل كان الإحساس بالمسؤولية والحب هو الدافع الأساسي للاهتمام والعطاء الصور المشرقة كثيرة في مجتمعنا ولن أتحيز وأذكر صورة دون أخرى لأب أو أم منحها الله طفلا ذا احتياجات خاصة وكانا في قمة العطاء والحب لهذا الطفل.
تعد المملكة العربية السعودية من أوائل الدول العربية التي تعطي اهتماماً خاصاً لذوي الاحتياجات الخاصة والعمل على تأهيلهم في نواحي الحياة المختلفة ورغم هذا الاهتمام نحتاج إلى تغيير نظرة المجتمع ككل وكذلك وتوفير لخدمات لهم في كل مكان: مستشفى، مدرسة، سوق، مطار، بنك، مواقف وغيرها من مرافق الحياة..... يجب أن تكون معايير التخطيط مزدوجة ولكلتا الفئتين بالتساوي.
ما دفعني للكتابة هو تتويج المنتخب السعودي لذوي الاحتياجات الخاصة بطلاً لكأس العالم الرابعة لكرة القدم بعد فوزه على المنتخب الهولندي، هذا الفوز الذي بمثابة هدية للوطن يتزامن مع قرب العيد الوطني..... هذا الفوز الذي شارك بصنعه أبطال تحدوا الحياة، وجهاز تدريب استطاع أن يتجاوز معاناتهم ويحولها إلى نصر..... وحتى يصلوا إلى نقطة الانطلاق هذه كان هناك أهل ودولة سعت أن تقدم لهم المساعدة متمثلة في التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية فهنيئاً للوطن بهم ومبارك لنا جميعاً بأغلى هدية من أبنائنا الذين استطاعوا أن يمارسو حقهم بالحياة برؤية وفلسفة أخرى بعيد عن تلك النظرة السلبية والانهزامية...

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved