سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..تعقيباً على الخبر المنشور في عدد يوم 14-8-1427هـ بعنوان (خسوف جزئي متواضع للقمر اليوم) حيث جاء في الخبر ما نصه: (والخسوف والكسوف حدثان سماويان، وهما ظاهرة فلكية طبيعية تعني الاحتجاب الجزئي أو الكلي لجرم سماوي بواسطة جرم سماوي آخر، وارتبطت هاتان الظاهرتان بالخرافات والأساطير والخوف...).والمستغرب في هذا الخبر القول إن الكسوف ظاهرة فلكية طبيعية، وأنها ارتبطت بالخرافات والأساطير والخوف، وهذا القول عند تأمله تتضح مخالفته لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالخسوف والكسوف كما أن لهما أسبابهما الحسية المعروفة عند علماء الفلك، فإن لهما أسبابهما الشرعية وحكمتهما الإلهية، ومعرفة ذلك أهم بكثير من معرفة الأسباب الحسية التي ورد ذكرها في الخبر، ولهذا نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم في سنته وبيّنها لأمته، ففي الصحيح عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن الشمس انكسفت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته وإنما يخوف الله بهما عباده، فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينكشف ما بكم).
فهذا التوجيه من النبي صلى الله عليه وسلم بيان لأمته الحكمة الإلهية والأسباب الشرعية للكسوف والخسوف، وهي تخويف الله للعباد ليرجعوا إليه ويستقيموا على دينه وينتهوا عن معاصيه ومساخطه، قال تعالى:)وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا (وهذه الأسباب الشرعية لا يمكن معرفتها عن طريق الحساب الفلكي، وإنما تعلم من نصوص الشريعة، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما كسفت الشمس في عهده خرج فزعاً يجر رداءه ليصلي بالناس، وأمر بأن ينادى الصلاة جامعة فاجتمع الناس، وصلوا خلفه صلاة الكسوف، وعلموا من سنته القولية والفعلية أن هذا الكسوف من الآيات العظيمة التي يخوف الله بهما العباد، وأنه يشرع لهم الصلاة والدعاء والاستغفار.
فلو كانت ظاهرة طبيعية كما أشار إليه الخبر لما فزع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفزع ونادى في الناس ليجتمعوا ويتضرعوا إلى ربهم بالصلاة والدعاء والذكر، ولو كان الخوف من الكسوف ظاهرة لا ارتباط لها بالكسوف لعطلنا قول الله تعالى (وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنهما آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (والسبب الشرعي هو تخويف الله لعباده كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا أمرنا بالصلاة والدعاء والذكر، فهذا السبب الشرعي هو الذي يفيد العباد ليرجعوا إلى الله، أما السبب الحسي فليس ذا فائدة كبيرة، ولهذا لم يبينه النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان فيه فائدة كبيرة للناس لبيَّنه عن طريق الوحي، لأن الله سبحانه وتعالى يعلم سبب الكسوف الحسي..) إلى أن قال: (ومثل هذه الأمور الحسية يكل الله أمر معرفتها إلى الناس وإلى تجاربهم حتى يدركوا ما أودع الله في هذا الكون من الآيات الباهرة بأنفسهم، أما الأسباب الشرعية التي لا يمكن أن تدركها العقول ولا الحواس فهي التي يبينها الله للعباد).وقال رحمه الله: (فإن قال قائل: كيف يجتمع السبب الحسي والشرعي، ويكون الحسي معلوماً للناس قبل أن يقع، والشرعي معلوم بطريق الوحي؟ نقول: لا تنافي بينهما، لأنه حتى الأمور العظيمة كالخسف بالأرض والزلازل والصواعق وشبهها التي يحس الناس بضررها، وأنها عقوبة، لها أسباب طبيعية، يقدّر الله هذه الأسباب الطبيعية حتى تكون المسببات، وتكون الحكمة من ذلك هو تخويف العباد واستقامتهم على دين الله).
علي بن فهد أبابطين عضو هيئة التدريس بالكلية التقنية ببريدة |