Thursday 14th September,200612404العددالخميس 21 ,شعبان 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الرأي"

خطيب الجمعة.. نلومُه أم نعذره ؟! خطيب الجمعة.. نلومُه أم نعذره ؟!
السيد خضر

معذور هذا الرجل حقاً.. ومُلام أيضاً في الوقت نفسه من كثير من الناس.. فهو مطلوب منه - بحسب ما يُكتب في الصحف ويردده المتحاورون في برامج الفضائيات - إصلاح الكون من حوله خلال ساعة أو نصف ساعة كل أسبوع، هي مدة خطبة الجمعة.. بالرغم من أن مستمعيه - إن دقَّقتَ النظر فيهم - تجدهم بين نائم أو متناوم، أومن حلَّ عليه تعب الأسبوع فهو لا يتمالك نفسه أثناء جلوسه بالمسجد؛ يطيح تارة عن يمينه وتارة عن شماله.. واليقظون منهم بين عابدٍ وناقد، عابدٍ أثَّرت فيه الموعظة ففاضت دموعه خشوعا أو بكى، وناقدٍ يُحصي الأخطاء على الخطيب إملاء ونحواً وأسلوباً فتململ واشتكى!!
من الغريب والعجيب أن يُطلَب من هذا الرجل أن يُصلِح ما أفسدته الفضائيات، والخلافات الأسرية، ويعالج سلبيات التحضر التي هزَّت أركان المجتمعات.. ويطلب منه أيضاً أن يعيد الشباب المنحرف من مدمنين ومدخنين ومفحطين وعاقين لآبائهم إلى جادة الصواب حتى وإن لم يأتوا إلى المسجد!!؛ فترى هناك من يدَّعون الإصلاح، وقد عجزوا عن إصلاح أبنائهم - على قلة عددهم - في بيوتهم يلقون باللائمة على أئمة المساجد وخطباء الجمعة في استشراء كثير من المفاسد وانتشار الأفكار الهدَّامة بين مختلف فئات المجتمعات وبخاصة الشباب .. متناسين أن المساجد اليوم لا تلعب ذلك الدور التربوي والاجتماعي والتوعوي الأساسي الذي كان منوطا بها في الماضي؛ فقد شاركها بل استحوذ عليه منها المدارس والجامعات والنوادي الرياضية والاجتماعية، ووسائل الإعلام بكافة صورها وأشكالها؛ فالمساجد الآن تكاد تكون للصلاة فقط، وإن وجدت محاضرات ودروس فيها فهي على فترات متباعدة وبموعد قد لا يعلم به الكثيرون، وإن علموه فهم مشغولون عنها أو متشاغلون..
ومن وجهة نظري يجب ألا يُلام خطيب الجمعة إلا إذا قصَّر في اختيار موضوع خطبته، أو أخفق في توصيل ما يريد أن يقوله من وعظ وتذكير إلى المصلين فنام البعض، وشرد البعض الآخر بفكره بعيداً عن المسجد، فلا يفيق إلا بقيام الناس من حوله للصلاة؛ فعلى الخطيب أن يختار الموضوعات التي تمسُّ حياة الحاضرين اليومية، وما يحتاجونه لإصلاح أمور دينهم بأداء عباداتهم بصورة سليمة متقبَّلة إن شاء الله، وإصلاح أمور دنياهم التي لن تستقيم أبداً إلا باستقامتهم على الصحيح من الدين.. وعليه أن يراعي نوعية هؤلاء الحاضرين من حيث الثقافة والفكر، وأن يخاطب الناس على قدر عقولهم، وأن يمسَّ بموضوع خطبته هموم الناس ومواطن آلامهم، مجيبا في الوقت نفسه على أسئلة لم يسألوها بألسنتهم، ولكنها تدور في أذهانهم.. عن كيفية الوضوء الصحيح، ومكانة الوضوء في الإسلام، وأوضاع اليدين والقدمين في السجود والركوع، والصيام وواجباته، والزكاة وأحكامها متى وكيف تؤدى، و كثرة الحركة في الصلاة، وغير ذلك مما يتعرضون له من مشكلات أثناء أداء عباداتهم.. وأثناء إقامتهم وسفرهم، وعليه أن يدع ما يثير الناس من قضايا ليس بيده ولا بأيديهم حلها فلها أهلها، وما عليه وعليهم إلا الدعاء لأهلها بالسداد والثبات والتوفيق من الله تعالى؛ حتى لا يتولَّد جدل لا طائل وراءه..
أمَّا من أين يستقي الخطيب موضوع خطبته؟! فذلك شيء سهل للغاية، فكل واحد من الجالسين في المسجد يوحي لسان حاله بموضوع خطبة أو بأكثر من موضوع يمكن للخطيب إثارته والتنبيه إليه؛ فمنهم الأجير الذي ظلمه صاحب العمل .. وصاحب العمل الذي يخونه عماله، ومنهم عاق والديه، ومنهم المهمل للصلاة ولا يصلي إلا الجمعة فقط،، ومنهم من حرم أخواته البنات من ميراثهن، ومنهم من يتهاون في أمر من يدخلون بيته ولا غيرة عنده، ومنهم من يمنع زواج أخواته أو بناته للاستفادة من راتبهن، ومنهم المرتشي ومنهم.... ومنهم.. إلخ. فهؤلاء - نعم - مسلمون مؤمنون وبداخلهم بذرة إيمانية، ولكنها تحتاج إلى من يوقظها ويتعهدها بالتذكير ( فإن الذكرى تنفع المؤمنين)..
كل تلك المشكلات على الخطيب أن يتناول إحداها في خطبته متطرقاً إلى أسبابها ونتائجها، وطرق علاجها، مما يتيح مجالا خصباً يمكن أن يبرزه في خطبته ويستطرد فيه، مستشهداً فيما يقوله بالكتاب والسنَّة وسيرة حياة الصحابة والتابعين.. بذلك يكون الخطيب قد اختار مجالا مثيرا وجاذباً؛ لأن الإنسان بطبعه يحب دائما من يضع يده على جُرحِه، ويقول له (هنا موضع ألمك !) حتى وإن لم يصف له العلاج!! فما بالك وأنت أيها الخطيب - جزاك الله خيرا - ستشخص الداء وتصف الدواء وطريقة العلاج؟!

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved