Thursday 14th September,200612404العددالخميس 21 ,شعبان 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"سين وجيم"

... فتاة الثامنة عشرة ... ... فتاة الثامنة عشرة ...

في ربيع عام 1992 واجهت أسرة بلجيكية أعتى المخاوف..
كانت ابنتهم ليزا البالغة من العمر 18 عاما تخطو أولى خطواتها في ربيع عمرها عندما أخبر الطبيب والدها أن مرض سرطان الدم قد داهمها..
قال الطبيب إنها يجب أن تجري جراحة لزرع النخاع العظمي..
كانت هذه الجراحة معاناة مؤلمة وصعبة بالنسبة لكل من المريض والمتبرع.. يقول والدها (برنارد ليرنو):
أخذت الأسئلة تحوم في رأسي.. السؤال تلو السؤال: كيف يمكن أن نعثر على متبرع..؟
هل ستتحمل ليزا هذه الصدمة وكل هذا الألم!
كم ستتحمل ليزا هذه الصدمة وكل هذا الألم!
كم ستتكلف هذه العملية الجراحية؟
هل بوسعنا تحمل نفقاتها؟
هل سيبقى معنا ما يكفي من المال للوفاء بمتطلبات أبنائنا الخمسة الآخرين..
أخذت الأسئلة تتسارع في رأسي ورأس زوجتي بشكل دائم.
أسئلة بدون إجابات فورية.. إنها العذاب بعينه
إنها الأسئلة التي سرقت من أعيننا النوم ليلاً..
أخذت أتساءل: ما الذي يمكن أن يحدث ليحيل هذه المأساة إلى نعمة؟
وفي إحدى الأمسيات بينما كنت أقرأ في مكتبي جاءت ابنتي الصغيرة إيفا وأطلت برأسها عند الباب.
- أبي هل يمكن أن أتحدث معك قليلا؟
- بالطبع يا إيفا، ما الخطب؟
- كنت أتساءل، أعني، أنني ما زلت صغيرة وأتمتع بصحة جيدة ربما يمكن أن يتفق نخاعي العظمي مع نخاع ليزا؟
لم أصدق أذني (هل تتطوعين لإجراء هذه العملية المؤلمة لإنقاذ حياة أختك)؟
لا أدري إن كان نخاعي سوف يتوافق مع نخاعها ولكنني على استعداد لعمل أي شيء لمساعدة ليزا
أخذت أتأمل إيفا لبرهة من الوقت..
وفي النهاية قلت: دعينا نحادث الطبيب غداً.
سوف يجري بعض الفحوصات عليك ليبحث إمكانية إجراء الجراحة. هذا عرض سخي وشجاع منك يا إيفا (أشكرك).
وعندما جلست، شعرت أن الله قد من عليّ بهذه النعمة العظيمة نعمة الأبناء الذين لا يتوانون عن خوض الآلام والمعاناة لإنقاذ حياة أشقائهم.
وفي اليوم التالي خضعت إيفا لبعض الفحوص ووجد الأطباء أن نخاعها مناسب تماما لنخاع أختها الكبرى وكانت هذه هي الهدية الثانية. ثم بدأنا بعدها نستعد للعملية الشرسة. كانت الاستعدادات مكثفة وكثيرة. أصبحت تعج يومياً بالاستعدادات البدنية والعاطفية والذهنية، وقد وضعنا نصب أعيننا احتمال تحقق المعجزة وفي اليوم الذي سبق العملية وقفنا جميعاً خارج غرفة الإشعاع. نتحدث مع ليزا من خلال مكبر الصوت بينما كانت تجري مسحاً إشعاعياً كاملاً.
شعرت بغصة في حلقي وألم في بطني. وحرقة في عيني، ودوار في رأسي كما لو كنت غير مصدق. إن كل هذا يجري لأسرتي.
وأخيراً جاء اليوم الموعود.. ها هي ذي غرفة العلاج الخاصة التي لا يمكن أن ندخلها إلا واحداً واحداً ونكون مرتدين حُلة طبية معقمة.. جلست وأخذت أراقب هذا الكم الهائل من الخلايا الحية التي استخرجت من عظم إيفا وهي تمر عبر أنبوب بلاستيكي ضئيل في الصمام الوريدي المعلق بكتف ليزا.. ثم كسر صوت الطبيب الصمت المميت قائلاً: سوف يستغرق الأمر مائة يوم..
ما يقارب أربعة أشهر إلى أن نقرر نجاح العملية الجراحية.. وعشنا الانتظار.. وفي أحد أيام الصيف أخبرنا الطبيب بأن العملية ناجحة، سقطت مني السماعة وتسارع كل أفراد الأسرة لتبين الأمر.
عجزت عن الحديث..
ليزا سوف تعيش..
أخذنا نتبادل الأحضان والتهاني.. وانهالت علينا المباركة من كل جانب..
وفي أثناء جلوسنا في حديثة المنزل بالاحتفال بهذه المعجزة إذا بظل طائر ضخم يحوم.. لقد كان ظله يطير فوق رؤوسنا..
لقد كان مشهداً نادر الحدوث..
كان يمثل رمز التحرر من الخوف..
ومن أسوأ تجربة يمكن أن يمر بها الشخص في حياته.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved