تتجه بعض الدول التي تعاني من مشكلات اقتصادية عميقة أو تلك التي يراد لها لسبب أو لآخر أن تنهض من وضعها الحالي إلى تبني برامج شاملة لإعادة هيكلة اقتصادها. ومن عادة هذه البرامج أن تكون مكلفة جداً ولا تستطيع هذه الدول تحملها بمفردها، إذ لا بد من دعم خارجي يتناسب مع حجم الأهداف المراد تحقيقها. وعادة ما تشترك في ذلك هيئات ودول وشركات خاصة.
ويفترض أن تبدأ هذه البرامج بتقييم الوضع الحالي، وإعداد قائمة بأهم الاحتياجات والأساليب المثلى لدعم هذه الاقتصادات، ومن ثم الانطلاق مما هو متاح حالياً. وتكمن إشكالية كثير من الدول النامية المحتاجة لإعادة الهيكلة في افتقارها إلى أبسط المقومات الاقتصادية، فضلاً عن الهياكل الإنتاجية والمالية، إضافة إلى قائمة طويلة من المشكلات التي تراكمت عبر السنين، ويأتي في مقدمتها ضخامة حجم الدين العام، وبخاصة الخارجي منه، والتدهور المستمر في سعر صرف العملة المحلية، وتدني مستوى التدريب والتأهيل.
وتزداد المشكلات سوءاًَ متى صاحبها فساد مالي وإداري، إذ تفشل حينذاك محاولات إعادة التأهيل كلها. وفي هذا السياق، تشير عدد من الدراسات التي أجريت على بعض البلدان المستفيدة من برامج دعم مقدمة من هيئات دولية ودول مانحة على مدى الخمس والعشرين سنة الماضية إلى أن كثيراًَ من هذه البرامج لم تؤتِ أكلها بسبب هذه المعضلة. إذ وجد في عدد من الحالات أن الإعانات والهبات النقدية لم تصرف فيما خصصت له، وأن المشروعات التي كان يفترض أن تمولها هذه المساعدات لا وجود لها، أو أنها موجودة ولكن بشكل أدنى مما كان مخططاً له. أما المشروعات المنفذة مباشرةً من قبل الجهات المانحة، فغالباً ما كانت تسند كلياً أو جزئياً إلى منشآت مملوكة لذوي النفوذ في حكومات الدول المستفيدة أو لمن هم على صلة بهم. الأمر الذي أدى إلى ظهور مشروعات يصدق عليها المثل القائل: (تسمع بالمعيدي خير لك من أن تراه).
ومن يقدر له الاطلاع على بعض هذه المشروعات سيجد مشروعات كهرباء على سبيل المثال تتلخص في مولدات لا تزيد قدرتها على إنارة منزل كبير مخزنة في غرفة مظلمة لعدم وجود شبكة كهرباء، ومشروعات مياه تأخذ شكل أنابيب ممددة على جوانب الطرق أصبحت مأوى للحشرات وصغار الحيوانات في انتظار حفر الآبار. ولا يمكن إغفال المشروعات التعليمية المتمثلة في غرف متجاورة عليها لوحة تفيد بأن هذه المدرسة أنشئت بدعم من جهة مانحة. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن برامج المنح الدراسية الخارجية التي تقدمها بعض الجهات الدولية يفتقد التأهل لها إلى مبدأ تكافؤ الفرص، إذ غالباً ما تكون حكراً على فئات معينة ويحرم منها من يستحقها.
إن ما تحتاجه هذه الدول قبل البدء في أية برامج لإعادة التأهيل هو القضاء أو التخفيف من حجم مشكلة الفساد المالي والإداري الذي تفشّى حتى أخذ شكل الظاهرة. ومن ثم البحث عن الآليات التي تضمن الاستفادة المثلى من هذه البرامج، وتضمن وصول المشروعات والبرامج التنموية إلى مستحقيها، وتشيع روح الطمأنينة والثقة لدى المستثمرين سواءً المحليين أو الأجانب. ومن دون هذا لن تختلف هذه البرامج وينطبق على الجهات المانحة ما انطبق على أبي زيد.
|